اشياء لا تنسى ... اني اتذكر (20) " لااحديستطيع التنبؤبماسيحدث لكن شيئاما..."
" عبد الناصر علمنا ان نرفع رؤوسنا ..نعم انا ناصري ومرحبا بالموت "
احمد العبد سعد
استوعبت صحيفة "14 اكتوبر" اعدادا كبيرة من الصحافيين ، وظهر في اقسام المؤسسة موظفات اكثر في عقد تمكين المرأة الذي اعلنته الأمم المتحدة ، وفي الوزارات والمصانع و المؤسسات الجديدة التي أنشئت ..
ظهرت اسماء جديدة من خريجي الصحافة من جامعات مصر والجزائر والعراق ،تلقوا تأهيلا اكاديميا ، لكنهم اكتسبوا الخبرة والمران هنا في "14 اكتوبر"،فكانت مدرستهم الحقيقية في تطبيق ماتعلموه وبالخروج إلى ميدان العمل .ومن هؤلاء احمد العبد سعد وعمر باوزير وعبد الباسط سروري ومحمد قاسم نعمان ومحمد عبد الجليل. وفتحي باسيف . و علي عبد الله بارادم ، وفاروق رفعت ، وعبد الله باضريس ، وجيل جديد لصحفيات منهن نادرة عبد القدوس ورضية عبد الكريم وعزة عبيد، والطاف محمد عبد الله، وفاطمة هايل ،وكوثر شاذلي ..
كان كل خريج صحافة ، اومن عنده موهبة الكتابة الصحفية ، وحتى الذين لايملكون ادنىموهبة ، يسعون للتوظيف في "14 اكتوبر" ، فقد كانت الصحيفة الوحيدة اليومية بعد إغلاق الصحف الخاصة ،فوظفت جيشامن الصحفيين الخريجين ،وغير الخريجين ومن اصحاب المواهب الحقيقية،ومن غير الموهوبين .
شهدت الصحيفة تطورا في المحتوى والشكل بعد ان زودت بمطابع جديدة على عدة مراحل. وكانت اقسام الجريدة تضم الأخبار ، والتحقيق ، والسياسة الدولية ، والثقافة، والرياضة ، والفنون ، والتصوير، والتصحيح ، والارشيف .اما الإعلان والتوزيع والحسابات والمشتريات والمطبعة فكانت تتبع المؤسسة ومديرها العام سالم باجميل، كما كان الحال على ايام سالم زين محمد ، وكل من اتى بعدهما ، وكما ينص قانون المؤسسة ،فلم يرد المشرع ان يشغل هيئة التحرير بالأمور الماليةوالادارية وحسنافعل .
كان نجوم التحقيقات الصحفية سعيد عولقي وسعيد العسيري وعمرباوزير وعلي بارادم . السياسة الدولية من اختصاص عبد العزيزمقبل ومحمد عبد الجليل وجعفر عيدروس. والاخبار من اختصاص ملك الخبر محمد عبد الله مخشف الذي تربى في مدرسة(فتاة الجزيرة) و(الايام) ووكالة انباء عدن .والشؤون الثقافية باشراف شكيب عوض والفنية عبد القادرخضر والرياضة محمد عبد الله فارع وطاقمه المكون من جعفرمرشد وحسن يوسف. وكان للصحيفة مراسلون في عدة محافظات : عبد العزيز الثعالبي في حضرموت ، وحسين محمدناصر في ابين ، وعبد الله كرف في لحج . ومراسل في موسكو هو د. خليل عبد العزيز .
باجميل كان يختلف في إدارته للمؤسسة وللصحيفة ..اعطى مزيدا من الصلاحيات لمدراء الأقسام وكان يقف على رأسها كوادر مؤهلة ومخضرمة امثال مهيوب سلطان وموسى الحازمي ومحمد جامع وحسن يعقوب وصالح رابطة واحمد سعيد المسجدي ، وحسين بارباع .
