سوق الجمعة
من كل مكان توافد الناس على سوق الجمعة.. حتى أولئك الفقراء ذوي الدخل المحدود. كان همهم الوحيد التقاط اللقياء التي تسقط.. لاينظرون إلا الى الأسفل.. بحثا عنها .
ولم يكن أمام شعبان الا أن يخرج من منزله الطيني.. في نهاية تقاطع الشارع.. إلى سوق الجمعة.
شعبان كان حمالا .. لكنه في السنوات الاخيرة من حياته.. لم يعد يقو على حمل البضائع الثقيلة
.. فقد هرم و شاخ.. ووهن عظمه. وفي يوم الجمعة
توسط السوق.. ونظر إلى الخضروات وبالاخص الى الفاكهة . وكم تمنى أن تكون بيده تلك البطيخة.. ولكن وضعه المالي لايسمح له.. فمر من
أمام بائع التوابل.. العم يعقوب.. فرآه فقال له: تعال ياشعبان... هناك جونية بسباس خفيفة.. ممكن تجلبها من متجر العم ياسين.؟
مضى شعبان صوب غايته تلك.. وبصعوبة وضع الجونية على ظهره ..وانطلق بها .. وكلما مر من امام البطيخة.. سال لعابه.. وترنم بتلك الاغنية الشجية: ياراد ياعواد.. الى أن انهى مهمته.. واستلم اجرته الضئيلة ونحا جانبا يتطلع إلى السوق.
ووقف امام بائع الفاكهة.. وعاود النظر بشغف الى تلك البطيخة . كانت سوق الجمعة تعج بالناس.. وتنبعث منها الراوائح المقززة ..ورائحة الشواء.. وتسمع اصوات الباعة والضوضاء.. لم يعر أحد من الباعة شعبان اهتماما.. ظنا منهم أنه لايستطيع الشراء.. حتى جاءت امرأة بدينة.. واشترت تلك البطيخة التي اختارها ..دفعت ثمنها.. ووضعتها في حجرها.. ومضت تجتاز الصعيد.
كان شعبان واقفا ..لم يستطع الكلام.. كان يود أن يقول.. لا.. اتركيها .. انها لي.. لكن المرأة اشترت البطيخة وتركته.
كان شعبان.. دائما.. أو في اغلب الاحيان.. لايتحصل على مايتمناه.. وكان يعزو ذلك الى اشياء دفينة فيه.. الى ضعف صنع القرار.. إلى ضعف الارادة والفشل..بكى في سره طويلا.. ثم عرج على المحال التجارية.. يتلمس رزقه .. وسوق الجمعة لاتكف عن الحركة..
ولما وجد فرجة انسل بخفة سالكا الطريق المتعرجة الى منزله.. والبطيخة لاتفارق خياله..وتتسع دائرتها.. لتسد عليه أفق الطريق.