الأول مِنْ مايو ومجد العُمَّال
يحتفل عُمَّال العالم والشيوعيون والاشتراكيون واليساريون في الأول من مايو بعيدهم- عيد العمال العالمي.
ويُعبِّر عمال العالم والتقدميون عن التضامن الأممي، والكفاح من أجل الحرية والمساواة والعدل الاجتماعي.
كنا في «نقابة الصحفيين»، منذ التأسيس، في الـ 22 من أبريل 1976 نُصدِر بيانًا بهذه المناسبة، ونقوم بتوزيعه كمنشور، ونعمل على نشره في الصحف.
في العام 1980، وكنت حينها خَارجًا من الاختفاء، أصدرنا بيانًا بالمناسبة، وَطبعناه كالعادة، وَكُلِّفَ الزميل عبد الولي الشامي بتوزيعه في الحديدة وتعز، ولكنَّ الأمن الوطني اعتقله في الحديدة.
أقامت الحكومة احتفالاً بالمناسبة في ميدان السبعين، وكنت ضمن المَدعوِّين. كنت جالسًا مباشرةً وراء غالب القمش، ويبدو أنه سأل الأستاذ أحمد الرعيني عني؛ فأشار له الرعيني بأني وراءه. تبادلنا التحية، وبعد التعارف قُلتُ له: نحتفل بالأول من مايو، ويُعتَقل الزميل عبد الولي الذي وزرع بيان النقابة احتفاءً بهذه المناسبة، فَوعدَ بالإفراج عنه، وأُفرِجَ عنه بنفس اليوم.
لا أعقد مُقارنةً بين الماضي والحاضر. فالماضي سيء، ولكن الحاضر أسوأ. ففي الماضي كان هناك دولتان شطريتان شموليتان، تتحاربان وتتصالحان، وتُقرَّان بوحدة اليمن، وبالثورة اليمنية: سبتمبر، وأكتوبر، وبالوحدة اليمنية؛ فأين نحن اليوم؟!
للنظامين في الشمال والجنوب أخطاؤهما في الممارسات، وقمع الحريات، وعدم احترام حقوق الإنسان، ولديهما تقصير في الخدمات العامة، والمساواة والعدل، وفساد بمستويات معينة، ونقص وقصور في التشريع والتنمية والتحديث والبناء، ولكن لا مقارنة بين ما كان ناقصًا ومختلاً بالأمس، وبين ما هو غائب ومُنتَهك وضائع تمامًا اليوم.
هذا لا يعني أنَّ انتفاضة الشعب الشاملة في كل أنحاء اليمن ضد حكم علي عبد الله صالح وعصابته كانت خاطئة أو غير سليمة. فلا يتحمل الشعب اليمني المسئولية، ولا الربيع العربي في اليمن، ولا الشباب ولا الشابات اللائي اعتصمن لعدة أشهر في أهم المدن اليمنية، وقادوا المسيرات مرددين:
إذا الشعب يومًا أرادَ الحياه
فلا بُدَّ أن يستجيبَ القدرْ
= لا يتحملون مسئولية ما آلت إليه الأمور. فهل نلوم الحضارم على دفاعهم عن وحدة حضرموت بهبتهم الشعبية عام 2005؟!
وهل يلام الجنود والموظفون الجنوبيون على نزولهم للميدان مطالبين بمرتباتهم، ومدافعين عن ثورتهم الرابع عشر من أكتوبر، وعن الوحدة السلمية التي انقلب عليها المُعمَّدُون بالدم؟!
قبل النزول إلى الميادين في الـ 11 من فبراير 2011 ظَلَّ المئات والآلاف يحتشدون أمام مبنى رئاسة الوزراء بالعاصمة صنعاء كُلَّ يوم خميس لعدة أشهر يحتجون على الفساد والاستبداد، وإلغاء تجربة الجنوب، وينددون بالحرب عليه وعلى صعدة، وكانت تعز هي المبادرة بالدعوة إلى: «الشعب يريد إسقاط النظام».
يوم العمال العالمي منشؤه أمريكي. ففي العام 1886 في مدينة شيكاغو تظاهر الآلاف من العمال مطالبين بتخفيض ساعات العمل، واندسَّ البوليس بينهم؛ لِيُحِّول الاحتجاج النقابي إلى مواجهة مسلحة.
تبنت الأممية الثانية اليوم كيوم عالمي لانتفاضة «هاي ماركت». بدأ الاحتفال في اليمن بعد الثورة، وكان الاتحاد العام لعمال اليمن هو من يتصدر إقامة الاحتفال، لكنه لم يصبح يَومَ إجازة إلا بَعدَ استقلال الجنوب عام 1967.
كان القرن العشرون قرن سطوع الاشتراكية، وبروز المعسكر الاشتراكي، وحركات التحرر الوطني، ودول عدم الانحياز، وكانت الخاتمة بائسة.
انهار المعسكر الاشتراكي، وتَحوَّلتْ دول حركات الاستقلال إلى دول غارقة في الفساد والاستبداد، وتلاشت عدم الانحياز، وَتَسيَّدَ «اليانكي» الأمريكي كقطب وحيد.
ترامب امبريالي العقار يريد تحويل العالم إلى عقار يسومه بالنخاسة والنهب والاغتصاب، ويريد فرض الحماية على السويس وبنما، وتَمَلُّك كندا وبنما، وتهديد إيران، وتدويخ العالم بالتعرفة الجمركية، والتحكم في مصائر العالم وثرواته.
تتجه أنظار العالم إلى الصين الشعبية كقادم جديد في مواجهة الإمبراطورية الأمريكية وأوروبا الغاربة.
تغيرت أوضاع العالم، وَعَمَّتْ الأزمة الطاحنة، وتغيرت المفاهيم، كما تغيرت طبيعة ومفهوم العمل وتعريف العامل.
لن يَعودَ أيُّ شيءٍ كما كان. فالتغير حقيقة الله العظمى، وهو المطلق. فالتغيير مستمر، والحياة لن تتوقف..
ويوم عيد عُمَّال جديد.