ذات مشقاص .. ذات هبيش
(4)
- ويش اسمك ؟
تقول له :
- ربما من الأفضل لك الاتعرف !
وحين يصر تقول له:
- سهيل ..إسمي سهيل ..
كأن صاعقا ضربه في الرأس علىغيرتوقع.
السين ..السين..السين مجددا .. اينما يذهب يلاحقه ..يطارده ، يجده امامه ! اي امرأة يتعلق بها تكون مصابةبالسين . كأنه وباء يتعمد إفسادحياته،كأن الأبجدية تخلو من بقيةالحروف ..كأن الآباء لم يجدوا اسماء لبناتهم بغير حرف السين؟ تجتاحه ذكريات حب قديم من تاريخ السينيات..عيشة يوسف.. لم يعرف كيف ينطق اسمها ..فكان يناديها عيشة يوفف ! تركته والتحقت برجل آخر ..ماذا تفعل بصبي اخرق يزعم انه يموت في حبها ولايعرف كيف ينطق إسمها ، ويجعل منها سخرية صديقاتها ؟!
مامن فتاة احبها ، الا وتركت في قلبه جرحا ينزف ..و حرفا من سين .لايحصد منه الا التعب والفشل ! وسهيل هذه هي الأخرى بحرف السين ..ماذا تتوقع منها غير الحزن والعذاب ؟ لكن ماذا يهمك منها .. إن كانت بحرف السين او بحرف العين ؟ ليست سوىمشترحة..راقصة هبيش..رقصت معها مرة واحدة ، وعما قريب ينفض السامر ،ترحل، وترحل انت .
يذهب كل منكما إلى حال سبيله..تعود إلى الديس ، وتسوح هي في دنيا الله الواسعة حيث تعقد مدارات الشرح ..وانين المزمار يعلو واغبرة الهبيش ..واصوات الهبيش .
لماذا تهتم بها ياكندي ؟ لماذا إلى هذه الدرجة دون كل المشترحات ..لماذا سهيل بالذات؟ ..بل لماذا حرف السين ؟ لسهيل ضحكة عذبة ..عينين وحشيتين ، و"سين" قاتل ! وحين ترقص ..تشترح ..يصيبك الف جنون . صدرك يدق ياكندي . يدق بعنف . يهيج ولاتستطيع إسكاته مهما حاولت ..ما من مرة تمكنت من إسكاته .
ولامرة استطعت ان تنجح مع سينية ! تنجذب إليهن بقوة ، إلى حدالهوس ..
يضغط عليك هدا الصدر .إلى حد انك تضعف ..تستسلم له . ولامرة شككت في إختياراته ..أولمته على خيباته المتتالية.
توقف ياصدري ..توقف! عن إلحاحك..
هوس جنونك . لاتندفع وراء وهم جديد تعرف نتيجته سلفا ..انت تعرف حبك السيء مع حرف السين ..مع السينيات. المرأة السينيةعقرب ..افعى سم زعاف .
هاهي ذي افعىجديدة..مشترحة هذه المرة .لاتقدر ان تغير قدرك ..لن تكون مختلفة عن سواها !
منذ "عيشة يوسف" ..منذ كنت طفلا يلهو يعرف كيف ينطق كل الحروف سوى حرف السين ! لايجلب معه غيرالشقاء ..
التعاسة ..الالم .
مع "سندس" لم يتغير شيء ..السين يطوقها من الامام والخلف ..ويحاصرك مهما حاولت ..ا
الامر نفسه لم يتغير مع" سراحب" ..نفس السين ونفس الفشل ..ونفس العذاب يتوالد واحدا بعد الآخر ..يذهبن ولايبقين لك إلاالوجع ..يوما ما سيرسلنك إلى قبرك القصي ! ربما قبل ان تتحقق احلامك التي تسعى خلفها ، ولايتركن لك إلا السين ... فراشا ولحاف !
( 5 )
مزروع في دربك السين . بعد فترة من مشاعر الهجر والحزن ، والألم ،وخيبات
السين التي عانيت منها ،داهمك مجددا
..السين ، السين لاغيره ..سمهاماشئت ..
لكنها مثل الأخريات ! سينية ..بديعةالجمال ،إلى حدخرافي ، اسطوري ..لكنه نفس الداء الذي سبق واصابك بالعدوى .."فينوسة" اوفردوس
..لافرق . لاتستطيع ان تتفادىعدواه .
