في الذكرى الأولى لرحيل/ خبير الهندسة والموسوعة المعمارية "م . سعيدخليدي " (والإغتراب قسراً من قلب الوطن) ..؟!
24 /أغسطس/1938م
22 / مارس/ 2024 م
كلما مرت وتقادمت السنين ومضى قطار العمر أشعر بالزهو والإعتزاز والرفعة واصل الى درجة اليقين أن حضورك كان مفصلياً طاغياً ومؤثراً في حياتي ومكوناتي وساهمت إيجاباً في بناء شخصيتي فأنت (الرقم الصعب) في نظري وعقلي وقلبي ووجداني (والأب الحنون) والنموذج والإستثناء وستظل متربعاُ راسخاً في ذاكرتي (والدي الحبيب) إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا ..
السيرة الذاتية :
المهندس / سعيد بن سعيد مقبل خليدي ..
الولادة ومسقط الرأس (مدينة عدن / التواهي) تاريخ الولادة
24/ أغسطس /1938م ..
متزوج ولديه (7 من الأبناء) كاتب المقال وشقيقي (محمد مهندس طيار) وخمس فتيات (إحداهن توفاها الله) ..
حاصل على شهادات متعددة من أعلى المنابر العلمية في مدينة عدن وخارجها منذ يفاعة الصبا وريعان الشباب ..
التحق فيما كان يعرف ب (technical institute) وحصوله على (درجة الإمتياز) في نيل الشهادة العامة (G.C.E) التي كانت تعادل أرفع المراتب المعرفية والمنهاجية والعملية ..
وبعد تفوقه ونجاحه بالمرتبة الأولى في عدن تم (إبتعاته وإيفاده للخارج) لإكمال دراسته التي تفوق بها عن مجايليه في مجال التخصص (الهندسي المعماري) حيث مكث سنوات طويلة طلباُ للعلم والمعرفة والفرادة والتميز ، التي تجرع مرارتها من معاناة ومشقة (الغربة) خارج الوطن لتلقي العلوم الأكاديمية المنهاجية في (جامعة لندن) وبالفعل تم تحقيق (الحلم المنشود) في التخرج بإمتياز (عام 1967م) بحصوله على (شهادة البكلاريوس) تزامناٌ مع الإستقلال الوطني ،
كان الأمل يداعب خيال (شباب أبناء عدن) حينها من المثقفين والمتعلمين التي كانوا يطمحون في بناء الوطن وإعطائه جل معارفهم العلمية وخلاصة سنوات الدراسات التي تشربوا بها في كل أصقاع الأرض لتقديمها طواعية خدمة لعدن (الأم الحنون) .. والوطن المغتصب .. المذبوح .. المنهوب من قبل الذين تأمروا عليه (بمباركة سيناريو بريطاني) كلنا نعرفه ولاأريد الخوض في تفاصيله .. ؟!
وبالفعل تسلموا مقاليد الحكم بعد الإستقلال قطيع من الجهلة والرعاع والعسكر والمراهقين سياسياً ، كان والدي يحذوه الأمل وأقرانه من الكوادر المؤهلة إفساح المجال لكل أبناء عدن من الكوادر العلمية المؤهلة وإستدعائها لتلبية نداء الوطن والنهوض به منذ فجر الإستقلال 1967م ، ولكن للأسف أنتهى به المقام بعد كل خدماته وخبراته بالجحود والنكران والتغييب والتهميش الأمر الذي أضطره قسراٌ ( للغربة ) لكن هذه المرة مكرهاً ومطعوناٌ بأيدي الغدر من أبناء جلدته المتجبرين المتغطرسين واللصوص ليموت ويدفن في الغربة بعيداٌ عن (مسقط الرأس) عدن معشوقته الأبدية وحبه السرمدي الخالد ..!
يعد من أوائل الخريجين من أبناء عدن الشباب حاملين الشهادات العليا المؤهلين علمياٌ من خارج الوطن ..
(أباعصام ومحمد) كما كان يحلو له ويحب أن ينادوه وهم كثر من مختلف شرائح وطبقات المجتمع من أبناء عدن والوطن الطيبين والبسطاء كنت أشاهد وأرى في ملامحه أجمل تجليات معاني الفرحة والسعادة التي ترتسم على محيياه المبتسم وأقرأ في عينيه أبرز عناوين العزيمة والإصرار والتحدي ، رغم قسوة معاناة الحياة ..
