321 يومًا من الصمود
إسرائيل تفاوض بوفدين
علي ناصر محمد
تفاوض إسرائيل بوفدين، أمريكي وإسرائيلي، ولا فرق بينهما. وما يُسمى بمبادرة بايدن هي مبادرة لنتنياهو، وقد سماها باسمه لتسويقها فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا، ثم سمح لرئيسه "نتنياهو" بإضافة تعديل تلو الآخر حتى مسخها وجعلها مبادرة استسلام المقاومة الفلسطينية.
بدأت مفاوضات وقف قتل الفلسطينيين بالإبادة الجماعية وتدمير غزة في مارس من هذا العام، وحتى اقتراب شهر أغسطس الجاري من نهايته، لا تزال الإبادة والتدمير مستمرين، والتفاوض، أي التلاعب بالوقت، لمزيد من القتل والتدمير قائم.
إن وفدي التفاوض هما الأمريكي بقيادة وزير الخارجية أنتوني بلينكن، الذي اعترف في أول زيارة له لتل أبيب أنه من أصل يهودي، ومدير المخابرات الأمريكية وليم بيرنز، وبنيامين نتنياهو كرئيس للوفدين. بهذا الصدد، علينا ألا ننسى أن الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها قد منحت إسرائيل حق إبادة الفلسطينيين بذريعة مبدأ الدفاع عن النفس، الذي أيدته قبل أيام كامالا هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطي للرئاسة، التي خطت خطوة صغيرة جدًا بالخروج عن المساندة الأمريكية العمياء للإبادة بتساؤلها التالي: "لإسرائيل حق الدفاع عن النفس، ولكن كيف؟". تشعر هاريس أن مجرمي الحرب نتنياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت قد تجاوزا مبدأ حق الدفاع عن النفس، ولكنها توقفت عند كلمة "كيف"، ولم تطلب من إسرائيل وقفًا فوريًا للقتل والتدمير والتهجير والانسحاب ورفع الحصار السلعي والدوائي عن غزة لكي تصل المساعدات الإنسانية التي تعرقل وصولها دولة القتل ومستوطنيها القادمين من أمريكا وأوروبا الغربية، والمحتفظين بجنسياتهم الأصلية ليوم قد يضطرون فيه لمغادرة وطن يحتلونه ولا صلة حقيقية لهم به. وقد غادر حوالي أكثر من مليون إسرائيلي منذ بداية طوفان الأقصى.
إن بلينكن لم يعبر في أي من زياراته التسع للمنطقة عن 1% من مصالح الفلسطينيين، وهو مندوب إسرائيل في وساطته المشبوهة لأن نتنياهو لا يمكنه التفاوض خارج فلسطين المحتلة. وإسرائيل تصر على تحقيق مكاسب من عدوانها وأقلها البقاء في ممري صلاح الدين المسمى بـ"فيلادلفيا" ورفح، وعدم الانسحاب من غزة. وقد أيد بلينكن، وهو مع رئيسه نتنياهو، وجودًا إسرائيليًا مؤقتًا في غزة.
إن مصر أثناء وجود المفاوض الإسرائيلي بالقاهرة رفضت فتح الوفد لخريطة ممر صلاح الدين، مما اضطره لطي الخريطة لأن مصر لا تقبل وجود قوات محتلة على حدودها وتصر على وقف فوري لإطلاق النار والانسحاب الكامل من القطاع وقيام الدولة الفلسطينية، وما لم يحدث، سيتحول الصراع إلى صراع إقليمي.
مرة أخرى، نؤكد أن قضية فلسطين في مفترق طرق، وأن أي مكاسب لإسرائيل من عدوانها هي وصمة عار عربية لن يمحيها الزمن. لقد تساهل العرب، حكومات وشعوبًا ومنظمات وتنظيمات، وركنوا إلى قوة المقاومة الدفاعية وحدها، وبعضهم ينتظر حدوث مظاهرات طلابية في الغرب مع بداية العام الدراسي وينسون دورهم في حشد الجماهير للتظاهر دعمًا للمقاومة في فلسطين وجنوب لبنان. ومتى حدث هذا، فإن الشارع الغربي سيتجاوب أكثر وأكثر، وهذا ما تخشاه إسرائيل وأنظمتها الغربية فعلاً، وقد عبر عن هذه المخاوف محلل إسرائيلي.
إن على العرب التوقف عن الصمت والسكوت على جرائم إسرائيل وكأن الأمر لا يعنيهم، وفي نفس الوقت، يجب الإسناد الفعلي للمقاومتين الفلسطينية واللبنانية وإعلان تأييدهما كمقاومة مشروعة يؤيدها القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. لنتوقف عن المساهمة في صنع هزيمة عربية جديدة ستتلوها هزائم أخرى تطالنا جميعًا في الوطن العربي.
المجد والخلود للشهداء والشفاء للجرحى