يوميات رجل عادي
في بداية الستينات، خلال الحُكْم البريطاني الدَسْتوري المُتَحَضِّر لِمَدينة عَدَنْ، حين كان عمري 13 عاما، أي سِن الحُلم، وخلال فترة الإجازَة المَدرَسية الصَيفية، التي تَبدأ عادةً في بِداية شَهر يُونيو من كـُلِّ عام وتَنْتَهي في بِدايةِ سِبْتبمتر، كُنَّا في مُعظم الأيام نَتَجَمَّع أنا وزُملائي الَّذين في سِنِّي ويَسْكُنُون مَعي في "حارة الشَريف" المُحاذِية لِـ "حارة الزعفران" بِمَدينة كريتر، لِنذهَب إلى بَحرِ صِيرة، حالَ سَماعِنا أذان صَلاة العَصْر الذي يَنْطلِق من "مَسجد بانصير" الكائِن في وسَطِ الحارة بَعد الساعة الثالِثة عَصْرا في العادة ..
في مِنْطقة صِيرَة الواقِعَة جنوب شرق المدينة، نَلْتقي غالِبا بِبَعضِ أوْلاد العائلات البَريطانية الَّذين هُمُ في سِنِّنا، ويسْكنون في العِمارات الكائِنَة في الجِهَة الغربية مِن سَفْحِ جَبل قَلْعة صِيرة الشَهيرة، لنعلب كرة القدم على الشاطىء ..
حِين نَلْعب الكرة، نَنْقسم إلى فَريقين مُختلَطـَين مُشَكل من العَدَنيين والبَرِيطانيين. لم نَكُن نَلْعَب كَفريق بَريطاني، وفريق عَدني، فـلَكم كُنَّا نَتَحَلى بالبراءة والتَناغُم الطُفُولي في ذلك السِّن ..
في الشاطئ الواقع شَمال جِسْر صِيرة، نَلعب كُرة القَدم عندما يكون هُناك جَزْرا في البَحرِ في فَتْرةِ العَصْر، وحينَ يكون البَحر مُمتدا إلى نهاية الشاطئ، نَقوم بالسِباحة في الشاطىء ونَلعَب كُرة اليَد في نفس الوقت ..
تَكَرَّرت لِقاءاتنا بِزُملائنا البريطانيين، وتَوطَّدَت العلاقة بيننا وصار لِكُل منا صَديق مُقرب مِنهم. كان صديقي البَريطاني المُقرَّب لي، إسْمُه "تيري ريتشارد "Terry Richard .. .
في أيام المَدِّ في البَحر، نقوم بلِبْس سَراويل السِباحة تَحْت سَراويلنا العادية في بيوتنا إسْتِعدادا للسِباحة واللَّعِب في مِياه البَحر، ونُنْهي المُباراة في العادة قَبل الغُروب بوقت كافٍ كي لانتأخر في العودةِ إلى البيت، بناء على تعليمات أهْلِنا ..
ذاتَ يومٍ، وبعد الإنتهاء من اللَّعِب والسِباحة، دَعَاني صَديقي البريطاني"تيري"، للإغْتِسال في بيته لإزالة آثار مِياه البَحر، ولـٍيـُعرِّفني على عائلته أيضا، وعمل باقي الأصدقاء البريطانيين نِفْس الشيء حين أخذ كلٍ منهم صَديقه العَدني للإغتسال في بيتِه وتعريفه على عائلته ..
في بيتِ صَديقي "تيري"، وقبل الإغتسال سَلَّمَتني والدتُه مِنْشَفة صَغيرة نَظِيفة تَفوحُ مِنها رائِحة مَسْحوق الغسيل، أي غير مُتسخة، فقُمْتُ َبِغَسْلِ جِسمي وشعري بالمياه العذبة من الصنبور، ثُم تَنشفتُ ولبِست ثيابي، وحال خروجي من الحمَّام تلَـقَّفَت والِدة صَديقي "تيري" سروال السِباحة مِنِّي لتَشْطُفه وتُنظفه وتُجففه، وقدَّمَت لنا أنا وولدها "تيري" أكْواباً من حَلاوة الجِيلي المُبَرَّدَة، وجلست تسْألني عن عائلتي، وعَن نوع عمَل والدي، وأين يقع مَسْكني في المدينة، وكم هُمُ إخوتي الخ. ولأن دروس اللغة الإنجليزية كانت تبدأ من السنة الأولى متوسط في مَدارسنا الحكومية في تلك الفترة الذهبية من عُمرِ مَدينتُنا عَدَن، وكان مُعلِّمونا مُؤهلين تأهيلا عاليا، أجبتها على أسئلتها بكلمات بسيطة ..
حين بدأت الشمس في الغروب، قامت والِدَة "تيري" من مَقْعَدِها لتُسَلمني سروال السِباحة، وأسْتَعجَلتني لِلعودة إلى منزلي قَبْل حُلول الظلام ..
قول للزمان إرجع يازمان ..