من مذكرات بحار
بخفة وجد نفسه وسط القارب،أدار المحرك فانطلق به يجوب الانحاء القريبة، بدأ يصفر تصفيرا مسموعا، كان يعتقد أن التصفير يجذب الأسماك، يقترب قاربه الآن من العمق، والرياح قد اشتدت، وضع ساعده على لوح القارب الأمامي، وراح يتذكر يوم أن كان صبيا، قذف به أبوه وسط المركب الصغير، وقال له/ ابحر لاتخشى شيئا، تذكر العلامات، والنجوم، اتسمع ماأقوله لك، هيا امض.
كان صوت والده يأتيه قويا من خلل الموج، وتتبدى صورته في الأفق، وكان البحر يمتد أمامه واسعا، يحكي إصراره على الذهاب إلى الأعماق.
وواتاه صوت والده مرة أخرى/ إذا كنت في الاعماق، تذكر المحار، صفر بفمك، فإنها تجتمع على التصفير. كان والده قد سمع بهذه الحكاية عن أبيه، وفي ذلك اليوم عندما ذهب الصبي لأول مرة منفردا إلى البحر، تذكر كل ما قاله له والده، حتى ترك الساحل، ولم يعد يرى الا اشباح بيوت الصيادين ،والتلال البعيدة، لكن شيئا كان يتذكره باستمرار، ولم يقل به لوالده، أنه طيف قمر، تلك البنت الساحلية، التي قالت له ذات يوم
_ دهوم ابغي تجيب لي قلادة من البحر.
وفكر دهوم/ أين أجد هذه القلادة لاهديها الئ عيني قمر، وكلما أطلت عليه بخيالها ، أمعن في السير قدما، إلى الأعماق، وقد امتلأ قاربه بالأسماك، وإذا بصنارته تنقل له السمكة الذهبية النادرة، فأخذ يعالجها رويدا رويدا،متذكرا وصاياأبيه، ولكنه فشل، فقد كانت ذات حجم كبير، لم تستطع قواه إن تقودها إلى وسط القارب، لكنه رأى زعانفها الطويلة، وشكلها الذهبي ،وقال في سره:
_ سأعيد الكرة، وبالفعل ألقى بصنارته، واستطاع أن يصيد سمكة أصغر منها، تشبه عيونها عيون قمر، البنت التي يهواها ،وإذ ذاك عاد القهقرئ إلى الساحل، وقد اصطف والده مع بعض الرجال، يتفقدونه من رحلة صيد لاول مرة،وكان هناك في البعيد تقف قمر، منتظرة قلادة البحر،بفرح لا يوصف.