اول مرة قرأت فيها لأديب قاسم كان في مجلة ( أخبار المصافي ) التي كانت تصدرها شركة B.p البريطانية في عدن .  صدر أول عدد منها في الأسبوع الأول من نوفمبر 1956م.وكانت ضمن صحف ومجلات عربية وكتب كثيرة كان اخي محفوظ الذي كان يعمل في عدن يجلبها معه عندما يعود في إجازته إلى بلدتنا الديس الشرقية بحضرموت.كانت "أخبار المصافي" تستهويني بطباعتها الأنيقة وصورها الجميلة الناصعة ، ومواضيعها التي تتضمن أخبار المصفاة واخبار مدينة البريقة، ورسائل السلامة ، وإبداعات الأطفال الموهوبين ورسوماتهم ، فكنت اقرأها من الغلاف إلى الغلاف .
 من (اخبار المصافي) تعرفت على اديب قاسم للمرة الأولى. لا أذكر الموضوع الذي قرأته له تحديداً الآن، فقد مر على تلك القراءة قرابة ستين سنة،لكن اذكر ان صورة الكاتب المنشورة مع مقاله لاتزال مطبوعة في ذاكرتي . أحببته من تلك اللحظة حتى دون أن أراه.وبالمناسبة فإن صورته لم تتغيركثيراً، وكأن هذا الرجل لايكبر في العمر ،أما روحه فظلت شابة كما عرفته أول مرة.
                        2
 لايعترف اديب بالعمر ابداً،ومعه حق (!) من يكتب للأطفال لابد أن يكون طفلاً.
ليس اديب وحده من لايعترف بالعُمر ، ففي داخل كل منا طفل لايريد أن يكبر ، وأنا أولهم :   
  - انت اكبر مني ياأديب ! 
  هكذا اقول له مُداعباً، فيجيب بلهجته العدنية :
 - لا ..انا ازغر منك !
 اقول له: كنت أقرأ لك في اخبارالمصافي
 ، وعادنا في إبتدائي..
  فيجيب : 
  - لأني كنت ولد ذكي واكتب في المجلة وعادنا ادرس ..
 - وكنت اسمع لك في إذاعة عدن أغاني للأطفال ...
   فيقول : كنت موهوب واكتب الشعر وانا زغير ...
 وهذا صحيح تماماً فأغنيته ( قفزالحبل) ألفها سنة 1960وعمره 13 سنةفقط، بينما كتب (عيد الهناء )سنة 1962،اما (الدُرهانة) ومعناها الأرجوحة الأكثر ُشهرةً وجميعها من ألحان الفنان الذي لم يأخذ حظه من الشهرة كملحن حسن فقيه وغنتها الطفلة إيمان سندي من مدينة كريتر ، من إنتاج 1967م
،وسُجلت لاذاعة وتلفيزيون عدن بينما سُجلت الأوليتان لإذاعة عدن. 
  مَنْ مِنْ جِيلنا واجيال لاحقة، لم يتشبع بسماع أغاني اديب قاسم للأطفال من إذاعة عدن ؟! أغاني مثل " الدُرهانة" ، و"قفز الحبل"، و"عيد الهناء" بمناسبة عيد الأم.  
 ولأنه طفل ، كان لابد أن يكتب للأطفال مثله..لقفز الحبل ، وللدُرهانة ، وللأُم.. لم يفعل شيئاً سوى أن يشحد طفولته ويخرج الشاعر من داخله...وربمافؤجيء عندما سمع الكلام الذي كتبه يذاع من الراديو ، ولم يصدق أنه ذلك الشاعر الذي كتب تلك الأغنية على بساطتها ، والتي أصبحت بلحن الفنان حسن فقيه وأداء الطفلة إيمان سندي أيقونة أغاني الأطفال في عدن .!
                       3
يقول اديب انه تعلم على كِبَرٍ ، على يد أستاذه وصديقه العلامة الأديب الشاعر والناقدالأدبي الكبير «السيد عبد الرحيم الأهدل»..
 من كان هذا معلمه واستاذه كيف لايكون عبقريا؟
 كان طفلاًذكياً،هذاصحيح.. 