(2)
بعد تعييني مديرا للتحرير بتزكية من سالم باجميل كما علمت منه قبل سنوات من ترك كل منا لمنصبه ، ترك لي شؤون التحرير وتسيير العمل اليومي ، ولم يكن يتدخل في التفاصيل اويطلع على المواد قبل نشرها ، وربما كان يقرأها مثله مثل اي قاريء ..وكان يتحمل المسؤولية عن اي نقد اوملاحظة يبديها محررو الجريدة خلال كتاباتهم .مع الوقت امتلكنا هامشا من نقد الأخطاء والسلبيات الهدف منها التنبيه إليها وتصويبها ، واعتقد اننا نحن من أوجد لنفسه هذا الهامش ، من خلال الممارسة، ولم يعط لنا من احد . ومن خلال التجربة والكتابة النقدية ، عرفنااين مكامن الخطر المحظورة فلم نقترب منها .
كان البعض في السلطة ،لايتقبل النقد ، اوان يقترب من منطقة اختصاصه ،وكأنها ملكية خاصة به ، بينماكنا في الجريدة نرى ان هذه ملكية عامة للشعب ، وإذا رأينا خطأ فمن واجبنا ان ننقده ، ونشير إليه ليس بهدف التجريح اوالتشهير ، ولكن للفت الإنتباه إلى مكامن الخطأ. او التقصير او الإهمال. وهذا يساعد المسؤول ولاينتقص منه ..
البعض كان يرحب به ،ولكن في اماكن معينة وفي حدود ..والبعص يرد وننشر رده وفقا لمبدأ معروف في الصحافة بحق الرد في نفس الحيز والمساحة.. والبعض يلزم الصمت ويكتفي بمانشر حتى لايثير المزيد من الإنتباه . واحيانا كنا نلقى التشجيع من بعض المسؤولين والاستحسان من آخرين .كنا نحاول بقدر الإمكان ان نحسن إستخدام هذا الهامش من حرية التعبير والنقد ، فلم نكن نتعرض للسياسات والتوجهات العامة للحزب والحكومة حتى لانفقده وإن كنانطمح في المزيد منه .
وحيث لايمكن الكلام ، كنا نستخدم سلاح الكاريكاتير، الذي ادخله الزميل عبد الباسط سروري خريج صحافة من جامعة القاهرة ، إلى الجريدة . وبالذات بعد القرار الذي اتخذته الدولة بمنع تعاطي القات والقانون المنظم لذلك في العاصمة والمحافظات التي لاتزرع القات،إلايومين فقط في الأسبوع .
لعبت الرسومات الكاريكاتورية التي رسمها عبد الباسط سروري في البداية دورا كبيرا في دعم القرار ، حتى إن لم تكن خطوط رسوماته قوية ، لأنه لم يكن رساما في الأصل ، لكن يحسب له تاريخيا انه اول من ادخل هذا الفن إلى صحافة مابعد الإستقلال .وبعد ذلك ظهر عدد من رسامي الكاركاتير من اهمهم عدنان جمن الذي يعتبر السروري استاذه .
(3)
كانت اكبر صدمة قاسية تلقيناها في الأسرة الصحفية إعتقال زميلنا الصحافي احمد العبد سعد ، وزميلنا الآخر عمر باوزير ، وهما من خريجي الآداب قسم الصحافة - جامعة عين شمس .
عاد احمد إلى عدن بعد إكمال دراسته الجامعية في النصف الثاني من سبتمبر 1970. والتحق بالعمل في صحيفة 14اكتوبر ،وكان إضافة حقيقية إلى قائمة اقلامها المميزين ..وكانت الصدمة اقسى علي بصفة خاصة إذ كان احمد العبد صديقا شخصيا لي هو وعمر باوزير .
كان احمد شابا وسيما ، ناحل الجسم ، حنطي البشرة ، شعره اسود ناعم يرسله إلى الخلف على طريقة قبائل الحموم في المشقاص ، ويتمتع بذكاء وحس وموهبة صحفية سرعان مالفتت الأنظار إليه . وكان يتمتع بثقافة واسعة ، وبدماثة اخلاق عالية ، وبقدرة وقوة إقناع ، وبهدوئه في عرض افكاره .