كان ولايزال في خاطري كالطود الأشم ساكناٌ في مقلتي ومهجتي وفؤادي ، وملهماً بخصاله وسجاياه الحميدة ، عرفته وافر الصفات والشمائل والملكات المتعددة والخبرات الهندسية والمعمارية (الإحترافية المشهودة
والمنظورة) ..
التي وشمت على جدار الزمان والمكان أروع المأثر والمعالم في علوم الفنون الهندسية والمعمارية في مدينة عدن منارة الإشعاع والتوهج الفكري والمعرفي الثقافي التنويري والسبق الريادي في كل المجالات العلمية والأدبية والفنية الإبداعية منذ بدايات القرن العشرين الفارط .
ولعلنا نتذكر على سبيل المثال لا الحصر أبرز المحطات والمناصب القيادية التي تقلدها رحمه الله بعد حصوله على شهادة التخرج في مجال الهندسة المعمارية من جامعة (لندن) في عام 1967م ليبداء مشواره المهني الزاخر والحافل بالإنجازات المهنية النوعية في مدينة عدن منذ أن تقلد أعلى المناصب القيادية في ريعان الشباب ..
وفي الواقع أستطاع أن يرتقي بمستوى العمل (كمهندس شاب) بعد التخرج مباشرة بكل جدارة وإقتدار أكاديمياٌ وعلمياٌ بشهادة كل معاصريه ومن عرفوه عن كثب بما في ذلك من أختلف معهم في وجهات النظر وطريقة إدارته في تنفيذه لآلية الأعمال الهندسية التي أنيطت به في مسار حياته المهنية ولمساته (الإبداعية الخليدية) المعمارية والوظيفية ..
في الذكرى الأولى لرحيله نستعرض أهم المحطات في مشواره وحياته العملية بشكل مقتضب ومؤجز :
شغل منصب (كبير المهندسين بعد التخرج في عام 1967م في ميناء عدن) ثم (مديراً عاماٌ في شركة أحواض السفن ) والحوض العائم أضافة إلى ذلك قام بتصميم وإشراف وتطوير وبناء (بريد عدن العتيق) في مدينة (كريتر) كما قام ببناء وتحديث مباني ومواقع ومكاتب المؤسسة العامة للإتصالات في عدن (التواهي) المشهور سابقاً تحت مسمى ( كيبل أند واير ليس) والمعروف بمبنى البرق (ETC) المتاخم (لشاطى رامبو) الذي أصبح معروفاُ فيما بعد للأجيال الحديثة وحالياً بهذا العنوان (المؤسسة العامة للإتصالات السلكية واللأسلكية) ..
شاهد عيان على العصر الذهبي وحتى كتابة هذه السطور في مدينة التواهي ، مروراُ بتشييد وبناء إذاعة عدن القديمة التي تأسست في (عام 1954م) في مدينة التواهي أنها السبق الإعلامي الريادي والفكري النهضوي إذ تعتبر محطة مدينة عدن ثاني إذاعة في الوطن العربي وأول إذاعة في الجزيرة العربية والخليج العربي إذاعة عدن (سيدة الأثير والقدرة الخطابية) والتي كان موقعها تحديداٌ بجانب
مبنى القوات البحرية العسكرية .. ، كما أنه تبوء منصب مديراً عاماً لميناء خلف) في محافظة حضرموت بالمكلا وعمل أيضاً مستشاراُ في المؤسسة العامة للإتصالات وفي المحطة الكهروحرارية والمؤسسة العامة للكهرباء ..
ولاننسى دوره المحوري والفاعل في مرحلة البناء والعمران التي شهدتها مدينة عدن بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية حينها ..
كان القاسم المشترك في أهم المشاريع التنموية في حقبة السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الفارط ..
وجذيراً بالذكر الإشارة أنه أرتبط أيضاً بجانب وظيفته الرسمية الحكومية بالعديد من المقاولين الكبار أتذكر منهم رحمهم الله جميعاً :
شمسان عون / أحمد هادي (الأحمدي) / سعيد عبدالله (الحبيشي) / أحمد يوسف النهاري/ عبدالله منصور / محمد عثمان (العريفة) وغيرهم من صناع النهضة في مدينة عدن الحبيبة وبقية المحافظات الأخرى ، وكذلك عمل مع الكثير من المنظمات الدولية كخبير في المجال المعماري وفنون الهندسة بمختلف خصوصيتها وفروعها واسعة النطاق ..
