بدأ ذلك اليوم منعشا ،على غير عادته، فالسحب المتراكبة في السماء والضباب الكثيف،وتلك الزخات اليسيرة المتقطعة من المطر، وذلك الهواء البارد، جعل السيدة نوال تكتري سيارة أجرة مع اطفالها وتذهب إلى البحر، وليس في هذا التصرف مايقلق، ولكنها استجابت للطبيعة في فرحها، خاصة بعد عامين من الطلاق، وحصولها على الأعالة من جمعية الايتام، كان الاطفال أشد فرحا منها بهذه الفسحة، فقد راحلوا يهرولون إلى البحر بملابسهم، وظلت السيدة نوال على الشاطيء وحيدة، لم يلامس البحر قدميها، لكنه كان يلامس روحها. وتساءلت: لماذا الحزن؟ فليذهب إلى الجحيم، لم اذنب، لقد تمسكت بقراري، لا يمكن أن اكون اداة للاذلال.
 ثم أخذت تمشي على ساحل البحر، والريح تضرب في ردائها، وزخات المطر الخفيفة تنسكب على حجابها، وقالت: لايعني أن اكون رافضة لقراره أن اكون متمردة, الرفض يعني إبداء الرأي, الحياة تشاركية, أن تكون لي مساحة من التفكير، لايعني أنني زوجة سيئة..
كانت أصوات اطفالها تأتي إليها هامسة، وهي تراهم يركضون في طيات الموج، الذي يداعب مشاعرهم، ويذهب بتلك الحيرة على وجوههم كلما قابلوا زملاءهم في المدرسة، وقد وصلت السيدة نوال في هذه الاثناء إلى طرف الشاطيء، ثم عادت من حيث اتت، وهي تبصر موجة كبيرة عاتية قادمة اليها، ولكم تمنت أن تركبها إلى أعماق المحيط، وهنا وجدت نفسها تتجه إلى البحر، تكاشفه همومها، غير مبالية بالريح التي تضرب في جلبابها فيتمايل جذعها يمنة ويسرة أخبرا وجدت من تحكي إليه وقد امتد لها ما وراء البحر عالم جديد من الزرقة اللا متناهية لتقود أطفالها إلى حياة اخرى
 وأثناء الطريق كانت تخرج يدها من نافذة السيارة ملوحة بها، لكائنات قهرتها ذات يوم، وزرقة البحر تتدفق إلى داخلها، راسمة املا جديدا ،طوته الايام.