لماذا ذكرياتي في عدن كمدينة صانعة للوعي والتواضع والتسامح وليست في تعز أو في القاهرة
وقبل أن أواصل نشر بقية الحلقات أجد نفسي مضطرا للتوضيح عن مبررات استمراري للكتابة تحت عنوان ذكرياتي في عدن لمن يطالبني عبر الخاص بتغيير العنوان طالما وأنني كما يقولون قد غادرتها من زمن ليس بالقصير إلى تعز ثم إلى لقاهرة ودمشق وبيروت أقول لهم إن مبرري يرجع إلى دور عدن في تكويني الذهني والفكري والإنساني والسياسي حيث تفتقت مداركي لشتى جوانب الحياة من هذه المدينة الحضرية والمتحضرة التي كانت مركزا متطورا ومتقدما للوعي والثقافة والمدنية ليس في الوطن اليمني فحسب بل في الجزيرة العربية كلها.
ففي عدن بذرت في أعماقي وفي سنوات عمري المبكرة مشاعر الانتماء إلى أمتي العربية حيث كانت تشدني برغم صغر سني ما يحدث في عدن بشكل عام وفي منطقة البريقا بشكل أخص من ظاهرة تفاعل المواطنين مع قضايا الأمة العربية من خلال إذاعة صوت العرب وتعلقهم وتفاعلهم معها عبر تلك الحلقات التي كانوا يقيمونها بشكل جماعي حول المذياع عصر كل يوم للاستماع إلى نشرات الأخبار ثم الاستماع إلى تعليقات ما بعد الأخبار التي كان يقدمها أحمد سعيد في برنامجه (أكاذيب تكشفها) حقائق بصياغة إنشائية رائعة وبأسلوب يشد الإنسان وبحماسة غير معهودة بالإضافة إلى مقال محمد حسنين هيكل الأسبوعي بصراحة وبرنامج (معهد على الهواء) الذي ي كان يقدمه محمد الخولي وعبد الوهاب قتايه مع توفر كل الصحف والمجلات المصرية بشكل منتظم وقبل ذلك وبعده خطب القائد المعلم جمال عبد الناصر التي كانت الحركة في عدن تكاد أن تتوقف حين يكون هناك موعد لخطاب للزعيم جمال عبد الناصر.
كما أن لبرامج صوت العرب القومية وما يبث من خلالها عن البطولات الكبيرة والتضحيات الضخمة التي يقوم بها ويقدمها ابنا الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي كان لتلك البرامج دور مهم لتفاعل الجماهير في عدن مع ثورة نوفمبر الجزائرية الباسلة والخالدة بشكل غير عادي ناهيك عن التفاعل مع كل الأحداث والقضايا القومية كقضية فلسطين وبقية القضايا العربية الأخرى
ويجب الملاحظة هنا أن تفاعل الجماهير المذهل هذا مع قضايا الأمة لم يكن يحدث في قلعة من قلاع الحرية وفي أرض عربية مستقلة وإنما كان يحدث في عدن التي كانت تعتبر من أهم وأخطر مستعمرات التاج البريطاني نتيجة للموقع الاستراتيجي الذي تحتله عدن بالإضافة إلى مجتمع بشري خليط ومزيح من الجنسيات العربية وغير العربية كالهنود والفرس ومواطنون من شرق أفريقيا وباكستانيين وغيرهم
كما أن طبيعة الود والمحبة التي كانت تسود في عدن بين الناس من الصعوبة بمكان أن أنساها إلى درجة أنه كادت أن تنعدم أمام المحاكم قضايا خلافات أو مشاكل إلا ماندار ماعدا قضايا المرور
وبسبب ذلك التأثير والدور الهام الذي لعبته عدن وأبناؤها في تكويني أجد نفسي غير قادر على تغيير عناوين الحلقات إلى اكتبها بل سوف أواصل الكتابة والنشر بنفس العنوان مهما تغير الزمان أو المكان وفاء لعدن ولأهلها ولطبية وتواضع وتسامح وبساطة أبناءها على الرغم من كل ماتعرضوا ويتعرضون له في هذا الزمن من نكران وجحود وتطاول واهمال متعمد من جميع المسؤولين المحليين ومسؤولي الأمر الواقع والماليشيات والحكومة والجيران فلا كهرباء ولا مياه ولا نظافة ولا امن ولا امان بل بلطجة وفلتان وآخرها قتل طفلتين برئيتين من قبل المدعو حسين هرهره وما اكثر أمثاله من البلاطجة بشوارع عدن بهذا الزمن الرديئ .
لك الله ياعدن لأن الكثير يتناسون أو ينسون فضلك عليهم وعلى كل أبناء الوطن وأما أنا فلن استطيع القول سوى ما تقوله اغنية ابوبكر سالم كل شئ الا فراقك ياعدن ومرددا الحكمة التي قالها ابو تمام
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحب الا للحبيب الاول
كم منزل في الأرض يالفه الفتى
وحنينه ابدا لاول منزل