كأس العالم 2022: مزاعم فيفا حول الحياد الصفري الكربوني "خطيرة ومضللة للغاية"
صوت عدن | علوم وتكنولوجيا:
يقول بعض دعاة حماية البيئة إن مزاعم الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بأن بطولة كأس العالم سوف تحقق الحياد الصفري الكربوني "خطيرة ومضللة"، وإن البطولة قد يكون لها بصمة كربونية تبلغ ثلاثة أضعاف ما هو معلن.
كما يواجه فيفا شكاوى وانتقادات في مختلف أنحاء أوروبا، وخطابا مفتوحا يطالبه بالتخلي عن سياساته المتعلقة بالاستدامة البيئية.
يقول فيفا إن البصمة الكربونية لكأس العالم الذي سيقام في قطر في وقت لاحق من الشهر الحالي سوف تبلغ ما يعادل 3.6 مليون طن من مخلفات الكربون، وإنه سيتم التعويض عن ذلك من خلال عدد من المبادرات.
ولكن مايك برنرز-لي من جامعة لانكاستر صرح قائلا: "بحثنا في تقدير فيفا بشأن البصمة الكربونية [للبطولة]، ونعتقد أنها ستزيد بكثير عن 10 مليون طن - أي على الأقل ثلاثة أضعاف المعلن".
ويرى عالم المناخ البروفيسور كيفن أندرسون من جامعة مانشستر أن مزاعم فيفا "مضللة بشكل كبير وخطيرة للغاية".
ويقول أندرسون: "سيكون هناك تكلفة بشرية مباشرة لهذه البطولة. إنها كمية ضخمة من الانبعاثات تلك التي ستصدر عن ذاك الحدث الرياضي. وهذه الانبعاثات سيكون لها أثر في شتى أنحاء العالم".
كما ذكر برنرز-لي أن "الحياد الصفري الكربوني مصطلح ينطوي على المراوغة والتحايل. فخطة التعويض التي اختارتها بطولة كأس العالم لا تزيل الكربون من الغلاف الجوي، ومن ثم فإنه مصطلح خادع. من المضلل للغاية أن نتحدث عن الحياد الصفري الكربوني لكأس العالم".
يشير الخطاب المفتوح إلى أن استراتيجية الاستدامة البيئية للفيفا تحتوي على حسابات كربونية خاطئة، وممارسات تعويضية محل شك، كما أنها تلقي بالمسؤولية على كاهل المشجعين بدلا من أن يتحملها الاتحاد نفسه.
ويقول فيفا إن نسبة 51.7 في المئة من الـ 3.6 مليون طن كربون الذي سيصدر عن بطولة كأس العالم بقطر ناتج عن السفر، بما في ذلك الرحلات الجوية للمشجعين، وإنه تعهد بالتعويض عن الانبعاثات الكربونية للرحلة الجوية لكل حامل تذكرة، بالإضافة إلى عدة مبادرات أخرى مثل استخدام وسائل النقل التي تعمل بالكهرباء في التنقل بين أماكن إقامة المباريات.
وجاء في بيان للاتحاد: "فيفا يدرك تماما أن التغير المناخي واحد من التحديات الملحة في عصرنا هذا، ويؤمن بأنه يتطلب منا جميعا اتخاذ إجراءات مناخية فورية ومستدامة.
"للمرة الأولى على الإطلاق، تعهد فيفا والدولة المضيفة قطر بإقامة بطولة كأس عالم تتسم بحياد صفري كربوني تام. وقد تم تنفيذ مجموعة شاملة من المبادرات لتخفيف أثر الانبعاثات المرتبطة بالبطولة، بما في ذلك إقامة استادات تتسم بالكفاءة في استخدام الطاقة تصاميمها وإنشاءاتها وعملياتها حاصلة على شهادات المباني الخضراء، وكذلك وسائل نقل منخفضة الانبعاثات، وممارسات مستدامة لإدارة المخلفات.
"كل الانبعاثات المتبقية سوف يتم التعويض عنها من خلال الاستثمار في أرصدة كربون معتمدة ومعترف بها دوليا. يتم ذلك بشكل تطوعي ورائد في مجال الرياضة. من الممكن القيام بالمزيد، وسوف نقوم بالمزيد، وقد تعهد فيفا من خلال إطار رياضة من أجل المناخ الذي أطلقته اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، وكذلك من خلال استراتيجيته المناخية، بالوصول بصافي الانبعاثات إلى صفر بحلول عام 2040."
