تلك المدينة
ليس يدري أين يتجه، فبعد أن توسطه الشارع العام، وهو يشعر بخيبة أمل كبيرة، فقد فقد اهم صفة كان بسببها يمضي إلى اشيائه التي يحبها، شعور عميق، صاخب قوي، كان يجري في دمه، وبعد مكائدات، فقد هذا الإحساس، فقد هذه القيمة التي تجعل للاشياء معنى وصيرورة، ولاشيء يجعلك حائرا، لاتدري أين تتجه، مثل فقدان ذلك الشعور، ولهذا عندما توسطه الشارع الذي تزينه سراجات النيون، غدا كنقطة بعيدة في ليل ندي، يبحث عن ذلك الاحساس، فلايجد الا مزيدا من الحيرة والارباك.
تحرك الان باتجاه اليمين، كل الشعارات التي نادى بها أضحت سرابا ،تحرك باتجاه اليسار ،كل الأفكار التي تبناها اضحت شعارات لغيره، تقدم الى الأمام، واجهته اسماء تتهمه بالفساد، رجع إلى الخلف، فوقع في براثن الرجعية، فجلس ارضا كمتسول على قارعة الطريق.
مضى وقت وهو جالس يتأمل العمارات الاسمنتية الشاهقة، يتأمل المدينة التي سرقت توهجه، يتأمل الناس الذين يمشون، أو الذين هم واقفون، أو الذين هم جالسون، إلى اين يمضون؟ هل يلمحون بصيص أمل في التغيير؟ هل صاروا كالدمى تحركها اياد قذرة تمتهن الحرب؟ هل حددوا وجهتهم؟ ام طحنتهم آلة المدينة الجائرة؟
وشعر بقوة مبهمة تجره إلى الخلف، حتى ليكاد ينهض، لكنه غير قادر على السير، فاحتمى بعمود نور، وظل وجهه مسنودا على ذلك العمود، الذي يبدد ظلام المدينة، التي تهوي بنفسها على البسطاء، وتسحقهم تحت عجلاتها، وظل ممسكا بعمود النور، ينظر إلى اليمين تارة وينظر إلى اليسار تارة ثم ينظر إلى الأمام وينظر إلى الخلف ،يصارع السقوط تحت براثن المدينة، ويقول: أن الإنسان قد يهزم لكنه لا يسحق ابدا
وتحامل على نفسه،انصهر من شدة الالم، وجرب محاولات أخرى يسترد بها ماتبقى من هويته،لكن كل شيء الساعة أمسى يبابا، والمدينة ترسل شواظها وحقدها ،لتخلق منه كائنا باهت الملامح.
وإذ ذاك مشى قليلا، قبل أن يهوي إلى الأرض، ويشخص ببصره إلى السماء.