وكان تلميذاً متفوقاً،فهذاصحيح أيضاً.
ومن علامات نبوغه أنه عندما التحق بمدرسة "النهضة العربية" بالشيخ عثمان التحق بالصف الثالث ابتدائي مُباشرة دون المرور بالصفين الأول والثاني.وكان ترتيبه الأول في الامتحانات منذ التحاقه بالمدرسة.كان معلموه من أرقى المعلمين ،بل أعلام كبار مثل محمد سعيد مسواط الذي سميت مكتبة البلدية في كريتر باسمه ،والشاعر الوطني الكبير إدريس حنبلة ، والثُلايا ، والعسيري ، والعُبيدو، وعلي قاسم وآخرين .وطُلابها من أنجب الطلاب في عدن على الإطلاق .( !! )
كدت اصبح زميل اديب في مدرسة النهضة لولا أن مديرها رفض قبولي الالتحاق بها .
 اذكر ان ابي طاف بي عدة مدارس في الشيخ عثمان من بينها "النهضة" لكن ولاواحدة قبلت بي. الوحيدة التي قبلت بي كانت كلية بلقيس التي افتتحت في الشيخ عثمان في ذلك العام .
                        
                         □
 ومع ذلك فإن الإنجليز وبمنتهى الخُبث ، كانوا يتكرمون على مدرسة النهضة العربية في الإمتحان النهائي للمرحلة المتوسطة والمؤهل للالتحاق بالثانوية بثلاثة مقاعد فقط. واحد للالتحاق بكلية عدن  "Aden collge"
 واثنين للالتحاق بثانوية خور مكسر "secodar schkol" إلى عام 1962 كونها مدرسة أهلية، ولايطيقون شيئاً اسمه نهضة عربية! وتقلص بعد ذلك إلى مقعد واحد فقط في عام  1963 في ثانوية خور مكسر ،بينما يأخذون من المتوسطات الحكومية حتى متوسطي الدرجات للإنتقال إلى كلية عدن التي تعتبر من أرقى الثانويات وحلم كل تلميذ متفوق . 
هذه السياسة البريطانية لمستعمرة عدن ستحرم اديب قاسم من الحصول على مقعد في كلية عدن رغم انه جاء الأول في مدرسته ..النهضة العربية !!
                        4
 أُفتتحت كلية عدن في 12 يناير 1953 من قبل السير"كريستوفركوكس"بحضور حاكم عدن حينها السير "توم هيكنبوتم"، ومحمد عبده غانم ( مدير معارف عدن فيمابعد) واستقبلت الفوج الأول من الطُلاب في سبتمبر 1952، وكانت تعتبر أرقى ثانوية في عدن في ذلك الوقت ويقع مبناها في الشيخ عثمان، قريباً من دار سعد ، وكان حلم اي تلميذ متفوق الالتحاق بكلية عدن التي صنفت من "اليونسكو" بأنها من أرقى الثانويات في الوطن العربي، واديب قاسم بالتأكيد واحد منهم . ومع ان ترتيبه كان الأول فقد حرم من الالتحاق بكلية عدن وكان نصيبه ثانوية خور مكسر وفقا لتلك السياسة البريطانية. يقول اديب قاسم عن ذلك :
 في هذا العام 63 وبحيث أنني أدرس في  مدرسةالنهضة، جئتُ الأول وزميل لي آخر جاء في المرتبةالثانية،وقد هنأني العلم العملاق مسواط وأشادبذكائي...
  أتدرون ماذا حدث بعد ذلك؟ 
  تنقسم الفصول إلى 4 ( A,B, C,D ) بحسب الذكاء فوضعوني في D فقط لأني جئت من مدرسة غير مرغوب في أساتذتها وطُلابها لدى الإنجليز ، وفيهم الوطنيون أساطين التدريس وأعلام الوطنية.وكنت فيها الأول بامتياز منذ الصف الثالث ابتدائي الذي التحقت به مباشرة دون المرور بالصفين الأول والثاني..
