الحوثيون والامم المتحدة... مَن يحتجز مَن؟
في مشهد يعكس عمق الازمة اليمنية وتحولاتها الخطيرة، اقدمت جماعة الحوثي خلال الايام الماضية على احتجاز موظفين تابعين للامم المتحدة في صنعاء، مبررة فعلتها باتهامات “التجسس”، في تكرار ممل لاساليب تعطيل العمل الانساني، واستخدامه كورقة ضغط سياسية.
الرد الاممي لم يتأخر؛ إذ اعلنت المنظمة الدولية اعادة تقييم وجودها في مناطق الحوثيين، في اشارة واضحة الى أن الثقة باتت في ادنى مستوياتها، وأن بيئة العمل الانساني اصبحت رهينة لنزوات الحوثي وميليشياته.
هذا التطور لا يمكن قراءته بمعزل عن سياق اوسع، لجماعة مسلحة تُحكم قبضتها على مؤسسات الدولة، وتتعامل مع المنظمة الدولية كمنظومة يجب تطويعها واخضاعها لها، لا كشريك في تخفيف معاناة اليمنيين. في المقابل، تبدو الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا عاجزة عن تحويل هذه الانتهاكات الى ورقة سياسية فاعلة تفضح الحوثيين وتعيد ترتيب اولويات العالم تجاه اليمن.
الاحتجاز الاخير ليس مجرد حادثة امنية، بل هو اختبار جديد لمكانة الامم المتحدة، ولسيادة القانون التي ذابت في مناطق الحوثيين ويطرح سؤالا مقلقا: مَن الذي يحتجز الاخر فعلا؟ هل هم الحوثيون الذين يعتقلون موظفي الامم المتحدة، ام الامم المتحدة التي تحتجز ذاتها بإصرار لتُبقي برامجها وموظفيها تحت رحمة جماعة لا تعترف بقواعد العمل الدولي؟
لا شكّ بأن استمرار هذا الوضع، والصمت الدولي، يمنح الحوثيين شعورا متزايدا بأنهم قادرون على فرض معادلاتهم الخاصة، الامر الذي يضاعف من تقويض سيادة الدولة في المناطق الخاضعة للجماعة، بالاضافة الى الخلافات التي تُنهك الشرعية داخليا، وهو ما يتطلب عملا سياسيا خارجيا مكثفا، وحلولا داخلية تعزّز من قوة الدولة وتُغلب المصلحة الوطنية على الخلافات، وتؤجَّل صراعاتها حتى لا يقع المحظور.