كثير من الأصدقاء كان لديهم رد فعل إيجابي من موضوعي السابق حول فهلوي مطعم الرومانسية، لهذا قررت ان اكتب عدة مواضيع عن الفهلوة بشكل عام، و ليس الفهلوة السياسية.
لا أعرف من اين جاءت كلمة "فهلوي"، و ما هو اصلها؟ و لكنني خبرتها جيداً في ارض الكنانة "مصر"، و سنتحدث عن "الفهلوة" في بعض المواضيع في الأيام القادمة، و كيف يبرع فيها إخوتنا المصريون.

يُعرّف البعض "الفهلوة" بأنها خبرات و ادوات لا يمتلكها الكثيرون، و هي ليست بالضرورة الذكاء، و انما التذاكي، و قد يخفي الفهلوي وراءه المعنى الحقيقي للمارسات البشعة.
الفهلوي لديه القدرة الفائقة بأن يقنعك بأن لديه الحل لأي مشكلة تعترضك، و خاصة لو عرف انك تتمتع بقدر و لو قليل من الغباء، فالفهلوي سيطرب أذنيك و عينيك من أجل ان تقتنع به انه لك المنقذ و المخلص.

سيقول لي البعض ان الفهلوي مطلوب في مجال السياسة، و ردي ان الكثير من الساسة تقريبا فهلوية في بلادنا العربية، فنرى السياسي يستخدم فهلوته بكل النرجسية المعروفة و كأنه دون سواه في المشهد، فأكثر الساسة الفهلوية هم جماعة الأخوان المسلمين و تفريخاتهم، و اصبحوا يعتقدون بأنهم هم الأوصياء على الناس في الأرض، و هم من سيبلغون الله بالصالح و الطالح من بني البشر حسب درجات طاعتهم للجماعة، فهم يعتقدون ان لديهم الحقيقة المطلقة و كذلك نفاذ الرؤية، و تحت ذرائع مختلفة يخبروك بأن لديهم القدرة على مكافحة الفساد، ثم يقحمون المجتمع في قصص و تفاصيل واهية لا تقود الا الى الفتنة بين ابناء الوطن الواحد.

لا اريد ان اشغل القارئ الكريم بمواضيع جماعات الإخوان المسلمين و فهلوتهم حتى لا أبتعد عن هدفي في الحديث عن بعض النماذج الفهلوية الطريفة.

عندما كنت اعمل في إحدى الشركات الكندية في القاهرة كمستشار إداري، حاولت ان اتقرب من بعض الأشخاص المصريين المسؤولين او القريبين من بعض المسؤوليين الكبار من أجل الترويج للشركة التي كنت مديراً تنفيذيا لها و في القاهرة مستشارا.

تعرفت على احد المسؤولين الكبار، و كان ذكياً و لمّاحاً، فهو يعرف انني مواطن إماراتي بحكم القانون، و المصريون يحبون الإماراتيين، و لكنني أحسست أنه عرف بطريقته الخاصة ان مسقط رأسي هي عدن. 
- حضرتك منين يا علي بيه؟
- من الإمارات، و عدن الجنوبية مسقط رأسي.
- أجدع ناس و الله.

ساعتها عرفت انه فهلوي جداً، و ذكي جداً، و أحسست انه يريد ان يعرف عني أكثر، و هذا الموضوع بالنسبة لي كان شيئ عادي، لأن الأمن المصري يعرف كل شيئ عن كل من يدخل بلادهم، هذا من جانب، و من جانب آخر لم يكن لديا اي شيئ أخاف منه حتى اخفيه غير اسرار العمل.
بعد عدة لقاءات مع الرجل وصلت لقناعة جديدة بالنسبة للفهلوة تمنيت لو كُنت أجيدها، ففهمت ان للفهلوة بعض الجوانب الإيجابية، فعرفت ان الفهلوة تحتاج للمفهومية و الذكاء و الحداقة و خفة الدم و مهارات التحايل علي الحياة رغم قسوة الحياة و شظف العيش، فتعلمت بعض الأمثلة المصرية التي تساعد الإنسان على الفهلوة و التحفيز الذاتي مثلاً "الرزق يحب الخفّية" و "الشاطرة تغزل برجل حمار".
تعلمت من هذين المثلين اشياء كثيرة فهي تدعوك الى الروح التفاؤلية، و لا تدعك تنتكس عند مواجهة الصعاب، و بدلاً من الشكاء و البكاء و النكد، رغم ان الشكوى لغير الله مذلة، فعلى اي حال هاذان المثلان يُعلمان الإنسان عادات جميلة لو مارستها ستستفيد كثيراً، و هي الشجاعة، و الشطارة و سعة الحيلة، و ما أكثر هذه الأنواع في مصر؛ فعندما تذهب الى ميكانيكي سيارات لإصلاح سيارتك سيعمل هذا الميكانيكي نموذج يشبه الخربان لديك، و يصب قطع الغيار بمواصفات شبه أصلية فيحل مشاكل معقدة بتكلفة زهيدة.
و عندما تذهب الى الأسواق الشعبية سيُمتعك اساليب البائعين و كيف يُروّجون لسلعهم بالغناء و ترديد الشعارات الجميلة المبتكرة مثل "معسّلة بنار الفرن يا بطاطا" ..الخ.
و حتى عندما ترى البنّائيين ستستغرب من رؤاهم و افكارهم و خبراتهم المدهشة في البناء و قد يتفوقون احياناً على المهندسين الأكاديميين، فهؤلاء البنائون المهرة يرون انه يجب على العمارة ان تكون مجمعاً متكاملاً يضم فرن لعمل الخبز (العيش) و يجب ان يكون هناك مكوجي و كذلك خُضري و محل أقمشة و لا ينسون الحلاقين، و الكوافيرة.