 وعندما جاء الإمتحان النهائي للإنتقال إلى السنة ثاني ثانوي طرحت إدارة المدرسة مكرمة أن من يأتي الأول سيتم نقله إلى A والثاني إلى B .وكان قد وفد إلى صفنا طالب طارئ كان يدرس في لندن ويجيد الٱنجليزية كأهلها ( ولأنهم لم يجدوا له فراغاً في A وضعوه في صفنا ال D ، إنه عطا ابن مستر حق صاحب سينما ريجال ( شيهناز من بعد وهو إسم إبنة والي حكومة مستعمرة عدن ) حينها. وبالطبع لا بد من أن يجيئ الأول فينتقل إلى A ,وصاحبكم الطيب اديب الثاني يذهب وعلى عيون الإنجليز إلى B .
                       □
  كانوا أربعة هنود ..
 وكان لديهم مدرسون خصوصيون ، ويتحدثون الإنجليزية في بيوتهم وفي تعاملاتهم اليومية، فكيف يجيء عليهم  أديب (الأول)؟ في امتحانات الفصول الثلاثة؟
 حقدوا عليه وسألوه مرة :
  - ألديك مُدرسّ خاص؟
 قال :
  - نعم . 
قالوا :
 - ومن يكون.؟ ..
  قال : 
 -الفقر ...
                        5                     
 وهذا حقيقة... 
يقول اديب : كنا فقراء وأبي لا يجد عملاً ليوفر لنا لقمة العيش إلا بالكاد ، وكان يركض وراء قرص الخبز لا يدري من أين يوفره لنا.. هذه حقيقة عشناها أناوإخوتي
 السبعة وأبوانا ... فكانت امي  حيال هذه المعاناة تبكي كثيراً من معاناة أبي ومعاناتها ومعاناتنا فتقول :« نأكلُ اللُقمة ، وهي تأكلنا »؛ أي أننا نحصل عليها بشقاء يستنزف أبداننا ..
 وأزيدكم من الشعر بيتاً:لدينا أسطورة نرددها في عدن من زمان وربما على حد ظني في اليمن كلها..مؤداها: أن أبانا آدم عندما هبط الأرض ، كان يتنزل عليه قرص من الخبز..وذات مرة وهو في أشد حالات الجوع ،وكان يجلس على جبل ، سقط منه القرص ونزل يتدحرج ، فنهض آدم ليُدركه..لكن القرص ابتعد عنه واستمر في الركض يهرب.والخلاصة يقولون أننا معشر الآدميين منذ ذلك الحين ونحن نركض خلف قُرص الخبز!
                         6
 العالم كله لايمكن ان يناصب اديب قاسم العداء .. ثمة أمل في مكان ما..الحياة ليست كلها عُسراً، ثمة يسر وسط ذلك المحيط من الفقر والعوز ..ُربما بسبب تفوقه بعث له الله من يحبه ..مستر "مكيڤر"مدرس الأَدب الإنجليزي الذي كان  يعطيه العلامات كاملة 20/20 وإن لم يسلم من حسد زملائه .
 "كان أشرف الإنجليز الذين عايشتهم يقول أديب : "وهو طيار حرب عالمية أولى كما حدثنا عن نفسه وكان لهذا السبب يدرسنا رواية مغامرة في السماء Adventure in the sk y " وكلنا كنا نحبه أكثر من مسيز "بيرل" ومن مستر "هيل" . لكنه لم يكن الوحيد . فالحياة تبعث دوماً الطيبين وسط كومةالسيئين
..ثاني إنجليزي شريف أحبه أديب كان مستر "أنيسدِل" مدير إدارة مختبر النفط في شركة النفط البريطانية / عدن حيث عمل ومع اكرم زملاء عايشهم Lab.technician محللاً للنفط الذي يسافر إلى كل أرجاء العالم (وقت أن كانت المصافي مصافي ... الخبز بيد الخباز ). والتعبير لأديب قاسم.
