أشياء لاتنسى ...إني اتذكر. (14) لا احد يستطيع التنبؤ بما سيحدث لكن شيئا ما ...
يافع ارض الجبال الأزلية والجمال الأسطوري، والبن اليافعي ، والمقاتلين الأشداء ، ارض العر وسروحمير .. ارض القرامطة واهل الحقيقة..بلاد البرع " العسكرية " و " البال " ...حيث ينبت الورس بين مفاصل صخرة .
منها يحي عمر والخالدي ..وإليها ينسب لون الغناء اليافعي ، لونا من الوان الغناء في اليمن إلى جانب الصنعاني واللحجي والحضرمي ..ارتبطت يافع بدولة حمير التي حكمت اليمن كلها قبل وبعد الميلاد 600 عام ، ( 115 ق م - 525م ) وبعد الإسلام شاركت قبائل يافع في الفتوحات الإسلامية منذ عهد الخليفة الأول ابوبكر الصديق.. ومن يافع اميرات اتسمن بالدهاء والجمال .. تضاريسها شديدة الوعورة ، ومدرجاتها تزرع اجود انواع البن والقات . رجالها شغوفون بالسلاح ، وبالهجرة سعيا وراء الرزق ، وهم تجار بالفطرة ، كما هم مقاتلون يعشقون تراب ارضهم ويفدونها بالدماء والأرواح .. سقط منهم شهداء خلال الثورة والكفاح المسلح من اجل الاستقلال الوطني ، وخلال كل المراحل ، وكانوا مساهمين في بناء الدولة وإرساء مداميكها بعد الاستقلال .إليهاالتجأسالمين مع عدد من رفاقه عندما فشلت حركة 14 مايو 1968م ، ونجا باعجوبة من كمين نصبه له الجيش الذي كان يطارده ويمنع وصوله إلى الضالع ..والآن بعد ان اصبح رئيسا للجمهورية في يونيو 1969 هاهو في يافع في العام 1972 ،ضمن زياراته التي يقوم بها بين وقت وآخر إلى بعض مديريات ومحافظات الجمهورية ،لتفقد احوال الناس فيها وحل مشاكلها..
( 2)
يرفض مصدري الإفصاح عن إسمه حتى الآن ، لكنه يتذكر عبر ذاكرة متقدة
" فوتغرافية " أدق التفاصيل عن رحلة الرئيس هذه :
اصطحب الرئيس في زيارته ليافع كل من محمد صالح مطيع وزير الداخلية ، وسالم صالح محمد سكرتير اللجنة السياسية للزراعة والاصلاح الزراعي وكلاهما من يافع وآخرين .
كان في وداع الرئيس ومرافقيه في احد صباحات عدن الباكرة في مطار بدر العسكري بخورمكسر علي عنتر الذي لايفارق بدلته العسكرية إلا نادرا، وفي كل مرة يسافر فيها، كان علي عنتر يأتي لتوديع الرئيس ..
هبطت المروحية ال" هليوكبتر" التي كنا نستقلها في جبل العر في معسكر القوات الشعبية، وكنا نرى بوضوح من مكاننا ارض الحميقاني ( لواء البيضاء ) المتاخمة والملاصقة ، والذين في الجانب الآخر يرونا بكل وضوح....
و آل حميقان وشيخهم، ناصروا الجنوب ايام ثورة 14 اكتوبر، وكان الرئيس سالمين يتحدث عنه بود كبير ...
بمجرد نزولنا من الطائرة ، استقبلنا الجنود باطلاق نار كثيف من سلاح متوسط ، الأمر الذي انزعج له الرئيس ، فاشار إليهم بوقف إطلاق النار ، وتوجه لهم بالسؤال : ماذا يقصدون من وراء إطلاق النار بهذه الطريقة ؟!
كان جواب قائد المعسكر: انها تحية لك ولمرافقيك ...
طبعالم يعجبه هذا الرد ، واخذ يشرح للقائد والجنود الوضع الإقتصادي الصعب الذي تمربه البلاد ، قال لهم :
ان العتاد والرصاص يكلف الدولة عملة صعبة هي في حاجةإليها لقضايا التنمية وتلبية إحتياجات المواطنين المعيشية . وطلب منهم تجميع "الفوارغ " لإعادة تعبئتها من جديد ،واعطى اوامره الصارمة بعدم إستقباله ولا احدا من المسؤولين باطلاق الرصاص مهما كانت صفته .