لكن احمد وزميله عمر لم يعتقلا لرأي كتباه إذ كانا من مناصري الثورة ونظام الحكم ، واكثر من ذلك من محبي الرئيس سالم ربيع علي ( سالمين ) ويتحدثان عنه بتقدير واحترام شديدين ، ولا ينطقان إسمه إلامسبوقا ب (الشيبة ) وهو دليل التبجيل في حضرموت ولاتقال الا لكبير القوم اوالأسرة ..
كانت التهمة التي اعدم بسببها احمد العبد وسجن زميله باوزير هي تشكيل حزب ناصري .وقد أعدم على خلفية ذلك الاتهام علي عبد الله الكسادي قائد ماسمي بالتنظيم الناصري ، لكن تفاصيل ذلك الذي راح ضحيته زميلنا وصديقي احمد العبد يظل سرا لا يعرف تفاصيله احد .وكان من بين سبعة اعدموا بعد محاكمة صوريه من محكمة الشعب لم يسمح فيها بحضور محامين بينما حكم على خمسة آخرين بالسجن لمدد مختلفة من بينهم عمر باوزير .
في الذكرى 47 لاستشهاد أحمدالعبد سعد ورفاقه الناصريين ، سيكتب حمدان عيسى محمد سيف الذي اعدم والده في صنعاء بتهمة الانقلاب الناصري في عام 1978، بان احمد كان صديق والده وعدد من الطلبة اليمنيين الذين كانوا يدرسون في القاهرة. منهم عبد السلام مقبل ، وسالم محمد السقاف وكلاهما اعدما في محاولة الانقلاب الناصري على علي عبد الله صالح في بداية حكمه .
يصف حمدان في مقاله احمد العبد سعد بانه كان من اوائل الطلائع الناصرية الذين برزوا في القطاع الطلابي والنضالي في القاهرة . وكان يحظى باحترام جميع زملائه. وان بداياته الأولى كشاب مؤمن بالناصرية فكرا وممارسة ، كانت من خلال الأنشطة الطلابية التي كانت تنفدها رابطة الطلبة اليمنيين في القاهرة .
ويقول حمدان ، ان عودة احمد العبد سعد إلى عدن كانت محفوفة بالمخاطر لكونه من القيادات الناصرية المعروفة . ويكشف لأول مرة ، ان المجموعة التي تم اعتقالها ، عملوا بشكل سري على إعادة ترتيب اوضاع العمل الثوري الناصري في عدن ، وان التنظيم تعرض للإختراق من قبل السلطات الأمنية في الجنوب ومن ثم إلى الانكشاف والاعتقال ، وحوكموا محاكمة سرية وصورية .حكم على سبعة منهم بالإعدام من بينهم علي عبد الله حسن الكسادي الذي كان ضابطا في جيش التحرير ومن التنظيم الشعبي ، واحمد العبد سعد الحمومي ..كما حكم على الخمسة الآخرين بالسجن لمدد طويلة .
(4)
المرة الثانية التي احتجز فيها صحفي في مركز الشرطة في كريتر كان الزميل عبد الله عبد الاله ، وبسبب خطا تقني وليس لرأي اونقد كتبه .
يمكن القول ان عبد الله عبد الاله عصامي بنى نفسه بنفسه ..في الأساس كان عامل صف يدوي في المطبعة ، وفي نفس الوقت واصل دراسته الثانوية ، ويتمتع بموهبة الكتابة ، وكانت تمر بين يديه مئات المقالات السياسية والثقافية لعشرات الكتاب والاقلام اثناء قيامه بصفها وتوظيبها في المطبعة ، بالاضافة إلى قراءته الحرة ..وكل هذا عزز لديه موهبة وقدرة الكتابة ، بالإضافة إلى التشجيع الذي حظي به من هيئة التحرير خاصة من محمد البيحي حين كان مدير التحرير ومني شخصيا ، حتى اصبح من الاقلام الصحفية المرموقة باسلوبه الخاص ، وبعد ذلك اجتذبه العمل في سكرتارية مجلس الوزراء في الدائرة الإعلامية التي كان مديرها احمد عبد الرحمن منذ كان علي ناصر محمد رئيسا للوزراء وبعد ان اصبح الرئيس سنة 1980 استدعيت بوصفي مديرالتحرير ،والزميل سعيد عولقي بوصفه ضابط النوبة في تلك الليلة إلىإجتماع في مجلس الوزراء .