                         7
  فرح اديب بشهادة التخرج من الثانوية العامة..كانت الفرحة فوق أن تقاوم .. أو كما نقول بتعبيرنا الأدبي لاتُصدق ! لا ادري إن كان انفجر من البكاء فرحاً،  أو من الفرح بكاءاً، الأمر سيان. شخصياً
كلما أتذكر نجاحي انفتحت شهيتي للبُكاء .. فرحه بالشهادة ربما لم يعادله سوى فرحه بالحصول على الوظيفة..الإنجليز، بعد ذلك عندما تخرج في ديسمبر عام 66 وتقدم للوظيفة في حكومة الإتحاد ثم في ال BP أجروا معه اختبارات مُقابلة ورأوا فيه ذكاءًا غير عادي في أجوبته الشفهية،خارقاًللطبيعة...فرحبوا به أيما ترحيب ولا للملكة أليصابات ( اليزايبيث) و(هكذا لم اعد إبن الجارية) على حد تعبيره. وذلك لم يحدث صدفة،
فهذا الذكاء نفسه، اذهل مستر "هيتن" نائب مدير الثانوية(وهو في الأصل ضابط سياسي ) يقول اديب :
 عندما كنا نقف في طوابير الفرز لتوزيعنا على الفصول أو الصفوف الأربعة وجاء ذكر إسمي ، سألني مستر هيتن : 
 -أديب انت مش اجيت من الليل؟
 فاجيبه: نعم.. 
وكنت وقت دراستي في مدرسة النهضة قد التحقت أيضا بالسنة اولى ثانوي ليل.  ومن عادة هذا الإنتماء أن الذي يأتي الأول في امتحان نهاية السنة ينقلونه إلى سنة أولى ثانوي نهار .وعلى هذا جاء سوال مستر "هيتن" إذ وجدني قد جئت الأول من جهتين ( النهضةوثانويتي
 في الليل ). فزمَّ على شفتيه عُجباً كأنه أمام جني من الجن ! أو عبقري نزل من السماء.!!
                          8
لم التق هذا العبقري وجهاً لوجه إلاَّ عندما انتقلتُ إلى عدن ، واشتغلت في صحيفة "14أكتوبر" اليومية ، واصبحت مدير التحرير بعد عدة سنوات، وأصبح أحد كُتاب الأعمدة فيها كمُساهم ، واذكر انه اختار لزاويته عنوان ( قبص ).. والقبص في لهجتنا العدنية هو لذغ نوع من النمل الكبير الحجم يُسمى (قعموص) ولذغه أو قبصه حارق ومؤلم ، وفعلاً فإن النقد الذي كان يكتبه اديب ضد اخطاء بعض الجهات كان يؤلم ويوجع، وكان يوقعه باسم "قعموص"، ويشبه صاحبه تماماً ، فهو رجل صريح لايحب المجاملة ويقول للأعور أعور في عينه، حتى لو أدى ذلك لفقده عمله أو وظيفته، وكم من المرات فقد عمله بسبب صراحته وحدة قلمه..!
                       9
  أحياناً تمنحك الحياة صديقاً، يكون لك اكثر من أخ. منذ اللقاء الأول شعرت أن هذا الأديب قاسم سيكون توأم روحي .
 ولم يكذب حدسي. فقد شيدنا علاقتنا على حواف بحرنا الجميل .. بحر عدن ، وبحر الحرف ، وبحر الكتابة ..وبحر الصداقة التي هي أهم من الحب ....
بعد أن تعمقت علاقتي به تعرفت على اديب الإنسان، واديب الكاتب، واديب  الشاعر والقاص والروائي ،والمثقف،، وفوق هذا وذاك أديب الإنسان ..
..ووجدنا بيننا أشياء كثيرة مُشتركة ، وافكارنا متقاربة،وأحياناً إلى حدالتطابق العجيب، حتى لو كُنا على بُعد آلاف الأميال،فصرت اعتبره توأم روحي وهو ايضاً. ومن الأشياء المشتركة بيننا أنني وإياه من قبيلة السرد،فكلانا يكتب القصة القصيرة والرواية، وكلانا يعشق الكاتب الروسي العظيم انطوان تشيخوف، وكلانا مدمن على القراءة والكتاب والكتابة .
