ما كان لتلك التجربة أن تمر هباء، دون أن أسجلها وأكتب عنها،  وقبل أن أبدأ أودّ أن أشكر كلُّ شخص( نساء ورجال) سأل عني وعن صديقتي، على الرغم من أن كلمة شكرًا قليلة أمام تلك المشاعر، حتى أولئك اللواتي حاولن تكذيب ماحدث، فلا ملامة ولاعتاب( فكلُّ إناء بمافيه ينضخ)،   ولن أحكي رواية عن شيء من الخيال،  وإنما سأكتب عن حادثة ليس لها علاقة بالقانون وإجراءته وأرسم لوحة بأحرف كلماتي عمن يتمتع بأذية الناس إلى حد تقشعر منه الأبدان والنفوس ويتعامل معهم على أنهم حيوانات وليسوا بشرًا. فيتفنن في ذلك وهو يسوقهن مثل البهائم إلى حوش قسم الشرطة، ثم يغلق البوابة ويعطي الأوامر بعدم فتحها والسماح بالخروج لتلك البهائم التي أستطاع أن يصطادها بالتهديد اللفظي، والعجرفة والفضاضة والاستهزاء والسخرية، لأنه يمتلك القوة وهو خلف مقود سيارة هيلوكس جديدة عليها شعار الشرطة، وفي الخلف مجموعة من الافراد مدججين بالسلاح، يستطيع إعطاء الأوامر لهم اي -لقطيع اخر- بعدم الحديث و إلتزام الصمت، ويعطي الأمر لسائق السيارة وأنا وصديقتي وبعض الأخوات بالسير وهو خلفنا بسيارة الأمن، وتوقف عند توقفنا لإنزال الأخوات واعطاءهن اليافطات التي رُصت فيها كلمات تنادي بالحقوق الاساسية دون سواها. لأحد منكن ومنكم يتصور ما تشعر به في تلك اللحظة من مشاعر مختلطه من الإهانة و الذل وكسر النفس  وتظن في مخيلتك ومخيلتك وحدها إن أي إجراء يتم تجاه الناس لابد أن يكون بحسب القانون خلال تلك الساعة، سواء كان ظنك مخيبًا أو حقيقيًا ، أو مع تلك الدهشة وانت تبحث عن سبب الإصرار على أخذك لقسم الشرطة دون أي كلمة للرد على سؤالك، ولا حتى سؤالك من أنت واعطني وثائق هويتك؟ أي كلمة ...لم نسمع غير كلمة هيا وبصوت عالي:" إلى الشرطة؟؟؟" وتدور في ذهنك صور كثيرة من الماضي والعذاب النفسي فترة الحراك الجنوبي في الساحات ( خورمكسر، الهاشمي، الضالع، المكلا ...وغيره)  خلال تلك المدة الزمنية ومدى إمكانية أن يتكرر الأمر، والذي بالفعل تكرر في تلك الواقعة، التي لم تتوقع أن تحدث معك وأن تحت راية( الجنوب و أفراد أمن الجنوب وضباط الجنوب) لأنك منهم و فيهم- مثلما يقولوا كلما مررت بهم أو ألتقيتهم - محض صدفة-  كان تأثير هذا الأمر عليّ  أشد وقعًا من أي شيء آخر حتى وإن كنت في ظل التعذيب الجسدي أو غيره من صنوف فنون التعذيب الذي تجيدها قوات الامن وماتسمى قوات أمن على امتداد الجنوب واليمن والوطن العربي بأكمله، تظل هذه الواقعة الابرز عندي. 
لقد مضت زهرة عمري ومعظم شبابي في الدهاليز والساحات دفاعًا عن الحقوق وحق الجنوبيين في تلك السجون التي تتبع عفاش، وقابلت العديد من الشباب الذين اعتُقلوا أيضا بلا جريرة أو ذنب، وذُاقوا جميعًا ويلات العذاب، ومرت تلك الحقبة، وجاءت وليتها لم تأتي في ظل الجنوب أسوء منها، وتسألت مع نفسي:" ماذا فعلت وصديقتي لكلُّ هذا؟، ونحن نحمل الآمنا والامهم وألمهمن سويًا، وجئنا لنعبر عنها، وقد سمح بهذا المحافظ في لقاء بعض الأخوات معه...
 والغرض واضح بأن علينا أن نتذوق الرعب والمهانة والمذلة، في عالم ظالم وقاس لا تعرف الرحمة لقلبه طريقًا. ينبغي أن نموت ويمُتن النساء معنا كل يوم، في مكان أسمه"عدن"، التي أصبحت كفندق خمس نجوم وعلينا أن نلتزم الصمت ونحمد الله على نعمة الخمس نجوم فجميع الخدمات الاساسية متوفرة، ونحن هنا نبالغ فيما نريده زيادة على مالدينا...