الحقيقة لايتسع المجال في هذا المقام الخوض بتفاصيل حجم المعاناة والتهميش والتغييب والمعاناة التي كابدها (والدي) بسبب القيم والأخلاق والعلم والتواضع والإعتزاز بالنفس الذي جبل عليها منذ الطفولة السمة التي تفرد بها غالبية أبناء عدن الحقيقين ..
تمر الذكرى الأولى لرحيله الموجعة المؤلمة في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المبارك ، فارقنا الوالد والحبيب خارج الوطن في بريطانيا بمدينة (شفيلد) فجر يوم الجمعة الثانية من شهر (رمضان المبارك) الموافق 22/ مارس/ 2024م عن عمر ناهز ( 86عاماً) تاركاٌ ورائه أرثاً هندسياٌ حضارياٌ للأجيال المتعاقبة وغصة في القلب لم ولن تندمل إلى أن نلتقي في عالم أخر لايجيد إلا لغة المحبة والسلام والوفاء والعرفان ..
رحل عن دنيانا الفانية(بالغربة) بعيداٌ عن مسقط رأسه مدينة عدن التي أحبها وعشقها حتى الثمالة وأفنى جل عمره بين أحضانها أزهى وأبهى وأجمل سنوات الصبا واليافعة والشباب من حياته ..
أنتقل والدي السند والعزوة والأمان إلى ملكوت دار البقاء الخالد وإلى جوار ربه بسجل ناصع مشرف وحافل بالتضحيات والعطاء والزهد والتعفف والواقع لم يأخذ مايستحق من أبسط حقوقه الوظيفية والتكريم اللأئق المستحق بجدارة نظير ما قدمه من مأثر وبصمات ساهمت في رسم خارطة الوطن المنكوب .. المنهوب .. المغتصب من اللصوص والجهلة والفاسدين من شردوا أصحاب الخبرات والكفاءات العلمية في غياهب وظلمات (الغربة) بعد أن ضاقت بهم سبل العيش بكرامة وحرية وعزة وآباء في وطنهم عدن الحبيبة الحضن الدافئ مما أضطروا قسراً اللجوء إلى معاناة السفر والرحيل الى خارج الوطن وتجرع ويلات وعذابات الغربةالقهرية والشتات في كل أصقاع المعمورة بعيداً عن أوطانهم وديارهم ولعمري (أن الرحيل من قلب الوطن الموت بعينه) ..!
مااصعب الحديث والكتابة عن الروح ونبض الوريد
إلى فقيد الوطن والدي أغلى وأعز ماأملك أن الحديث عنه مسألة في غاية المشقة والمرارة والصعوبة ولكن ماذا يمكن أن أقول اللهم لاإعتراض على مشيئتك وقضائك وإرادتك ،
(والواقع هكذا هو حال العظماء والشرفاء صناع الحياة أمثاله) ..!
عرفته منذ نعومة أظافري صلباً جسوراُ صادقاً محباً مخلصاً لوطنه ولكل من حوله لايخشى في قول كلمة الحق لومة لائم ..
كم أنا فخور بك والدي الفاضل كلما شاهدت شاهدت إنجازاتك العلمية والعملية المهنية التي أصبحت من عوالم وإرث تاريخ (مدينة عدن) مسقط الرأس والتي لايتسع المجال لذكرها في هذا المقام ..
أفتقدناك وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
والدي الحبيب (الغائب الحاضر) في قلوبنا وأرواحنا ثق أنك لازلت (تسكن وتستوطن) أفئدتنا وجوارحنا جميعاٌ أولادك وبناتك وأحفادك وأنا لسائرون على دربك وخطاك الباسقة السامقة
فأنت النموذج والأصل والعاطفة الأبوية التي غمرتنا بفيض حنانها وعطائها الباذخ وسموت بنا وأعتليت بسيرتك وسمعتك العطرة الزاخرة بالمفردات والمعاني السامية الراقية المضمخة بالنقاء والصفاء والبذل والعطاء والإيثار وحلقت بنا في سموات العلا والمجد وأسمى القيم والمبادئ وأنبل المعاني الإنسانية ..
يعد والدي المهندس سعيد خليدي والقامة الرياضية معتوق خوباني توأمان لايفترقان وشكلا (ثنائية رياضية في ملاعب كرة القدم) بل أنهما رحمهما الله من أبرز نجوم ومؤسسي نادي (المستقبل) من أشهر أندية مدينة المعلا المعروفة ..