وبالأمس كنا نتحدث بشوق عن مجلة (العربي ) الصادرة في الكويت وفيها ذكرياتنا الجميلة التي لاتُنسى بتعبير اديب قاسم . وكنت ارسلت إليه الأعداد الصادرة من سنة 1958 إلى 1990م  (    pdf). كما تحدثنا عن مجلة (العالم ) التي كانت تصدر في لبنان بموضاعاتها العالمية الشيقة. وكانت من المجلات المفضلة التي كنا نحرص على اقتنائها وقراءتها قبل ان نعرف بعضنا البعض .
 وهنالك مجلة عالمية من أبدع المجلات إسمها National Geographical كانت في أحد أعدادها قدمت استطلاعاً رائعاً عن عدن ،أطلعني عليها لما كنا في دمشق . واخبرني ان مجلة " ناشونال چوجرافيكال" كانت تباع في عدن في مكتبة عزيز المقابلة لبوابة الميناء في التواهي ( رحم الله عزيز وهو هندي مسلم .. عدني . كان من أعز أصدقاء اديب اشترى منه كثيراً من مجلة 
أمانة ميناء عدنAden Portrust الصادرة باللغة الإنجليزيةوكتاب السياحة  الرائع « WELCOME to ADEN الغني بالمعلومات في كل نواحي وشؤون عدن البيئية والسكنية والتجارية وتاريخها القديم والحديث وأهم معالمها وخطوطها الملاحية التجارية إلى كل أنحاء العالم .."
                        10
 كلما عدت إلى تلك الأيام القصيرة ،.. شتاء الشام.. الثلج في "التل " وليالي فيروز تصدح بأغاني الجمعة الحزينة ، في عيد الميلاد المجيد. نقف مذهولين أمام ذلك الصوت الملائكي كما وصفه موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب ، ونستعيد الشريط مرات ومرات وعشرات ولانستكفي.. الشريط الذي سمعناه كان مدهشاً.. الليل ، والشموع . الثلج ينزل في الخارج ، باردا وقاسيا وشجيا، لكن  فيروز تمنحنا الدفء كلما شجت بصوتها..  
والطفل في المغارة وأمه مريم وجهان يبكيان..
منذ ذلك اليوم لم تغادرني فيروز كأني اسمعها للمرة الأولى.أن تسمع صوتا تحبه بصحبة إنسان يحبه بنفس القدر والإحساس، يمنحك شعوراً لامثيل له ..صوت فيروز ليس مجرد صوت.. فيه شفاء للروح . سافرنا في كل العالم دون ان نغادر مكاننا من دهشة ماسمعناه.. 
نشترك انا واديب في أشياء كثيرة،
،بالإضافة إلى فيروز التي لم نشبع من صوتها بعد، حبناللموسيقارالعربي الكبير
فريدالأطرش، ،وطبعاً كوكب الشرق ام كلثوم لكنه يتفوق عليّ بعشقه الكتابة للأطفال، وبأنه شاعر .وانه يقرأ على عكسي بالإنجليزية، لكني أُنافسه في حبنا لعدن ،، هذه المدينة الجميلة ، هو يكتب فيها شعراً ، وانا اكتب فيها نثراً ،ونتحسر على زمنها الجميل وعُمرها الذهبي !! ولاندري لماذا يرتكب البعض كل حماقاتهم تلك ، وحروبهم الهمجية في هذه المدينة المُسالمة التي لم تسيء لهم يوماً...!! نُحبُ هذه المدينة ولايمكن أن نشفى منها ..نحب صرير مراوح الهواء في المملاح.ونحب طيور البجع والفلمانجو تهاجر شتاء أوربا القارس
لتستدفيء بصيف عدن ..ونحب بوابة عدن ، والصهاريج وقلعة صيرة، وساحل أبين،  وساحل العشاق . نحب العيدروس ، وهاشم بحر ،والغدير، نحب أبان، وحافة القاضي ، وحافة حسين ، و الخساف وحقات والخليج الأمامي.. نحب المعلا والتواهي، وخور مكسر والشيخ عثمان والبريقة. اليوم برغم كل ماحدث مازلنا نحبها ، وسنظل نحبها إلى الأبد .