 وصلنا إلى حوش قسم شرطة المعلا وسيارة الأمن ماتزال خلفنا وكأني في زفة عرس ينقصها الونان وصوت الكلاكس، وجاء صوت على مسافة قريبة يعطي الأمر الآخر:" هذه السيارة التي توزع اليافطات أحتجزوها؟"، نظرت وإذا به مدير شرطة المعلا شخصيًا، وأدخلنا سائق سيارة الأمن الحوش وأعطى الأوامر بإغلاق البوابة الكبيرة التي دخلنا منها، ( قلت لكم ولكن كنا كأضاحي العيد أو كصيد حيوان أليف) جاءته هدية من السماء وعليه الاحتفاظ بها... 
أردنا الخروج، صرخ حارس البوابة:" ممنوع هذه الأوامر" أردنا قارورة ماء ، إذا قطرة ماء...ممنوع أيضا"، وبقينا ننتظر متى موعد الذبح؟ وبعد رسائل عادية- ليس واتس اب- لمدير الأمن لان شبكة الهاتف لديه لم تكن مفتوحة وللمحافظ، جاء الأمر بإطلاق السراح، بالافراج، الاذن بالخروج سموه كما شئتم، وصاغت العديدُ من المواقع والمنشورات ذلك الخبر، كلُّ كما يقرأه عقله، لم أعلق على أحد،  ولم أصرح، إلاّ حينما قرأت خبر صادر عن الأمن ينفي ماحدث لنا،  لأن هناك من يغير الحقيقة، ياأصحاب الأمن والقوات المتعددة التسميات،  فنون الألم وصنوف التعذيب النفسي، وانتهاك الإنسان وكرامته، لايشعر بها إلاّ من تعرض لها -صاحبها فقط- ، لاتحدثني عن كرمك حين أطلقتني وصديقتي وسيارتي من حوش قسم شرطة المعلا، وبابه الموصد في وجهي وحراسته التي لم تستجب لقطرة ماء أبلع بها ريقي- خلافًا للقانون-، بأنك أنعمت عليّ بالخير لأن من هم تحت مسؤوليتك أخذونا للنزهة على شواطئ الساحل الذهبي،  وقد قطعت وعد لك بالاّ أعطي أي تصريح، وأنت في الخلف تطعني بخبرك( وأنا لا أكذب ولم أكذب ولن أكذب معكم ومع غيركم)، لك أن تعرف وغيرك من بعض القضاة بأنه حينما تم جرنا إلى الحوش كأضاحي أو كقطعان ماشية أو بقر، لم يتم حتى سؤالنا أو طلب وثائقنا مثلما ينص القانون؟ تركنا في زريبة عفوا حظيرة عفوا حوش قسم شرطة المعلا بدون أي كلمة اوسبب او سؤال غير ماذكرته أعلاه،،، واليوم بعد أن فُتحت أبواب الحوش ودعوني اسميه الحبس التمهيدي. نحو حبس اخر وسجون اخرى، وتحررنا عقب اتصال،  أضح فصل المعاناة المسطورة تلك شاهدًا تاريخيًا على أكثر من عشر سنوات من حكم لا أعرف له تسمية، وصارت عذابات النساء والرجال المنهوبة حقوقهم وحقوقهن قصصًا تروى،  بعد أن كانت صرخات تدوي في جحيم إنعدام الكهرباء وانقطاع الماء. إن كنت أنا وصديقتي استطعنا الاتصال بالمسؤولين، ماذا إذا كان بدل منا نساء أخريات مطحونات، بسيطات؟؟؟؟ ترى هل سيحدث معهن كما حدث معنا( علما بإننا لن نتركهن)؟؟ لا أظن و سيء ظني في هذا،  سيغبن في غياهب سجون متعددة، بعد إنتقالهن من سجن واحد ومعلوم ومعروف، إلى آخر مجهول.
 كل اللواتي تظاهرن بالأمس واليوم لابد أن يأتي اليوم الذي يسمعن فيه الهتاف الضارب بجذوره في أعماق التاريخ والمطرز بنفحات قدسية، وهو ينطلق من حناجرهن العزة والكرامة: الموت ولا المذلة"، كانت المعاناة ولا تزال ملهمة للنصوص الأدبية منذ قديم الزمان، فلا إبداع بلا معاناة كما قال الفلاسفة؛ إذ تمثل المعاناة قدرة الإنسان على الكتابة وتحويل الألم والعزلة إلى كلمات، إنه نوعًا من المواساة والعزاء ونسيم الحرية خاصة حينما يضيق المكان ويتسع الزمان للتأمل كما في زنازين السجون وعتماتها الضيقة، وأبواب الأحواش وصريرها الموجع، ومع تاريخ طويل من المطالبة بالحقوق، وآلامها وهي حقوقنا تعددت حكايات الحرية وأصواتها الآتية من عدن، تحطم وتمزق، سترة الظالم مهما كان منصبه وموقعه ومركزه،  والتي حاول بها سلب إنسانية الناس، باطقمه وسلاحه وبأهوالها المرعبة، إلاّ إنها وأنه  لن تُكسر ويُكسر قلمي التائق للحرية.