بات الحزن يخرج من جدران منزله، يتمشى في الردهات،يعتلي الاشياء،يتمدد على السجاجيد، يختبيء في الكتب، يمتص اضواء القناديل، ويجثم على الملابس والاواني، يشتم روائح العطور، يعربد في الزوايا، ويكبح جماح الصمت، يتوسد الأغطية والملاءات، يحتشد في نبرات الاصوات، ويختلس النظر إلى محطات الفرح، وحين يداهمه تصرخ الاشياء فيه، تتكدس أمام مقلتيه صرعى كأنها حطام أمنية باهته.
هاهو الان يستقبل أول زخاته، إذ تستطيل فيه زمجرته العنيفة، فتحيله إلى ذات كابحة لاتتحرك، إلى مبتغاها،تلملم جراحاته تحت اقواس الندم والتشرد، وتهرب منه إلى افياء اللامبالاة تتسكع دون غاية إلى ممرات الفرح الغافية، وتحيد عنه كل ابتسامات الامس، وتعتليه غيوم الحزن من كل جانب، فيتفرس في وجوهها المخروطية، وتقوده إلى طواحين الالم.
 وعبثا يحاول الفرار فيقع في متاهة اليأس.
بات الحزن يفاجئه في المطعم، وفي الحافلات والاغاني، وفي تذاكر السفر، وقطعة السندو يتش وفي ملابس المناسبات، وفي فاتورة التيار، وفي بكاء طفل ولهاث عجوز تحت أنقاض الفقر.
 بات الحزن يختبيء له في الزوايا، وفي حدقات عيون الجميلات
 وكثيرا مايتدحرج إلى بواطن ضعفه ويسكب فيها فراغاته المقيتة، ويكدر صفاء لحظات حياته، ويوسمها بالعبث،و
يضيق ذرعا بالمكوث هنا فيغير من اتجاه بوصلة بقائه، ويسلك طريق متعرجة، يواجهه الحزن بشراسة، ضاغطا على أنفاسه، مادا اذرعه الاخطبوطية على جسده الواهن، وتشتعل شعيرات جسمه بالألم والمكابدة، يصرخ بكل طبقات الاصوات، على وعد خبأه للأيام، فلايفلح معه شيء، وإذ ذاك ينهض مترنحا على مؤمياء الحزن، فتسحقه تحت عجلاتها ،فلايفيق الا على لظى من نار والدرب تحته يغتلي بالحزن والسماء التي تظله تقوده إلى فيافي النسيان.