رسالة سرية: قصة قصيرة
وضعت (بهية) لزوجها تحت الوسادة رسالة سرية، وافتتحتها بقولها:
((زوجي الحبيب زكريا:
تعلم أني اندفعت إلى حبك بشكل جنوني، وتركت كل شيء خلفي، حتى حلمي الوحيد أن أصبح فنانة تشكيلية، وتفرغت لك، ورفضت الذهاب مع أسرتي إلى ألمانيا، حيث يعمل والدي في السلك الدبلوماسي، وهجرت كل شيء جميل كنت أحبه،
وكلما ابعتدت عن ذلكم الحلم كلما اقتربت منه، واليوم جاءتني فرصة للمشاركة في معرض تشكيلي في ألمانيا، فهل أتركها؟ إنها فرصة تحقق لي حلمي.))
كانت بهية تصوغ هذه الكلمات بصعوبة، وتذرع الغرفة جيئة وذهوبا، و تلمح كل شيء جميل في زكريا وتهفو إليه،
لكن قرارها بالرحيل استحوذ على كل شيء في حياتها، وراحت تتفقد غرف البيت واحدة واحدة، وهي تعد حقيبتها للسفر، وفي كل خطوة كانت تتذكر زكريا، وتحس بقساوة ما أقدمت عليه، ولكن أضواء ذلك الحلم كانت تبهرها.
ووقفت أمام هدية زواجهما الأول واحتضنتها كمن يودع روحا أسيرة، وهفت إلى سائر أشياء الغرفة فقبلتها. وبشدة
وضعت الرسالة تحت المخدة وبكت طويلا، لكنها لم تكد تخطو إلى الباب بسهولة، حتى انفجر في خلدها بكاء آخر حاد وجلست على حافة السرير مكلومة، واضعة يدها على جبينها برهة من الزمن، قبل أن تقوم بإغلاق باب البيت، وتتساءل؛ هل يحتوي الحب على نسبة من العنف؟ وما الاستحواذ في الحب؟
وسارت بخطوات مرتبكة إلى أرض المطار، كانت الأشياء على الطبيعة تبدو لها نافلة ومهزوزة وكأنها ستقع، وكانت تمد يدها من نافذة السيارة لتسد بها وجوها مخروطية تمنعها من تحقيق حلمها. وصلت المطار بعد عناء، وتوجهت مع أول طائرة مغادرة إلى ألمانيا،
تمتد أطياف ذلك الحلم أمامها وتختفي.
وما إن جلست على مقعد الطائرة، حتى برز لها طيف زكريا الجميل كأنصع مايكون، وباتت تلاحق حلمها وهو ينأى عنها إلى البعيد.