                         11
  لم أعرف كاتباً مثل اديب قاسم أخلص في الكتابة للطفولة.والكتابة للأطفال من اصعب انواع الكتابة .فهو بدون أدنى شك من أهم الأعلام العرب المبدعين في هذا المجال. كتب د.موفق رياض مقدادي : « ويعد أديب قاسم من أبرز رواد ادب الأطفال في اليمن،حيث امتد نشاطه إلى كتابةالنص الشعري والقصصي،والمسرحي
، والمشاركة في صحف الأطفال والبرامج الإذاعية التي تقدم لهم . فقد قدمت له إذاعة عدن العام 1960 أغنية : قفز الحبل ، وسجل له التليفزيون العام 1967 أول عمل غنائي تليفزيوني ، وأصدر مجموعتين قصصيتين للأطفال هما : أقاصيص أسطورية من القرن العشرين ، و إرجعي يا سلمى ، إضافة إلى قصة مصورة بعنوان : الثعلب المكار » . 
                       12
  أمام الكتابة، ينسى اديب قاسم نفسه ، ومن حوله..ينسى كل شيءتقريباً ،،
لايُعاني صعوبةفي الكتابة، ولا في اللُغة.
 ويتمتع بذاكرة حديدية،يحفظ الأسماء والتواريخ، والمتون ،ولاينسى شيئاً قرأه ذات يوم مهما كان بعيداً،ولا يحتاج الرجوع إلى المراجع للإستشهاد إلا في حالات نادرة . وهو كاتب غزيرالانتاج
،متعدد المواهب .يكتب الشعر والقصة والروايةوالمسرحية،ويجد وقتاً للرسم ،ورسم أغلفة كتبه كلها تقريباً، كما يرسم الكاريكاتير .وإلى جانب أغاني الأطفال كتب العديد من الدراسات في أدب الأطفال في مجلة( المسار) الصادرة عن دار الهمداني - المعلا- عدن . كذلك في صحيفة الأيام، والصفحة الأسبوعية المخصصة للأطفال في صحيفة « التصحيح » الصادرة في صنعاء.وفوق ذلك كله الإشراف على مجلة « نشوان » للأطفال بالإشتراك مع الشاعر العراقي الكبير « سعدي يوسف » بدء صدورها -- وكتابة عدد من السيناريوهات والمواد الثقافية والعلمية والتاريخية وأغنية للطفل بالنوتة الموسيقية. غير ما قدمه لمسرح عدن للعرائس وقد شارك المخرج الراحل الأستاذ ابوبكر القيسي رائدمسرح الأطفال في اليمن، عند تأسيسه حيث عمل محاضراً لمادة أدب الأطفال لتخريج طاقم المسرح وقدم له ثلاث مسرحيات هي التي دشن بها افتتاح مسرح العرائس  :الأسدوالفار.ألأرنب والسلحفاة الحكيمة. الثعلب المكار والمسرحيات الثلاثة من ألحان المرحوم أحمد محمد ناجي .   
وقتهاكتبت عنها الصحف "14أكتوبر" وغيرها كلاماًجميلاً إحداهابقلم «الأديب والشاعر الكبير والصحفي القرشي عبدالرحيم سلام » بالإشارة إلى أننا نتماثل مع مسارح العرائس في مصر وغيرها. وكان المرحوم القيسي وفرقته العرائسية قد شاركوا بها في مهرجان بتونس وأشارت لذلك صحيفة "يمن تايمز" لرئيس تحريرها الشهيد «عبدالعزيز
 السقاف » والصادرة باللغةالإنجليزية.
وفي المهرجان الثالث للمسرح كتب الكاتب العراقي شاكرلُعيبي، مديحا باذخا عن كيفية استقبالها من لدن الأطفال بسعادة بالغة وتوافقها مع مداركهم، وأشار إلى أننانجاري مصر بهذه الأعمال.
