سنظل ننتقد حتى نصنع تغيرا
يتسائل البعض عن النقد الحاد الذي نوجهه لسلطة الأمر الواقع في عدن .
وخير العقول هو العقل المتسائل , فالعقل الذي يتمتع بدرجة من الكفاءة يظل في حراك تساؤلي دائب , ويحلل الأمور بمنطق وشفافية , نحتاجه في نقد وتقييم التجارب السابقة والحالية .
أي حراك مجتمعي كان او سياسي , تتضح معالمه من البدايات , التي تحدد مسار الهدف , وتحصد نتائجها المرجوة في نهايات , نهايات تلبي تطلعات وطموحات الناس الذين وضعوا ثقتهم بالقيادة , و راهنوا عليها .
تطلع الناس لكيان جامع , ومن البدايات الأولى اتضح انه اتخذ استراتيجية الفرقة , والبحث في الجينات , و فرز الهوية الشخصية , وعاد لنبش مخلفات الماضي , واختار منها ما يبرر توجهاته وقناعاته ,التي اتضحت شيئا فشيئا , انها تبعد وتنحرف عن تطلعات الجنوبيين بدولة تستوعب كل الاطياف والاعراق والالوان السياسية والفكرية , و وجدنا انفسنا امام ثقافة وأفكار وقناعات تتناقض وتطلعاتنا , وتلقائيا لسنا ممن يسير خلف ما هو سائر , نحن احرار في الآراء والقناعات والأفكار والمبادئ , ونرفض التنازل عنها بسهولة , مضطرين للدفاع عن تلك الآراء والتطلعات والمبادئ والقيم والاخلاقيات , فوجدنا انفسنا نواجه كيان يصر على المضي بما يريد , و وضعنا في قفص الاتهام والتخوين والتصنيف والفرز المناطقي والبحث في الجينات , مما اكد لنا صدق مواقفنا , وحق ما نقوم به .
للأسف ان نرى امامنا عقلية ديماغوجية , وهي استراتيجية خداع للشعب , تعتمد على الإقناع , يتم اللجوء اليها من اجل الحصول على السلطة , والكسب الخاص بالقوة السياسية والعسكرية , مستثمرة مخاوف الناس وافكارهم وعقائدهم ومصائبهم السابقة .
عشنا وياما شفنا , من تناقضات غريبة وعجيبة , استثمار ودعم حرية الجماهير للتعبير , لفرض أمر واقع , ورفضها رفض قاطع , بل مواجهتها بالقوة المسلحة في مناطق السيطرة والتمكين , وعدن مثال , التعبير عن راي مخالف ومختلف جريمة في عدن , واي صوت يصرخ معبرا عن وجع والام الواقع والناس , يفتح له ملف , وتفبرك له تهمة وجريمة , ويزج في سجون الظلم والقهر والاستبداد , وهي سجون تكتظ بالأبرياء , وأصحاب الراي والمواقف المبدئية , مع المجرمين والإرهابيين والقتلة , في نظام استبدادي المعالم والشواهد والأفكار .
تطلعنا لعملية تغيير كنا من أوائل دعاتها في الساحات , و وجدنا انفسنا في دائرة الاتهام , تداهم مقراتنا في الاتحاد العام لعمال الجمهورية , بشكل عنيف ودموي , من أطفال العنف الثوري , وبتوجيه من رفاقنا التقدميين و الأمميين , الذي نسوا وتناسوا أدبيات و وثائق حزبهم , وعادوا يصطفون على أسس مناطقية , وكراهية , ضاقت حلقاتها , الى سلالية عرقية , وعاد ما كنا نرفضه واقعا , تمجيد لصنم الزعيم , والقائد المفدى , وتوزيع الرتب والوظائف العسكرية لذوي القربى والقرية والمنطقة , وبكل بجاحه يعين اخو الزعيم قائد لواء , وصهره وابن عمه , وهكذا سارت الأمور , وعاد مشهد نفوذ قبيلة عفاش والاحمر واقعا في الجنوب , والمطلوب مننا ان نسكت , وان سكتنا لن يرحمنا التاريخ , وسنموت بغيضنا , مع ان الصمت مريح لرفاقنا الأوائل , الصامتون بإرادة المصلحة والمال و الارتهان والتبعية , و سيلعنهم التاريخ , كما لعن سابقيهم .
لم يتركوا لنا مجالا نتغاضى عن الصغائر , وننتظر قطف ثمار النضال في ما هو اكبر واعظم , كل شيء انهار أمامنا , والاهم عدالة قضيتنا و سمو قيمها , وتمزيق اللحمة , وتشتيت الصف , وتوجيه البندقية في وجه ابن الأرض وصاحب القضية , وافتعال حروب عبثية , أعادت متارس حروب الماضي , من 67م الى 13 يناير الى 94 م ودمر مبدأ التصالح والتسامح , وعدنا لنقطة الصفر .
سنظل نحفر في الصخر , ونحتمل القذف والتخوين , حتى نصنع تغيرا , ورأي عام يدعم الحق والحقيقة , التي تتطلب الاعتراف بها , لتصحيح المسار والاعوجاج , والاعتراف فضيلة , بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) , فهل يبادرون بسياسة إصلاح وتقويم , تنهي سيطرة طفيليات الحرب والعنف الثوري على مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني والنقابات , والمؤسسات الإعلامية , وتكريم كوادرها ورمزها , ويتم البناء على ما كان افضل من تجربة نصف قرن , وإلغاء فكرة الاجتثاث الثوري التي دمرت تلك المؤسسات , وسلمتها لمن لا مؤهل ولا خبرة و لا حق قانوني وشرعي وادبي واخلاقي لهم فيها , والله على ما أقول شهيد .