فوجئنا ان الرئيس سالم ربيع علي " سالمين " شخصيا من يراس الإجتماع ..
إذكان رئيس الوزراء علي ناصرمحمد في زيارة خارج البلد .
افتتح الرئيس الإجتماع ، وسأل سالم باجميل الذي كان حاضرا رغم انه لم تكن له صفة رسمية ، فلم يكن رئيس تحرير الصحيفة اومدير عام مؤسسة 14 اكتوبر يومئذ بعد اختياره سكرتيرا اول لمنظمة التنظيم السياسي الموحدالجبهة القومية في العاصمة ..ولكن ربما بصفته هذه كان مسؤولاسياسيا عن كل مايجري في العاصمة ،اوبصفته غير المعلنة سكرتيرا إعلاميا للرئيس .
_ فين اصحاب اكتوبر . .؟
سأل الرئيس ، فاشار الينا باجميل ،وكنا واقفين ..
وسأل مرة أخرى :
_ من منكما ضابط النوبة ؟
فرفع سعيد عولقي يده وقال :
- انا ..
فاشار إليه إن يتقدم ، وأجلسه إلى مقعد شاغربجانبه ..
ناوله عدد ذلك اليوم من الصحيفة ، واشار له باصبعه إلى خبر بعينه ، يبدو كان لب الموضوع الذي استدعينا من اجله .. وقال له :
- إقرأ ...
اخذ سعيد يقرأ الخبر ، وقبل ان يكمل طلب منه ان يتوقف وسأله :
_ هل صحيح ماهومكتوب ؟
_ لا. خطأ ..!
اجاب سعيد .
فعاد يسأله :
وايش هو الصحيح ؟
فاجابه :
_ سالم ربيع علي رئيس مجلس الرئاسة.( كان الخبر المنشور ذكر الرئيس بصفة رئيس الوزراء دون ان يشير إلى منصبه كرئيس) وهومااثارغضبه كمايبدو من استدعائه لنا لأول مرة ، وامام إجتماع لمجلس الوزراء .
بعدان فرغ من سعيد عولقي ، سال باجميل :
_ فين رئيس التحرير؟
أخبره انه في إجازة شهر العسل . كان سالم عمر حسين قد تزوج للتو ، وأشار نحوي حيث كنت اقف وقال للرئيس :
- هذا مدير التحرير بشحمه ولحمه ..
والحقيقة ، لم يكن في لحم ولاشحم ،
بل كنت أعاني من الهزال كما انا اليوم .
تقدمت وجلست على نفس المقعد إلى جانب الرئيس .
اول مالفت نظري المسدس الامريكي المدولب المتدلي من خصرالرئيس ..
تحاشيت النظر في عينيه ،إذكان الرئيس يتمتع بهيبة وقوة شخصية ،ويهابه
اصحابه قبل خصومه ،لكنه ايضا كان يتمتع بشعبيةواسعة لدى الشعب ، خاصة بسطاء الناس الذين كانوا يعتبرونه ابو الكادحين ونصير قضاياهم .
مد لي بنفس العدد من جريدة اكتوبر الصادرة في ذلك اليوم ،واشار إلى كلمتى (بصل )و(ثوم ) ظهرتا في الفراغات بين اعمدة احد المقالات في صفحة داخلية .
وسألني كيف حدث هذا ، وماهو المقصود منه ؟
كان سؤال الرئيس واضحا ، كان يريد ان يعرف إن كان وراء ذلك قصد سياسي ..
