جلسنا على الساحل، حتى الامواج تلامس قدمينا، سألتها: هدى فيم تفكرين الان ؟إجابت دون ان ترفع نظرها عن موجة صغيرة تجاهد لمعانقة قدمينا:
_في إبريق الشاي
ومن فوري ناديت على الجرسون ليحضر لنا إبريق الشاي، و سألتها :أتحبين الشاي في الابريق؟ قالت: له مذاق خاص، واردفت: لا استصيغ الاشياء خارج إطارها الخاص بها، ممكن اشرب العديد من فناجين الشاي، لكنها لاتروي عطشي مثل الابريق.
وضحكت، فاسكنتني ضحكتها تلك الشهباء. 
كنت أراقب عينيها مليا وهي تتحدث، فقلت لها: تحتفين بالاشياء على نحو خاص جدا فقالت لي: كان ابي عازفا يعشق البحر.
فاقتربت منها، ورأيت لاول مرة تلك القلادة على صدرها فقلت لها: ماقصة هذي؟ فاطرقت إلى الاسفل ،ثم راحت تعاين الموج، والليل ينثر حلكته على الاصقاع، وقالت: هذه من بقايا امي،  قالتها بشيء من الحنان. وسألتها بشغف :كيف ستكون حياتي إذا لم اعرفك، حتما انها ستكون جحيما ،فتبسمت، وكان الموج يغسل قدمينا، وابريق الشاي قد انتهى نصفه، والقمر يسامرني، وقمر هدى يشع في الافق امامي، ويتناسل ورودا وشعرا يهمي على هضاب الروح، فيحيل جفافها إلى خضرة دائمة. وسمعت وشوشة البحر على مقربة منا، وكانت الطريق تمتد امامنا تولد في قلبي اسئلة  شائكة ،فانشغلت لدقائق بمراقبة الطريق، فيما كان الجرسون مقبلا نحوي، لاخذ إبريق الشاي الفارغ، وقال لي: تفضل الجلوس دائما لوحدك، أليس كذلك؟ قلت له: إلى حد ما.
 وهنا التفت إلى هدى ،كان مقعدها فارغا، يغسله ضوء الطاولة، ولا وجود لها على المقعد،فركت عيني بذهول، ونظرت إلى ساعتي، وايقنت باني كنت لوحدي جالسا، وانما خيالي هو من صور لي ذلك البحر، وذلك الساحل ،وذلك الابر يق.فرجعت إلى غرفتي وحيدا ،اسفل ذلك الطريق.