يحتفل شعبُنا اليمني العظيم بالذكرى الثانية والستين لثورة الرابع عشر من أكتوبر الخالدة، التي انطلقت شرارتها الأولى من جبال ردفان الشمّاء بقيادة الشهيد المناضل راجح غالب لبوزة، إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من النضال الوطني لتحرير الجنوب من الاستعمار البريطاني.

وقد رفعت الثورة منذ انطلاقتها ثلاثة أهداف رئيسية واضحة تمثّلت في:

1. تحرير الجنوب من الاحتلال البريطاني، وقد تحقق ذلك بتضحيات جسيمة في الثلاثين من نوفمبر عام 1967.


2. توحيد السلطنات والإمارات والمشيخات الجنوبية في دولة واحدة، وقد تحقق ذلك بقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية عام 1967 بقيادة المناضل قحطان محمد الشعبي.


3. توحيد اليمن في دولة واحدة، وهو الهدف الذي تحقق في الثاني والعشرين من مايو عام 1990 بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح ونائبه المناضل علي سالم البيض.

وبهذه المناسبة الوطنية الخالدة نجد أنه من الوفاء أن نحيّي الشهداء والمناضلين والمناضلات الذين ما زالوا على قيد الحياة، والذين قدّموا تضحيات سامية وسجّلوا أروع البطولات في سبيل حرية الوطن واستقلاله ووحدة ترابه.

لقد كانت في عدن آنذاك أكبر قاعدة عسكرية بريطانية في الشرق الأوسط، وبإرادة المناضلين أُجبر البريطانيون على الرحيل منها، كما قال الزعيم جمال عبد الناصر، الذي أعلن من تعز في أبريل عام 1964 أن على الاستعمار البريطاني أن يحمل عصاه ويرحل من عدن، ووقفت مصر إلى جانب الثورة وساندتها سياسياً وإعلامياً وعسكرياً ومالياً حتى تحقق النصر في 30 نوفمبر 1967.

استطاع النظام في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ، برغم شُحّ إمكانياته المالية وتخلّي بريطانيا عن التزاماتها المالية في مؤتمر جنيف 1967، أن يحقق إنجازات اقتصادية وثقافية وعسكرية وسياسية وتعليمية بارزة لم تشهد المنطقة مثيلاً لها، ووصلت نسبة الأمية نهاية عام 1985 إلى 2.5% باعتراف منظمة اليونسكو.

تحلّ هذه الذكرى فيما تدخل الحرب في اليمن عامها الحادي عشر، والتي لا يستفيد منها إلا تجّار الموت والحروب والارتزاق ومن يقف خلفهم، ولقد أكدنا مراراً على ضرورة وقف الحرب، ودعونا إلى عقد مؤتمر مصالحة وسلام يمني–يمني داخل اليمن، لا يُقصي أحداً، ويفضي إلى استعادة الدولة وتفعيل مؤسساتها وقوانينها وتشغيل خدماتها ومداواة كل الجروح، والشروع في البناء والتنمية اللذين توقفا لأكثر من عقد من الزمن.

حظيت هذه الدعوة بمباركة من أطراف محلية وإقليمية ودولية، لأن استقرار اليمن هو استقرار للمنطقة والعالم.

وتتزامن هذه المناسبة الوطنية مع وقف الحرب العدوانية الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في غزة، وخيبة أمل المعتدين في استسلام المقاومة رغم الحصار والتجويع والتهجير والإبادة الجماعية لعامين كاملين. خاض الفلسطينيون معركة تاريخية دفاعا عن النفس والأرض والإنسان، وصنعوا من صمودهم ملحمة سياسية وعسكرية وأخلاقية حظيت بأوسع تأييد عالمي لقضيتهم العادلة، وتُوّجت في النهاية بالتوصل إلى اتفاقٍ بوقفٍ دائمٍ لإطلاق النار ، وانسحاب قوات الاحتلال، وفتح معبر رفح في الاتجاهين، ودخول المساعدات الإنسانية، وتبادل الأسرى، بما في ذلك إطلاق سراح ما يربو على ألفي أسير فلسطيني.

وفي ذكرى ثورة أكتوبر نحيّي كل من تضامن مع شعب فلسطين وقضيته العادلة من مختلف الشعوب والدول، وفي مقدمتها جمهورية مصر العربية، والمملكة العربية السعودية، ودولة قطر، وغيرهم، كما نحيّي المقاومة الفلسطينية التي كانت ولا زالت تمثل خط الدفاع الأول عن الأمتين العربية والإسلامية ومقدساتها، والتي أثبتت أن الشعوب الحرة لا تخضع ولا تساوم على حقوقها وكرامتها مهما تكن التضحيات.

المجد والخلود لشهداء الثورة.
وكل عام وأنتم بخير.