كان الرئيس سالمين ربما فهم ان ذلك موجه له شخصيا باعتباره رئيس الدائرة السياسية للزراعة والاصلاح الزراعي . وكان هناك في تلك الأيام نقص حاد في بعض الخضراوات منها البصل والثوم .كما انه لمح صراحة في ظهور تلفزيوني نادر إلى طول امد الحوار مع اتحاد الشعب الديمقراطي وحزب الطليعة الشعبية ، لأن الرفاق كانوا يناقشون قضايا مثل انعدام البصل والثوم في السوق ، مما اعتبره مضيعة للوقت والحوار الذي استغرق نحو خمس سنوات حتى إنه وصفه ب " اطول حوار في العالم في اصغردولة " لكن هذا الحوار رغم طوله اثمرعن وحدة فصائل العمل الوطني الديمقراطي ( اليسار ) في تنظيم واحد ..ولم تكن هناك احزاب غيرها بعد ان حرم تشكيل الأحزاب بعدالإستقلال واعتبار الجبهة القومية الحزب الوحيد .!
ربما كان من الأفضل للتجربة ، واجدى للديمقراطية ، لو احتفظ كل تنظيم بكيانه السياسي والتنظيمي ، وتم نوع من التنسيق اوالتعاون بينها في إطارما ، إذكان سينتج عن ذلك تعددية سياسية تعززمفهوم الديمقراطية وتسمح بحرية تشكيل الأحزاب بدلامن تجربة الحزب الواحد ..لكن كمايبدو ان تجارب الأحزاب في البلدان الاشتراكية كانت تضغط على الرفاق في التنظيمات الثلاث وكانوا مشدودين إليها اكثر من إنشدادهم إلى الديمقراطية وصنع تجربة مختلفة في
هذا الجزء من جنوب شبه الجزيرة العربية ! كما ان الديمقراطية لم تكن مطروحة يومها بقوة كما هو الحال اليوم حتى من قبل القوى الغربية ..
(5)
بطريقة ما اعتبر الرئيس ان ماحدث لم يكن خطأ غير مقصود ، بل امرا متعمدا وانه شخصيا المقصود بذلك ، لكنه لم يقل ذلك صراحة ، لكن ذلك كان واضحا في نبرة صوته ، وطريقة إستدعائه لنا ، ومناقشة الأمر امام مجلس الوزراء وهي سابقة لم تحدث من قبل ! إذ كان يكتفى في حال حصول خطأ ما ان يتصل وزير الإعلام برئيس التحرير للتنبيه إلى ذلك والحرص على عدم تكراره ...
لكن يبدو كانت الخلافات قد بدأت تحتدم داخل التنظيم الحاكم وتأخذ طورا خطيراحول قضايا عديدة ، منها الخلاف حول إنشاء الحزب الطليعي ، وقضايا في السياستين الداخلية والخارجية ، وخاصة العلاقات مع السعودية ومصر والموقف من كامب ديفيد وجبهة الصمودوالتصدي . والعلاقة مع السوفيات والصين وغيرها من القضايا التي لم تكن تناقش في العلن ، لكنها كانت تنزل إلىالشارع ، ووراء ذلك كله الصراع الخفي على السلطة ، ممازاد من حساسية الرئيس تجاه مسألة صغيرة ظهرت عرضا في الصحيفة إلى درجة مناقشتها في اجتماع لمجلس الوزراء .. ولا اظن ان الرئيس،لفت انتباهه كلمتان بحرف صغير يكاد لايرى ، لولا ان احد سكرتيريه من (اولاد الحلال) نبهه إلى ذلك بسوء نية او حتى بحسنها ..
حاولت بقدر ماامكنني ، السيطرة على توتري ، فهذه هي المرة الأولى التي اقف مثل هذا الموقف .. وامام من ؟ امام رئيس الجمهورية سالمين شخصيا ، وكل اعضاء مجلس الوزراء ..
حاولت دون تفكير ، ولاتخطيط ان ارتجل الجواب الذي اعتقدته الأنسب على سؤال الرئيس .
شرحت له. ولمجلس الوزراء ، طبيعة الظروف الصعبة التي نعمل فيها ، وقدم وسائل الصف اليدوي والمطابع الموروثة من ايام المطابع الخاصة ، ووقوع مثل هذا الخطأ طبيعي وممكن ان يحدث في مثل تلك الظروف وتلك الوسائل المتخلفة، واسهبت كما يبدو في القضايا الفنية التي لم يكن يفهم فيها لاهو ولااحد من اعضاء المجلس ، وهو مالم يقنع الرئيس في ان الخطأ فني خالص ، وليس له أية نية اوبعد سياسي دون ان اقول ذلك صراحة .
