356 يومًا من الصمود البطولي

              الرئيس علي ناصر محمد

   إن ما نشهده في الأيام الأخيرة من تصعيد كبير في لبنان هو تصعيد خطير جدًا، ويزيد من حدة التوترات العسكرية والسياسية في المنطقة كلها؛ ويأتي في سياق انتهاكات مستمرة وممنهجة ضد السيادة اللبنانية وضد الشعوب في المنطقة العربية عمومًا.

   فمنذ 23 سبتمبر 2024، شن الاحتلال الصهيوني سلسلة من الغارات الجوية المكثفة على مواقع حزب الله في جنوب لبنان وبيروت، في إطار حملة عسكرية لا تخلو من استعراض القوة والاستهتار بحياة المدنيين. وخلفت هذه الهجمات أكثر من 1000 شهيد، بينهم نساء وأطفال، إضافة إلى تدمير ممنهج وواسع للبنية التحتية في المناطق المستهدفة، ما أسفر عن نزوح حوالي 90,000 شخص، معظمهم فقدوا منازلهم وممتلكاتهم.

   نؤكد أن لبنان يدفع ثمن موقعه ومواقفه الثابتة في دعم القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، حيث إن الهجمات تأتي كردٍ على هذه المواقف المشرفة. وما يجري اليوم في لبنان هو امتداد لما يجري في غزة والضفة الغربية.
وللأسف، فإن الصمت العربي والدولي تجاه هذه الجرائم المستمرة يثير الكثير من التساؤلات حول مدى التزام المجتمع الدولي بمبادئ حقوق الإنسان والعدالة. ففي وقت يُفترض فيه أن يقف العالم ضد هذه الانتهاكات، نرى تواطؤًا غير معلن أو تراجعًا عن الإدانة الصريحة، مما يزيد من معاناة الشعبين اللبناني والفلسطيني ويتركهما وحيدين في مواجهة الاحتلال.

   أما في غزة، فقد مر اليوم 356 يومًا على حرب الإبادة التي شنها الاحتلال الصهيوني منذ السابع من أكتوبر الماضي. هذه الحرب المستمرة على الشعب الفلسطيني لا تهدف فقط إلى السيطرة على الأرض، بل هي حرب لتدمير الهوية الفلسطينية ومحوها، سواء في غزة أو الضفة الغربية. لقد شاهدنا على مدار هذه الحرب المستمرة كيف تراجعت المواقف العربية، وكيف تجاهلت بعض الدول صرخات أطفال غزة وآلام نسائها وشيوخها.
إن هذا الصمت المطبق من قِبَل المجتمع الدولي، وعدم تحرك المنظمات الدولية بشكل فعّال، يؤكد ازدواجية المعايير في التعامل مع القضايا الإنسانية والحقوقية. في وقت تعقد فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة دورتها الـ79 لاتخاذ إجراءات لوقف الجرائم بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني وشعوب العالم، نرى أن البيانات والمواقف تظل حبيسة القاعات المغلقة، دون أن تترجم إلى خطوات ملموسة تضع حداً لهذه الجرائم.

   في ضوء كل هذه الأحداث المؤلمة والمأساوية، لا يسعنا إلا أن نقف مع مقاومة الشعبين الفلسطيني واللبناني، اللذين يواجهان قسوة الاحتلال وتحديات غير مسبوقة. إن واجبنا اليوم هو حث جميع أبناء أمتنا العربية والإسلامية على المشاركة الفعالة في خلق حراك شعبي قوي، يعكس إرادة شعوبنا في مواجهة الظلم والطغيان.

   يتعين علينا أن نعمل معًا على تنسيق الجهود وتعزيز الصوت العربي والإسلامي والأممي، بحيث يكون لدينا حراك متماسك وشامل يفرض على السياسيين في العالمين العربي والإسلامي والدولي أن يتخذوا مواقف حاسمة وحازمة. يجب أن نضغط على صانعي القرار لترجمة هذا الحراك إلى خطوات عملية، تتضمن اتخاذ قرارات رسمية عاجلة لإيقاف هذه الجرائم المتواصلة بحق شعوبنا.

   المجد والخلود للشهداء والشفاء العاجل للجرحى.

أخبار متعلقة