                       13
 لرمضان في عدن كما في باقي البلاد الإسلامية قدر من القدسية ، نكفر فيه عن بعض ذنوبنا في باقي السنةونطمع في غفران الرب وثوابه.. و"يبدو ان في الناس قدراً من العصيان يسير مع الدم" بتعبير واسيني الأعرج، منذ المعصية الأولى التي اخرجت أبوينا من الجنة.. 
 لأديب قاسم لرمضان نصيب في شعره.إلى جانب الأغنية الرمضانية « هلَّت ليالي الأُنس »والعديد من الموشحات التي يرددها الفنان « فيصل الصلاحي » في المنتديات ولم يتم تسجيلها في الإذاعة والتليفزيون لظروفٍ عامة أحاقت بهذين الجهازين الإعلامييَن اللذين يعتبران الأقدم في المنطقة. وكلها من ألحان الراحل العزيز « أحمد محمد ناجي .
   قصائده منذ فجر الستينات تغنى في إذاعة وتليفزيون عدن : ومنها « ودعتك الله يارمضان » وهي بالفصحى وقد شدت إعجاب العلامة السيد عبدالرحيم الأهدل قبل إذاعتها وقام بتوزيع موسيقاها الموسيقار العراقي الكبير حميد البصري، وظلت لسنوات تذاع في تليفزيون صنعاء ومعها الأغنية العيدية «هلَّ القمر » . وحصد الجائزة الأولى عن قصيدته « إقرأ واكتب » بمناسبة اختتام الحملة الشاملة لمحو الأمية وتعليم الكبار في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في مسابقة نهاية الحملة وهي بالفصحى وقام بتلحينها ذات الموسيقار العراقي أداء : «فرقة الطريق العراقية» وسجلت لتليفزيون وإذاعةعدن ونشرتهاعدة
صحف ومجلات وخصصتها مجلة « الدان » الحضرمية للصفحة الأولى متجاوزة كل كبارالشعراء وكلاالقصيدتين نال عنهما من لجان النصوص الغنائية درجة الإمتياز  . 
                        □
  أغاني الأطفال لإذاعة وتليفزيون عدن *( قفز الحبل ، عيد الهنا ، الدُّرهانة ) كلها من ألحان الراحل «حسن فقيه » وغناء « إيمان سِنْدي » طفلة من بنات كريتر _ عدن، وانتهاءً بأوبربت « التاريخ والصياد » وهي للصغار والكبار في الآن نفسه ، ألحان «حسن فقيه » أداء الفنان «حسين فقيه » ومجموعة طالبات المدرسة الشرقية للبنات في الشيخ عثمان والممثلَين: « أبوبكر القيسي » ،و «فيصل بحصو » يرحمهما الله .واوبريت " التاريخ والصياد"  اعتبره الكاتب شكري توفيق أول اوبريت للصغار والكبار إذاعيا وتلفزيونيا على مستوى اليمن جنوباً وشمالاً في مقال كتبه في مجلة ( فنون ) الصادرة في عدن.
                       14   
  مامن مرة كنت في منزل اديب قاسم إلا وجدت أحمد محمد ناجي ..كان الحاضر الغائب في كل جلساتنا.. وكان اديب دائم الحديث عنه بحب وتقدير يفوقان الحد لكن ولامرة رأيته رغم ان حديث اديب عنه جعلني اشتاق لرؤيته والتعرف إليه .
  يحب اديب قاسم، أحمد ناجي كثيراً ليس لأنه لحن له ، بل لشعوره بأنه فنان قدير هُضم كثيراً ولم يأخذ حقه من التقدير والشهرة التي يستحقها عن جدارة. يجهله كثيرون حتى في الوسط الفني والاعلامي ..