يبدو ان كلامى لم يعجب الرئيس ، وقال شيئا عن المواطن في روسيا وكيف انه إذا سئل عن رأيه في قضية سياسية ما يجيب : عادني مش قرات البرافدا ...! وكانه اراد من ايراد هذه المعلومة ان يكون المواطن في اليمن الديمقراطية نسخة من المواطن السوفياتي لارأي له الا ماتقوله البرافدا..اوان تكون 14 اكتوبر نسخة مثل البرافدا ، وكلا الأمرين كان مستحيلا .. ثم ان المثل الذي استشهد به الرئيس إذا كان صحيحا ، فقيل عل سبيل النكتة وذم النظام في الاتحاد السوفيتي الذي لايملك المواطن فيه حرية التعبير عن رإيه مالم يكن رإي الحزب !
وفي النهاية اطلق الرئيس تهديدا لاادري اذا كان يعنيه حقا او قاله في لحظة غضب ..
تحاشيت بقدر ماامكنني النظر في وجه الرئيس ، لأتحاشى صدق إنفعالاته ..
قاله وهو ينظر إلى مسدسه :
- روحوا ... وباتصلكم قراراتنا ...
تنفست الصعداء ، وخرحت انا وسعيد عولقي وواصلوا اجتماعهم ..
انتظرنا عدة ايام ، القرارات التي لمح إليها الرئيس لكنها لم تصدر ، كان ربيع يخوض معركة اكبرمع جناح قوي في التنظيم السياسي الموحدالجبهة القومية يريد إزاحته من السلطة ، ولم يكن في وارد ان يخسر جبهة الإعلاميين الذين للأسف لم يكن على قرب منهم ، وإن حاول ذلك في اواخر ايامه في لقاء وحيد في دار الرئاسة لم يحضر له بشكل جيد ، وكان الاوان قد فات . وكان لافتا طغيان السوالم على الحضور : سالم ربيع علي ، وسالم باجميل ، وسالم عمر حسين ، وسالم الحاج ..
( 6)
سالم باجميل لم يستطع ان يمنع إعدام زميلنا احمد العبد سعد الذي اعتقل بتهمة المشاركة في مؤامرة ناصرية مزعومة مع الكسادي لقلب نظام الحكم ، ولامنع عمر باوزير من ان يعتقل معه ويسجن خمس سنوات بنفس التهمة ، لأن تهمتهما لم تكن بسبب كتاباتهما بل لسبب آخر ، لكنه أعاد عمر باوزير إلىالصحيفة بعد إكمال مدة حكمه .
اذكر ان هذا اثار غضب الرئيس سالم ربيع علي في نفس الإجتماع ،إذكيف يعمل شخص محكوم في وسيلة إعلامية مثل 14 اكتوبر شبه الرسمية ! وفسر له سالم باجميل الذي كان قد ترك اكتوبر ، واختير سكرتيرا اول للتنظيم في العاصمة عدن ، بان ذلك تم بتوصية من وزارة امن الدولة ، بعد ان انهى الرجل محكوميته ، لكن وزير امن الدولة ( محسن ) نفى ان يكون هو اواحدا في وزارته اوصى بذلك ، واسكته الرئيس ! وواصل عمر باوزير عمله في الجريدة إذ كان الرئيس سالمين كما يبدو مشغولا بقضايا اكثر اهمية من حرمان صحفي من العودة إلى عمله بعد ان قضى محكوميته ، وصادق على حكم المحكمة بإعدام زميله احمد العبد سعد ورفاقه لأنه لايتدخل في أحكام القضاء .. لكن كان بامكانه على الاقل ان يخفف الحكم خاصة ان اهل الشهيداحمد العبد تلقوا تطمينات من كل المسؤولين الذين قابلوهم انه لن يعدم !
(7)
بعد سنوات من إعدام الشهيد احمد العبد سعد ، اعيد له الإعتبار في المؤتمر التوحيدي التأسيسي لنقابة الصحفيين اليمنيين الديمقراطيين في صنعاء المنعقد في يونيو 1990م .