في البداية لا بد من التفريق بين ثلاثة مصطلحات مهنية:
– ليس كل إعلامي صحافيا.
– ليس كل صحافي محللا سياسيا. 
–  ليس كل محلل سياسي صحافيا أو إعلاميا. 
   هذه المصطلحات التي تبدو متداخلة، ومن المؤسف أن وسائل إعلامية عدة راحت تخلط بينها في العقدين الأخيرين، وازداد هذا الخلط بعد شيوع ما يسمى "الإعلام الجديد "او وسائل التواصل الإجتماعي بأجناسها كافة. 

   ◾ الإعلامي هو ناقل الخبر، أي أنه يُعلم (ضم الميم) بالخبر  ويوصله إلى المتلقي، كأن ينقل حدثا ما، انفجارا ، جريمة ، مؤتمر قمة ، ندوة ،  حربا ، وهذا ينطبق على مراسلي الصحف أو مراسلي القنوات التلفزيونية، وكذلك على مذيعي الأخبار مهما كان مستوى نوعها، سياسية أو فنية او اجتماعية  أو اقتصادية الخ...
   تلك هي محددات ووظيفة الإعلامي، نقل الأخبار والإعلام بها من دون التدخل في محتواها أو تفسيرها أو إعطاء الرأي فيها . 
 
   ◾ الصحافي هو الذي يتولى كتابة التقارير السياسية (إذا حصرنا الموضوع في السياسة) بعد اتصالات مع  مرجعيات أو مصادر  وإيجاد وحدة موضوع بين المعلومات والمعطيات التي يحوز عليها ، وكذلك صياغة الموضوعات المتفق على إدراجها  في المطبوعة أو الوسيلة الإعلامية ، وهذه الصياغة تعتمد على دمج الأخبار ذات الموضوع  الواحد والاتية من مصادر متعددة ، في قطعة إخبارية واحدة. 
   وهنا يتضح الفرق بين الإعلامي والصحافي، فالاعلامي هو من ينقل الخبر، والصحافي هو الذي يصوغ أخبار الحدث من عدة مصادر للأخبار. 
من وظيفة الصحافي أيضا كتابة التحقيقات في المطبوعات أو انتاجها لحساب القنوات التلفزيونية أو لوسائل أخرى، وبهذا المعنى فعلى الصحافي أن يكون ملما بكل ما يدور حوله و ما بعد حوله في عوالم السياسة (أو المجالات الأخرى اذا كان صحافيا اقتصاديا أو فنيا) وهذا الإلمام ليس مطلوبا من الإعلامي ذي  الوظيفة المحددة و المهمة شبه المحصورة بنقل الأخبار والوقائع. 
   لا شك، يوجد تداخل بين الصحافي والإعلامي، ولكن هذا التداخل غير موجود بين الإعلامي والصحافي، والصحافي في بدئه يكون إعلاميا، ولكن ليس كل إعلامي يمكن أن يكون صحافيا.
 وهنا لا بد من قول مهم للغاية، الإعلام مهنة يمكن أن يتعلمها الراغب بها عن طريق الدراسة والعلم، ولكن الصحافة قبل ان تكون علما هي فن، فثمة صحافيون بالفطرة وعن طريق الموهبة، تماما مثل الشعراء والأدباء والفنانين والرسامين، وما أكثر الصحافيين الذين لم يدخلوا كليات الإعلام  وتحولوا إلى اقطاب في المهنة.
   
   ◾ نأتي الى المحلل السياسي:
   ولكن أولا ما التحليل السياسي؟
   التحليل السياسي يقوم على ثلاث قواعد لا رابع لها، أولا: استجماع الأخبار والمعلومات والمعطيات  المرتبطة بحدث ما ، ثانيا: ربط هذه العناصر بعضها مع بعض، ثالثا: الخلاصة الناتجة عن هذا الربط، وهذا ما نسميه تفسير الحدث أو الرأي أو الإحتمال المرجح. 
   وعلى هذا، فالتحليل السياسي هو عملية ذهنية – حسابية – رياضية، أي علمية، وكل خروج عن هذه القواعد يفقد التحليل علميته وقيمته، ولا يعود ينتمي إلى عالم التحليل. 
   ليس بالضرورة أن يكون المحلل صحافيا، ولكن من الضرورة ان يكون المحلل كاتبا.
   ثمة صحافيون محللون، وهناك صحافيون غير محللين،  هذه مسألة لا بد من التشديد عليها، ولعل أسوأ ما نراه على شاشاتنا العربية، ذاك  العدد الهائل من "المحللين" الذين لا تراث لهم في الصحافة ولا  ماض في مجال الأبحاث والدراسات ولا في كتابة المقال. 
   سبق القول إن التحليل يجب أن يخضع للقواعد المذكورة قبل قليل، والإلتزام بهذه القواعد هو ما يعطي المحلل الشرط الأول لينال الصفة المطلوبة أو التعريف المطلوب. 
– الشرط الثاني: كتاباته، إذ لا يعقل ألا يكون المحلل له باع في الكتابة، تعليقا كان أو مقالة أو بحثا. 
– الشرط الثالث: القدرة اللغوية، وليس المقصود هنا،  القدرة على التكلم، بل قاموس اللغة المتسع الذي يساعد على اختيار المفردة الكلامية في مكانها والفعل المطلوب في مكانه. 
– الشرط الرابع: الثقافة السياسية الواسعة، وهذه الثقافة عامل أساسي تساعد المحلل على الربط بين الأحداث وخلفياتها وابعادها، وتعطيه مصداقية واحتراما عند المتلقي.
– الشرط الخامس: المتابعة اليومية للأحداث،  واي تغافل عن هذا الجانب، يجعل المحلل فاقدا لأحد الشروط المطلوبة.
– الشرط السادس: ان يعتمد المحلل في تحليله على الاستدلال وليس الظن، وكلما ذهب "المحللون" الى الظن فقدوا صفتهم وتحولوا إلى صفات أخرى، والاستدلال يرتكز  إلى أدلة واضحة. 
– الشرط السابع: الإبتعاد عن التنبؤ، المحلل السياسي ليس متنبئا بل هو  يفسر الأحداث، ومقتلة بعض "المحللين" هو التنبؤ.
– الشرط الثامن: احترام  عقل المتلقي وعدم ممارسة الأستاذية عليه.

توفيق شومان-- بيروت -- 8 - 5 - 2024.

   (★) [من محاضرة لتوفيق شومان بعنوان "الصحافيون والتحليل السياسي" والتي رعاها "المركز اللبناني للإعلام والتدريب" في العاصمة اللبنانية بيروت]