لاعب كرة القدم النرويجي الدولي مورتن ثورسبي الذي لم تتأهل بلاده لكأس العالم والذي يلعب بنادي اتحاد برلين، أحد نوادي دوري الدرجة الأولى "البونديسليجا" الألماني، يمثل عددا من اللاعبين والهيئات التي تشكك في صحة مزاعم فيفا.
يقول ثورسبي في خطاب مفتوح: "هذه البطولة كارثية، فيما يتعلق ببصمتها البيئية".
"لقد بنوا منشآت من أجل هذا الحدث فقط، وهو ليس بالشيء الجيد أبدا".
يطالب الخطاب فيفا بالتوقف عن ادعاء تحقيق الحياد الصفري الكربوني، ومراجعة مقاربتها فيما يتعلق بالبطولات "النظيفة" قبل بطولة كأس العالم لكرة قدم للسيدات والمزمع إقامتها في كل من استراليا ونيوزيلندا في يوليو القادم.
من بين الموقعين على الخطاب ثورسبي - الذي فاز مؤخرا بجائزة بي بي سي للرياضة الخضراء لحملته الرامية إلى التوعية بالتغير المناخي، وديفيد ويلر لاعب نادي وايكوم واندرارز الإنجليزي، نادي فورست غرين روفرز الإنجليزي، والسويدية إلين لاندستروم لاعبة نادي روما الإيطالي، وزوي مورس لاعبة نادي شيكاغو رد ستارز الأمريكي.
وجاء في الخطاب: "التغير المناخي هو الخصم الذي يجب علينا مهاجمته - ونحن الآن منخرطين بالفعل في الوقت بدل الضائع. أيا كان القميص الذي نرتديه، أو النشيد الذي نردده، فإننا سنربح الكثير من وراء اتخاذ إجراءات حاسمة. ولكن بدلا من اغتنام هذه الفرصة الذهبية، فإن فيفا وضع نفسه في موقع سيجعله يخسر أفضل فرصة له لإحراز هدف.
"وُصفت البطولة بأنها 'أول بطولة لكأس العالم لكرة القدم تحقق الحياد الصفري الكربوني التام'، ما يعني أن أثرها على الكوكب يجب أن يكون صفرا".
من يعترض على مزاعم فيفا؟
قُدمت شكاوى بشأن إعلانات فيفا المتعلقة بمزاعم الحياد الصفري الكربوني لبطولة كأس العالم بقطر في كل من المملكة المتحدة وفرنسا وسويسرا وبلجيكا وهولندا.
الاعتراضات تتمحور حول كون تلك المزاعم خاطئة بسبب التقليل من شأن الانبعاثات وعدم مصداقية مبادرات التعويض عنها، ما يعني، برأي المشاركين في تلك الحملة، أن المستهلكين والمشجعين يتعرضون للتضليل.
تقدم معهد الطقس الجديد New Weather Institute بالشكوى في المملكة المتحدة. وقد تقدم بشكاوى مماثلة كل من تحالف المناخ Klima Allianz Schweiz في سويسرا، ورابطة Notre Affaire a Tous في فرنسا، ومؤسسة Carbon Market Watch في بلجيكا، ورابطة Fossil Free Football في هولندا.
تشير أرقام فيفا إلى أن بطولة كأس العالم التي أقيمت في البرازيل عام 2014 نتج عنها بصمة كربونية تعادل 2.72 مليون طن، في حين بلغت البصمة الكربونية لبطولة روسيا عام 2017 ما يعادل 2.17 طن
ما الذي نعرفه عن الشكاوى المتعلقة بالاستدامة البيئية للفيفا؟
أثيرت الشكوك حول مزاعم فيفا بشأن الحياد الصفري الكربوني لكأس العالم في وقت سابق من العام الحالي، حيث ذكر تقرير لمؤسسة Carbon Market Watch أن المزاعم تضمنت "حسابات مبتكرة" وأنها "مضللة".
يذكر الخطاب أيضا أن تقديرات الانبعاثات الصادرة عن السفر "تم تقليلها بشكل كبير" وأن وصف البطولة بالحياد الصفري الكربوني قبل إقامتها أمر "من المستحيل التنبؤ به".
كما يشكك في كفاءة مشروعات تخفيض انبعاثات الكربون وكيفية تقديرها.
ويضيف أندرسون: "الزعم بأن الأحداث الضخمة، سواء كانت كأس العالم أو أي حدث رياضي أو موسيقي آخر، تحقق الحياد الصفري الكربوني أمر مضلل للغاية ويجعل الموقف أسوا وليس أفضل".
