عدن التنوير للتحول
عندما نتحدث عن عدن , فنحن نحمل مشروعها التنويري , في مواجهة العصبيات , والتطرف والغلو , والكراهية والأحقاد والضغائن , التي تفرزها مشاريع أخرى , عانت منها عدن واليمن , الجنوب والشمال ولازالت تعاني .
كل مشروع ننظر له من مؤشراته الثقافية ,وسلوك المنظومة السياسية والعسكرية , تتفحصه عقولنا مسالة ومراجعة , مع المقارنة مع مشاريع رثة كانت السبب في ماضينا البائس , بقدر هذا الواقع الذي يتلظى المواطن بحروبه الوحشية , ونزعاته الحادة , واقع عدمي , لا ينتج سوى ظلام عميم له رائحة الدم ولونه , ظلام لا تعود معه الرؤية ممكنة ويستحيل معه أيضًا التقدم لتحول منشود .
هذا الواقع الذي غيب فيه دور عدن , لصالح دور محيطها القروي , كما تغير دور تعز وصنعاء لصالح محيطهما القروي والقبلي معا , تبرز فيه شعارات ورايات , تخلو من النفس التنويري , مثخنة بنفس العصبيات والتطرف والغلو , العقائدي والمناطقي والطائفي , يتخندق فيها الانسان للإثنية , انسان لم يصنع فيه العلم والتعليم والثقافة والأكاديمية تغيرا , بل عاد يحن لجذور نشأته الأكثر تخلفا .
عندما نتحدث عن عدن , فنحن نؤكد على الحاجة الكالحة للاستنارة , برغم ما أصاب عدن في فترة التعصب والانغلاق الفكري , وتدمير التعايش و ونسيجها المتنوع , ومشروعها الإنساني , الذي لا يفرق بين البشر , بأعراقهم ومناطقهم وطوائفهم مشاربهم الفكرية وعقائدهم الدينية , تظل عدن هي منبر للاستنارة , المنبر الذي يرفضه التخلف والجهل والعصبية , يشتط غضبا بمجرد ذكر عدن , قائلا من هم أبناء عدن ؟ باحتقار وازدراء , مؤكدا على شكل المعركة التي تواجهها عدن اليوم .
هي معركة بين عقلين , وثقافتين , ونفسين , الأول عدن التنويري , والأخر التجهيل والتخلف , بكل اشكلهما , ومن يقول غير ذلك فهو منافق دجال .
الحديث عن ريادة عدن في العمل السياسي والثقافي والاقتصادي , هو الحديث عن المستقبل الذي ينشده العقل المتطلع للتغيير والتحول للأفضل .
وكل حديث مثخن بالماضي وجراحاته ,يدغدغ مشاعر الحماس , ويدفع نحو تغيير بالعنف الثوري , هو مزايدة لغرض الوصول لسدة حكم , يبتدئ من منطقة جغرافيا صغيرة , ويطمح في التوسع ليلتهم كل من حوله , يرفع شعارات ورايات , وفي عمقه يتشكل نظام استبدادي شمولي , يحتوي كل قيم الظلم والقهر والتعسف للأخر المختلف والمعارض , بل كل قيم الفساد والاستبداد , ويفرز كل قذارة الكراهية والعنصرية البغيضة , ويقدم اسوى صورة للماضي بكل تجلياته.
هذا الحديث لا يأخذ من تجارب وعبر الماضي , غير ما يخدم تربعه للسلطة , محاولا إخفاء او تبرير ماسي والام الإخفاقات والخطايا التي تسببت بقهر وظلم مجتمع بحاله , ولا يقبل تقييم حقيقي لتلك التجارب , ويصر على إعادة تطبيقها حرفيا بكل الأمها وخطاياها , يتحول لعدو لتطلعات التغيير والتحول .
اليوم عدن و كل من يصطف مع عدن , في مواجهة مشاريع فاسدة وباليه قذرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى , وترفض التغيير الحقيقي للمنظومة السياسية والفكرية والثقافية , تغيير يقوده عقل ومنطق خالي من عصبيات التخلف , وكراهية الآخر , عقل تغيير وتنوير نحو مستقبل أفضل , مستقبل مواكب لمتغيرات العصر .
هذه الحقيقة تثبت ان لا تغيير حقيقي لمستقبل افضل دون ان تكون عدن رائده لا تابعة، ان يكون فيه العقل مصدر التنوير حاضر وبقوة , وتكون فيه الكفاءة والإبداع والمهنية صانع للسياسات , ومؤشراته تبدأ على الواقع واضحة ثقافيا وسلوكا , في حالة لا عنف ولا تعنيف ولا تنمر على الاخرين , حيث يكون الحق والعدل هو أساس تلك المنظومة , انها عدن تجربة غنية وحضارة سادة وتقوم اليوم ابادتها .