مذكرات رجل عادي .. الخدمة العسكرية مصنع الرجال ..
في بداية سبعينات القرن الماضي صدر قرار التجنيد الإجباري في جنوب اليمن، وبما أن سِنـِّي تجاوز السن القانونية للتجنيد بشهر فقط آنذاك، تم إعـْفائي مِنه ..
وفي بداية ثمانينات القرن الماضي صدر قرار آخر يـُلزم كل من لم يشملهم قانون التجنيد الإجباري، حضور دورة تدريبة عسكرية مدتها 40 يوما ..
ِفي أواخر عام 1985م، وأنا أعمل مديرا عاما ﻹستيراد المواد الغذائية في شركة التجارة الخارجية، أُختـِرتَ أنا (بعد إجراءات الكشف الطبي التي تجرى لكل من يشملهم هذا القرار) أخترت انا ضِمن القياديين الإداريين المدنيين الأصحاء، ليتم تدريبهم على السلاح في معسكر خـَرَز، شمال غرب محافظة لحج، القريب من باب المندب والذي يبعد عن مدينة عدن بحوالي 70 كيلومتر ..
تدربنا تدريبا عسكري حازما وقاسيا .. فالهدف هو بناء قوات إحتياطية تستطيع دعم الجيش الوطني عند الحاجة ..
خلال أيام التدريب، نصحى نحن عند ظهور أول خيوط الفجر لنغتسل، ونفطـُر، ونلبس ثياب الميدان ونبدأ التدريب من السادسة صباحا حتى الثانية عشر ظهرا، بعدها نأخذ وجبة الغداء ونستريح قليلا، ثم نبدأ المرحلة الثانية من التدريب في الثانية ظهرا حتى وقت غروب الشمس في السادسة مساءً، لـِنتعشى ونـَسـُتمِع بعدها لِمحاضرات في فنون القتال أو في السياسة إلخ ..
بعد إنتهاء عملية التدريب على المشي العسكري، الذي استمر اسبوعين، تم إختيار الأشخاص الذين يتلائمون مع أنواع الاسلحة المختلفة. فمثلا تـَمَّ إختياري أنا وبعض الزملاء لِسلاح مدفع B 10 عديم الإرتداد الذي يمكن لشخصين إثنين أن يحملاه على أكتفاهم. هذا المدفع مـُخـَصَّص لتدمير الحصون والآليات الثقيلة، وأُختـِير زملاء آخرون لسلاح الـ RPG المحمول على كتف شخص واحد، وآخرون لسلاح المشاةً وهـَلـُمُّ جرا ..
بدايات التدريب العسكري تكون دائما صعبة خاصة وأن جميعنا مدنيين، وتربى جميعنا على حياة سهلة ميسرة، ولكن بعد مرور أسبوع من التدريب الحازم والقاسي، بدأ يدُبُّ فينا الحماس للإستمرار فيه، فقد تمَرَّسَت أجسادنا عليه وشعرنا بالنشاط، وصِرنا نقضي ساعات الليل الأولى في الخيمة، تتحدث كل مجموعة منا عن الهفوات التي تحصل لـِفـِرقتها أثناء التدريب - بطريقة فكاهية - تجعلنا نحرص على تفادى أي خطأ، حتى لايـُعيب فـِرقتـنا المدرب أو باقي الزملاء ..
تـَخـَرَّجنا بعد 40 يوما من التدريب الصارم، بـِحفل مـُهيب، ولـَكُم أن تتخيلوا كيف تـَغيـَّر سلوك مُعظمُنا، وأقتنع جميعنا بأن الخدمة العكسرية هي بحق مصنع الرجال ..
نأمل أن يتم إعادة تطبيق قانون الخدمة العسكرية في الجنوب في وقتنا الحاضر لـِبناء أجيال يـَنغرس في عـُمق وجدانها عشق الوطن ..