رائحتها تشل كيانك ، ليست رإئحة العطر ..البخور ، لكنه عدوى السين ! تنفحك بعض القصص ..الحكايات التي تحب ..تقول لك : هذا مااعطيه للصغار ... المولعين بالحكاية ! اما قلبي ؟ فقد اعلنته منطقة مغلقة منذ زمن . لايحتمل طعنات غدر أخرى .. صالحتك بعقد صداقة قالت انه اهم ، وابقى من الحب ، ومن الزواج ! وسهيل بماذا ستصالحك ب شرح ..رقصة هبيش بدوية ..السين مجدداياكندي ..كأنه لعنتك الابدية .هاهي ذي سهيل ..تحاصرك بالرقص ..بالشرح ، الهبيش ، وبالسين ! فأين المفر ؟ كيف ستتصرف معها ؟ بل كيف ستتصرق مع هذا الطفل في صدرك ؟ لايريد ان يكبر .. يتعلق بكل سينية دون نساء العالمين ، كما يتعلق الطفل بكل لعبة جديدة . لكن سهيل ليست لعبة .. بل انثى ..بدوية ، مشقاصية ..حتى لو كانت لعبة ، فانها لعبة خطرة ..بارود .. إن إنفجرت في وجهك ، تتناثر شظايا لايقدر على جمعك احد .
( 6)
..لايمكنك ان تتوقع تصرفات السينيات ..لايردعهن شيء ُ ويفعلن مايردن .
وضعت يدها في يده وقالت له :
- سرينا ..
فلا يرفض . يتحول إلى طفل طيع لايعرف كيف يقول لا ، ولاكيف يعتذر . يعرف على الاقل شعوره ، مصيره لن يختلف مع من سبقنها من ذوات السين ! ومع ذلك يذهب معها وهو في حال خدر لذيذ ..استسلام غريب ..يده في يد سهيل السينية ..ذات العينين الوحشيتين ، والقدمين العاريتين ، إلى اين ؟ لايهم . يكفي انه معها ..
إلى خيمتها يصلان . تسترخي كل عضلاته ويذهب في نوم عميق لايستيقظ منه إلا في الهجيرة على رائحة شواء تيس بلون الذهب ..
يتسكع بقية النهار بين الخيام ، وجلبة باثعي الاغنام ، والحلوى ، والملابس ، التي تتداخل مع روائح الشواء في الهواء الطلق ، يتقاطع الناس بحوارات قصيرة عن الأمطار ، والأسعار ، ومواسم الزيارات القادمة ، لكي يتقاطروا إليها كما تقاطروا إلى حلفون ، مدفوعين بذلك الإلهام الروحاني، وسحر المشقاصيات وهبيش الهبيش .
وفي الليل يحرص ان يكون مع سهيل ، يرقص حيث ترقص ..ويتوقف حين تكف ، وماتبقي، يقضيه في خيمتها، وسط سرب من مشترحات فاتنات ..مشقاصيات
..البدويات اكثر جرأة من نساءالحضر .
إحداهن تقول له :
- من يراك تشترح لايصدق انك ابن مدينة .
سهيل هي التي اجابت :
- لاتنسي انه مشقاصي من عيال إبليس ..!
ولايجد جوابا لأخرى سألته : لماذا لاترقص الامع سهيل ؟!
لايقول لهن ان السين وحده يسوقه ، ولايدري كيف وصل إليها ..فقط يمتثل لما يقرره ويوافقه . حتى انه لايعرف رقص الهبيش ..
وحتى يتجنب أسئلة اخرى محيرة يمسك بخيوط الليل .
بدون مناسبة يحدثهن عن جدته ..عن الحكاية التي قالت انه سيكتبها ذات يوم ..
حزينا يبدو حين يتذكرها ..رأين دموعا صغيرة مثل حبات الندى في عينيه على ضوء النار ..يقول :
- قد ابدو لكن غريبا حين احدثكن عن جدتي ..لكنها جدة رائعة ، احبها جدا ولااستطيع ان أراها ..اشتاق اليها كثيرا .
قالت له انه سيكتب الحكاية ، لكن ذلك لم يحدث حتى الان ..ماتت دون ان يحدث . تراها اخطأت جدته ؟ هل كل ماقالته مجرد وهم ؟ أوحى به،خيال عجوز تحب حفيدها ، وأرادت ان تسعد قلبه بما يفرحه ؟ اولعلها اخترعت ذلك لكي تشجعه على الحلم ..او ربما لكي تسليه بشيء جميل تعرف انه لن يتحقق ..لكنه وهم جميل ، وقد صدقه ، احبه ، انتظره طويلا ، وآمل ان يتحقق ..ويتمنى لو يتحقق اليوم قبل الغد .
(7)
تنظر سهيل في عينيه ..تقول له :
- إذا قالت لك جدتك ، ستكتب الحكاية ، فصدقها ..!
تضيف :
- جدتي ايضا قالت لي شيئا كهذا...
بلهفة يسالها :
- ستكتبين الحكاية .... اليس كذلك؟
- لا ... ساصبح اعظم راقصة شرح في كل المشقاص ..هذا ماقالته . هي ملهمتي .
قال : انت اجمل راقصة فعلا ..نبؤة جدتك تحققت ، بينما ان ......
قاطعته :
- إياك ... الجدات لايكذبن ابدا . لديهن فراسة لاتخطيء ..
- ماذا افعل ؟
- عليك ان تؤمن ....
- انا مؤمن فعلا .
- بماقالته لك حباتك ..هذا ماقصدته !