نيران سيمبا ... الصديقة !
ذات مساء كنت عائدا من البوفيه في الدور التحت ارضي في العمارة التي نسكنها ومعي صديق روسي وعند المصعد وجدت امامي جاري الجنوب إفريقي "سيمبا" وكان في طريقه إلى البوفيه،،،،اخرجت بعض النقود وطلبت منه ان يحضر لي بعض زجاجات من الماء المعدني. لأني نسيتها وشكرته مقدما،،،
شربت قهوة مع الروسي وتجاذبنا اطراف الحديث ثم غادر بعد اكثر من ساعة لكنه علق على عدم رجوع أخينا سيمبا وكنت مثله مستغربا،،،،
بقيت في غرفتي جالسا على كرسي وامامي طاولة عليها سكينا كبيرا استخدمها لتقطيع اللحم وباب الغرفة من خلفي،،،،
كنت احدق في اللاشيء وبذات الوقت افكر في سيمبا الذي لم يأت،،،
فجأة فتح الباب من خلفي ودخل سيمبا واغلق الباب بقوة ووقف امامي غاضبا. وكان يقول كلاما من قبيل انا لست خادما عندك.
I am not your garage boy.
وامتدت يده نحو السكين والتقطها ثم وجه كلامه لي: سأقتلك،،،
I will kill you ....
أصابني الذهول مما اسمع،،،،لكن الأمر جد خطير ولابد من التصرف بطريقة تناسب اللحظة والمواجهة مع شخص هائج وبيده سكين خاسرة جدا حتى بدون احتساب قواه العضلية التي يتفوق بها علي،،،
مررت بلحظات مرعبة بحيث لم اعد اعرف ان كانت الثواني تسير مسرعة ام بطيئة او ان الزمن قد توقف،،، ماكنت اعرفه يقينا انني على وشك الموت، وان علي الخروج من هذا الموقف سليما،،،،فلجأت إلى الأسلوب الذي اجيده،،،،استعرت من جو موسكو برودته وللتأثير عليه بدأت في مخاطبته بصوت هادئ وواثق بذات الوقت قائلا له:
- لا اصدق مااسمع،،،كنت ولازلت اعتبرك أخا وأعاملك على هذا الأساس، انظر ماذا تفعل وماذا تقول ؟..كيف استطعت قول ذلك؟
كان يحملق في ولايقول شيئا،،،مددت يدي بسرعة وانتزعت السكين من يده وقذفتها بسرعة بعيدا تحت السرير وغادرت الغرفة،،، لم اذهب بعيدا وعدت بعد دقائق وكان سيمبا قد غادر واغلق عليه باب غرفته ..
حاولت ان اجد سببا لتصرف سيمبا ذاك الذي كاد يودي بحياتي فلم اجد شيئا ذا شان .كانت علاقتنا يسودها الود والاحترام وكنا لانناقش امور السياسة كثيرا فقضيتهم معروفة وتحظى بتقدير وتعاطف العالم ومساندته،،، وبدوري كنت اتعاطف معها ومعه ، وفوق هذا كان بيننا قواسم مشتركة اخرى كلعب التنس وكرة القدم ورياضة المشي وحب الموسيقى.كان سيمبا كثيرا مايستعير مضارب التنس خاصتي وكان يبقيها لديه احيانا ولم اكن من ناحيتي انزعج من ذلك ولايتردد في طلب السجائر. ولايجد في ذلك حرجا وكنت اعطيه السجائر بطيب خاطر. ،،،،. كنت أتفهم ان سياسة الفصل العنصري الذي تعرض له المواطنون السود في جنوب أفريقيا قد خلقت لدي البعض منهم ردات فعل حساسة وغاضبة كتلك التي اجتاحت سيمبا في تلك اللحظة ، وكان هذا التفسير الوحيد الذي استطعت ان أجده...
في اليوم الثاني حاول التقرب مني وألقى تحية الصباح لتكون مدخلا لاعتذاره فلم ارد عليه ولم ألق له بالا،،،،،
حاول تكرار المحاولة بعد المحاضرات وقت الغذاء عند مدخل المطعم فنظرت اليه ببرود وتجاهلته،،،وكنت قد لاحظت ان منسوب الضغط لديه في ازدياد وكأنه على وشك الانهيار،،،
عند المساء تبعني إلى صالة التنس عله يجد فرصة للحديث معي.
جاء وكنت ألعب هناك. عندما حان دوره للعب معي تركت له المكان وغادرت،،،،،
عدت لمواصلة اللعب فعاد ثانية وكان يقول:
اريد ان اتكلم معك،،،،لابد ان اتكلم معك، ،، كنت اتجاهله فيكرر نفس الكلام فقلت له:
- بعد ان ننتهي من اللعب،،،،
واصلت اللعب فعاد يترجى وفجأة قفز على الطاولة قائلا:
- لم أعد استطع التحمل ولابد من ان اتحدث معك الآن،،،
كان يتكلم بصوت متهدج وعيناه بدتا مليئتين بالدموع،،،،
اخذته هناك امام المصعد حيث توجد طاولة وبعض الكراسي،،،،
قلت له:
- قل مالديك فأنا اسمعك.. فمالذي تريد قوله،،،،؟!
في البداية لم يدر ماذا يقول وكيف يبدأكلامه،،،لكنني ساعدته في فك عقدة لسانه ليبدأ في الكلام بعد آهة طويله تحس انها صادرة من اعماق قلبه. :
- لقد كنت فعلا تعاملني معاملة اكثر من اخوية. وانا أخطأت في حقك ولاأعرف حتى كيف اعتذر لك وفوق هذا اريد منك مسامحتي،،،،،
فقلت له حرفيا:
-إنس ماحصل وأعتبر انه لم يحدث،،،يكفيني انك عدت لصوابك باعترافك بخطئك اضافة لاعتذارك وهذا كاف في نظري وقد سامحتك،،،
قال:
لكني اريد ان اشعر انك سامحتني من قلبك،،،
قلت له:
-هذه لا اعرف كيف اعبر عنها،، لكن علي ان انبهك انني لن اسامحك في المستقبل ،،،،،،،
موسكو 1983م