لا أحد يعرف شيئاً عن معركتي مع الحياة .. أبتسم في وجه العالم ، وكأنني قوي، بينما في أعماقي تنهض حروب لا تهدأ .. أكتب الخواطر والحكايات والمقالات كي لا أختنق بالصمت، وأحاول أن أُهَدّئ ضجيج الروح بحروفٍ مبعثرة ، لكني أكتشف أحياناً أن الكلمات نفسها تتحول إلى جدار يضغط على صدري ، فأختنق بها كما اختنقت من قبل بالصمت.
  ورغم كثرة ما أقوله وأكتبه ، يبقى في القلب ما هو أعظم من أن يُقال . هناك مشاعر تُرهقني بحجمها، وأسرار أخشى لو خرجت أن تحطمني . ففي داخل كل إنسان غرفة مغلقة، غرفة مظلمة لا يدخلها أحد، نخشى طرق بابها حتى لا تنهمر الدموع ، وحتى لا يُكتشَف الضعف ، الذي نُخفيه بعناية خلف الهدوء.
  ليس كل هادئ خالي البال ، وليس كل صامتٍ لا يُبالي .. بل في الصمت ألف حكاية ، وفي الهدوء ألف صرخة مكتومة. قد ترى شخصاً ساكن الملامح ، لكن قلبه ممتلئ بذكريات موجعة، وأحلام مكسورة، وحنينٍ لشيءٍ بعيد. وقد تظن أن ابتسامته خفيفة، بينما هي غطاء رقيق يُخفي تحته أسرار عاصفة لا تهدأ .
  الحب أيضاً يسكن تلك الغرفة المغلقة ؛ حبٌ لم يُكتَب له أن يُقال، أو مشاعر لم تجد طريقها إلى النور. وربما لهذا نتمسك بالكتابة، لأنها تمنحنا نافذة صغيرة نطل منها على قلوبنا، حتى لو لم نجرؤ على فتح الأبواب كاملة.
  وفي النهاية، نظل نحيا بين الكلمات والصمت، بين القوة الظاهرة والضعف المستتر. نظل نُخفي ما لا يُحتمل، ونُظهر ما يكفي فقط ليُقنع العالم أننا بخير. أما الحقيقة، فهي أن كل قلبٍ يحمل قصصاً أكبر من أن تُروى، وأثقل من أن تُكتب.