   يقول اديب قاسم عنه :" هذا الإنسان الجميل مبدع بكل ما للكلمة من معنى ... فتصوَّر أنه رغم سكنه مع شقيقته وأولادها وليست له مكتبة خاصة ، كنت إذا سألته عن أغنيةٍ مَّا بعينها وأريد إعجازه .. مثلاً أي أغنية لمحمد عبد الوهاب أو لفريد الأطرش أو عبدالحليم حافظ أو لنجاة الصغيرة وغيرها حتى أم كلثوم ، ففوراً يمسك بريشته ويعزف الأغنية المطلوبة ويسمي لك مقامها اللحني وهو حتى كان مما يدهش الحضور في مجلسنا النفيس آنذاك !  قلت له ذات مرة : كيه ورينا شطارتك ؛ أعزف أغنية « يا مَّ العباية » فبكل بساطة عزفها وغناها.طيب أغنية عبدالعزيز محمود ( منديل الحلو يا منديلُهْ ) ....فما من عمل غنائي عربي أو محلي إلا وهو ملمٍّ به رغم افتقاره لمكتبة ... كل مكتبته هي عودُه العظيم وذاكرته
الموسيقية.  عمل مدرسا للموسيقى في مدارس البدو الرحل ، والنجمة الحمراء ، والقوات المسلحة على العموم . معظم الفنانات وفاء أحمد ، وامل كعدل ،والعديد غيرهما هن من اكتشافه وتربيته ، حتى الفنانين الشباب أمثال ذلك الفنان الذي اعتاد تقمص صوت أحمد قاسم في كل المنتديات ( نسيت اسمه وقد أصيب من بعد بغرغرينة وبُترت ساقاه .. ثم توفاه الله)  إعترف أي بلسانه أن أستاذه في مدرسة النجمة الحمراء كان أحمد محمد ناجي ... وقمة هؤلاء الشباب كان فيصل الصلاحي. وكان احمد ناجي بارعاً في العزف -تقريبا -على اغلب الآلات الموسيقية : العود ،والربابة ( من بعد الكمان ) والسمسمية ، والقانون. كان كذلك شاعرا يؤلف ويمد الفرق بكلماته وألحانه. لحن كذلك عملين دراميين بشكل ألأوبريت « النحلة ذات الطوق الأحمر » للقاص الراحل المرحوم عبد المجيد القاضي وأوبريت للراحل محمد قاسم مثنى. وثمة أوبريت شهير من كلماته لا يزال تلامذته يحفظونه ويرددونه إلى يومنا بعنوان « ياسُمَّار »: ياسُمار ما بَسمُر معاكم ، بَسمُر من بحين. ولديَّ إلى اليوم كثير من أعماله التلحينية (مخزونة في أرشيفي ) لأغنيات من كلماتي أكثرها للأطفال وبعضها للكبار لم يتم تسجيلها بعد أن ماتت إذاعة وتليفزيون عدن. إنه رجل قل نظيره ".
                       15
 واديب قاسم ليس كاتبا وشاعرا فحسب ، بل هو صحافي أيضاً، ولكن ليس أي صحافي ، فثمة محطات مائزة في مسيرته الصحافية يعتز بها ويعتبرها  جديرة بالذكر مثل لقائه مع الشاعر الكبير عبدالله البردوني والمنشور عام 1974 في مجلة « البلاغ » اللبنانية.ولقائه مع عميد الأدب العربي (خليفة د. طه حسين ) الناقد الكبير الدكتور عزالدين إسماعيل إبان المؤتمر الأول لاتحاد الأدباء والكُتَّاب  اليمنيين في عدن، والمنشور في أربع حلقات على الصفحة الأدبية لصحيفة « الثوري » لسان حال الحزب الإشتراكي اليمني في ج.ي.د.ش.
 ومنشوراته الأدبية ومقالاته ، وشعره ، ودراساته الأدبية ،والنقدية تجدهامنشورة
( في المجلات والصحف):جريدة "أخبار المصافي"، مجلة "الحكمة"،صحيفة
 "14 أكتوبر"،صحيفة "الثوري"، صحيفة "صوت العمال"، صحيفة"الأيام"، مجلة "التواصل" الصادرة عن جامعةعدن، مجلة "الرافد" الصادرة في الشارقة  الإمارات العربية المتحدة. مجلة" نضال الشعب"الفلسطينية.مجلة"الحرية"،ومجلة "الهدف" الصادرتين في دمشق -سورية. صحيفة "الجمهورية" الصادرة في تعز - الجمهورية اليمنية.
                      □
  أتساءل: هل وفيت أديب قاسم حقه ؟
                         
    لا أعتقد..