ختاماً :
ظلم فقيد الوطن الطود الأشم والقامة السامقة الباسقة العبقرية الهندسية المعمارية الفذة
(م . سعيد خليدي)
حياٌ وميتاً ..؟!
تصور أخي القارئ بعد كل ماأشرنا إليه في سياق هذا المقال عن مشواره المهني المشرف ، الناصع ، الباهي ، والسابق لعصره وزمانه ، (والشاهد للعيان) في تاريخ تطور ونهضة مدينة عدن وفي تشييد وبناء أهم (صروحها المعمارية) التي أصبحت (معالم أثرية) إلأ أنه لم يمنح (الدرجة الوظيفية التي تليق بمنجازاته ومسيرته العملية العلمية والمهنية (الإستثنائية) ..؟!
نعم لم يمنح مايستحق وبجدارة وإستحقاق (الدرجة الوظيفية) التي تنسجم مع مآثره وأعماله الهندسية المتفردة والخالدة إلى أن توفاه الله في ( الغربة ) رحل عن دنيانا زاهداً متعففاً شامخاً ..!
هكذا هو حال أبناء الوطن العلماء والمفكرين والمبدعين (يموتون غرباء) كمداٌ وقهراً من الرعاع والمتطفلين والجهلة فاقدي البصر والبصيرة (أعداء النجاح وأعداء صناع الحياة ..؟!
فلتعلم كل الجهات الرسمية والحكومية التي عمل بها (فقيدنا القمة) ولم ينل منها إلأ (الجحود والنكران وإنعدام الوفاء) ..
أن والدي (م . سعيد خليدي النابغة) ،
وبما قدمه في رحلة (سفر تاريخه الهندسي المعماري النوعي) الزاخر والحافل بالبذل والعطاء والتشبث بالهوية والإنتماء
قد (كرم الوطن وكرم نفسه) أيضاٌ وهو على قيد الحياة بأسمى وأعلى وأرقى المراتب الوظيفية والإنسانية وستبقى ملاحمة ومآثره في نبض وقلب مدينة عدن وأهاليها الذين يعلمون جيداً ماتعرض له أبنائها العلماء أصحاب الشهادات العليا منذ فجر الإستقلال 1967م من صروف المعاناة والتعذيب النفسي من التيارات السياسية القذرة والإتساخات والعقليات الجهوية المتعصبة حاملي الشعارات الرنانة فارغة المحتوى والمضمون على حساب أبناء مدينة عدن المنكوبين والمضطهدين البسطاء نعم نعلم جيداٌ أن اللصوص والمرتهنين والمرتزقة من يغيرون جلودهم كالأفاعي حسب مصالحهم الذاتية أصحاب الشرائح المتعددة هم أعدائها ومن أوصولها إلى الدرك (الأسفل ومستنقع اللأعودة) ..!
أنظروا الى مانمر به من ويلات الفقر والمجاعة وحروب الخدمات الكهرباء الماء الغاز البنزين وإنقطاع الراتب وتدهور العملة المحلية وإنهيارها أمام العملات الأجنبية .. ؟!
والواقع المشهود والمنظور يبين بصورة جلية أن (القادم أسوء) لازال سيناريو مسلسل التنكيل والإذلال والخنوع والذل والهوان وإهدار كرامة المواطن في مدينة عدن والوطن بأسره بين مخالب وأنياب سياسة التجويع والترويع من خلال (تنفيذ أجندات وسيناريوهات المخرج الكبير رباعي الدفع) من يدفع بنا دون رحمة ولاهوادة ولاشفقة إلى مجاهل وغياهب ظلمات حافة الهاوية ..؟!
اسأل الله أن يسكنك في رحاب الخالدين مطمئناً قرير العين بدار البقاء الأعظم والأجمل بإذنه تعالى ونتضرع إليه أن يشملك بعطاياه سبحانه وتعالى وكرامات شهر رمضان المبارك وندعوه أن يتقبل روحك وجسدك الطاهرة مع الصالحين من عباده الأخيار والأتقياء ويغفر لك بعفوه ورحمته ورضوانه ويجعل مستقرك ومثواك جنة الفردوس الأعلى وجميع موتانا المسلمين من آمة سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين عليه وعلى أهله الطاهرين ومن أتبعهم أفضل الصلوات والتسليم أنك أنت الثواب السميع العليم ..