"نحن نحاول إبقاء ارتفاع درجة حرارة البحر عند مستوى 1.5 درجة مئوية - وقد اقتربنا بالفعل من هذا المستوى. المساحة المتبقية من الانبعاثات أقل من أن نفترض أننا نستطيع أن نرسل الناس على متن رحلات جوية عبر أنحاء العالم، وننتظر من هؤلاء الذين يعيشون في أماكن أخرى من الكوكب أن يغيروا سلوكهم للتعويض عن تلك الانبعاثات، وهو ما يعني أننا لا زلنا لم نتعلم كيفية إدارة الوضع بشكل مختلف".
ويضيف أندرسون أن فكرة أن "هناك دائما طريقة سهلة لحل المشكلة من خلال إنفاق حفنة من الجنيهات لتعويض الانبعاثات" هي فكرة"خطيرة إلى حد كبير" وتعد "دلالة على سلوك في غاية السوء".
"لقد تصرف فيفا كالمعتاد: فلنذهب إلى مقر انعقاد رائع، ونحصل على بضعة أرصدة كربونية للتغطية عليها. ليس هناك ابتكار، أو فكر حقيقي، ليس هناك زعامة - لقد أخفق فيفا على كافة المستويات".
هل يمكننا تعويض انبعاثات الكربون بطريقة مسؤولة؟
يرى برنرز-لي أن فيفا قلل من تقدير حجم بصمته الكربونية "بشكل قبيح"، وأن "الزعم بأنك ليس لديك أثر كربوني لن يجدي".
"كأس العالم مهم جدا، ومن المؤكد أنه سيكون له بصمة كربونية. ينبغي علينا أن نجعل تلك البصمة صغيرة بقدر المستطاع. صحيح أن [فيفا] ربما يرغب في نقل كأس العالم حول أنحاء العالم لإظهار الدعم لكافة البلدان التي تشجع كرة القدم، ولكن قطر ليست واحدة من تلك البلدان.
"مثال على ذلك هو أن فيفا افترض أن كافة تلك الرحلات [الجوية] ستكون رحلات ذهاب فقط، وهو افتراض لا يقبله عقل على الإطلاق.
"أكثر ما يمكن أن تفعله لتعويض الانبعاثات هو تنفيذ مشروعات تزيل الكربون من الغلاف الجوي، كزرع الأشجار أو استرجاع مستنقعات التربة العضوية.
"مزاعم فيفا بأن كأس العالم القادم سيكون الأكثر اخضرارا على الإطلاق تنافي العقل والمنطق. فكرة أن جعل البطولة خضراء من خلال وسائل رخيصة لما يطلق عليه تعويض الكربون، والذي لا يعالج على الإطلاق الضرر الذي تتسبب فيه الانبعاثات، وأن الحياد الصفري الكربوني سيتحقق- هي فكرة غير منطقية على الإطلاق".
ما هي "البرامج البيئية المهمة" التي نفذتها قطر؟
قال متحدث باسم اللجنة العليا القطرية للمشاريع والإرث: "منذ أن فزنا بتنظيم البطولة في عام 2010، كانت الاستدامة البيئية هي السمة المميزة لتخطيطنا وعملياتنا، كما كانت في لب رؤيتنا لإرث [البطولة].
"سوف تخلف مشروعاتنا البيئية المهمة إرثا دائما عبر أنحاء البلاد. يشمل ذلك منشأة الطاقة الشمسية التي تعادل مساحتها مساحة 1300 ملعب كرة قدم وتبلغ سعتها 800 ميغاوات، والاستادات التي وضعت معايير جديدة للتصميم والاستدامة وحازت على بعض من أعلى شهادات المباني الخضراء.
"حديقة الأشجار والنباتات تضم إجمالي 67900 شجيرة و1600 شجرة أُعيد زرع غالبيتها حول مواقع الاستادات وغيرها من مناطق البلاد. الكثير من تلك النباتات ينمو بشكل طبيعي في هذه المنطقة ويتحمل الجفاف، وهو ما يقلل من مستلزمات الري. ويستخدم نظام الري مياها أعيد تدويرها. هذه الأشجار الجديدة سوف تخفض من انبعاثات الكربون".
"الطبيعة المحكمة لبطولة كأس العالم هذه تعني أنه لن تكون هناك حاجة لرحلات طيران داخلية، وسيكون بإمكان المشجعين الانتقال إلى الاستادات مجانا على متن شبكة قطارات مترو الدوحة عالية التقنية، فضلا عن 750 حافلة كهربائية جديدة".
المصدر: بي بي سي