اجتمع الرئيس بقيادة المعسكر لمعرفة الصعوبات التي تواجههم ومتطلباتهم..كان من الواضح ان المعسكر يفتقر لكل شيء تقريبا...اولها الخدمات ، لم تكن عندهم حتى وحدة صحية لعلاج الجنود إذاما مرض احدهم اوجرح .. كل ماكان في حوزته مجموعة من البنادق ورشاشات الكلاشنكوف إضافة لرشاشات متوسطة دون اصابع اليد الواحدة هي التي كان الجنود يطلقون منها النار عند هبوط طائرة الرئيس والذي اثارحفيظته ، وجهاز إرسال "لاسلكي " يتيم ،وسيارة واحدة لاغير .
كان وضع معسكر القوات الشعبية هذا ينم عن صورة مصغرة للوضع الذي كانت تمر به البلد كلها بعد سنوات قليلة من الاستقلال الوطني .. صورة مصغرة اومختزلة عن الصعوبات ، والتحديات
..وعن نوع المشاكل التي تنتظر الرئيس لكي يحلها .. وحجم الامال التي يعلقها الناس عليه لتحقيقها ..لأنه خلال جولته في يافع وغيرها سيضطلع، ويسمع في الواقع الكثير منها ...
بعد إنتهاء زيارته للمعسكر توجه الرئيس ومرافقوه إلى بني بكر بالسيارات .
*****
في اليوم الثاني كان علينا العودة للطائرة للذهاب إلى لبعوس.. علو الجبل والوزن الزائد يسببان ضغطا للطائرةلايسمحان لها بالطيران ممايعرضها وركابهالخطر
السقوط !
طاقتها القصوى 22 راكبافي ظروف عادية وكان عددنا يزيد على ذلك ...
كنت ادرك ان انضمام بعض المسئولين المحليين سيسبب لنا مشكلة....فطلبنا إلى سائقي سياراتنا الا يتحركوا إلاعندما يروا المروحية في الجو..
ماان اقلعت بنا الهليوكبتر حتى هبطت .
وطلب منا مساعد الطيار ان ينزل خمسة اشخاص منا....
نزل اربعة...وبقي واحد !
كنت اجلس بعيدا عن السلم ،في حديث مع الأخ مطيع ، كنا بدأناه قبل ركوبنا المروحية ..
عندما لاحظت ان احدا لم ينزل ، قمت فاذا سلم الطائرة يرفع فجأة مااضطرني للقفز.. واسرع الطيار الذي لم يكن يعلم بوضعي لتشغيل المروحة اثناء قفزي من الطائرة مما ادى إلى تطاير الأحجار والتراب .. ووجدتني اجري مغمض العينين على غير هدى...وعندما سمعت صوت المروحية آتيا من الأعلى فتحت عيني ووضعت يدي على انفي حتى لا استنشق الغبار والتراب ..ولهول المفاجأة لم يكن يفصلني عن الموت سوى خطوتين اوثلاث إذ كنت واقفا على هوةسحيقة....لا ادري ماالذي حدث حينها إذ دخلت في موجة من الضحك الهستيري ربمافرحا
بالنجاة....
...لست ادري...."عمر الشقي بقي" كما يقال .
(3)
التحقت الأربعة الذين نزلوا قبلي من الطائرة بعد ان افقت من الوضع المفاجئ الذي كنت فيه على بعد خطوات من الموت..
سائقوا سياراتنا بمجرد ان رأوا مروحية الرئيس في الجو ، تحركوا كما امرناهم ، متجهين إلى لبعوس لحاجتنا لها هناك إذ لايوجد غيرها يمكن استخدامها لتنقلات الرئيس ووفده المرافق ،فلم يكن لنا ثمة امل ان نجدهم في المعسكر ..
عندما توجهناالخمسة إلى المعسكر بطلب سيارة تقلنا إلى لبعوس...قالوا لنا ان سيارتهم الوحيدة قد غادرت ضمن سيارات الوفد ، ففقدنا حتى هذا الأمل الضئيل..
ارسلنا برقية نطلب فيها نجدتنا بسيارة للالتحاق بالوفد ..وعدونا فاخذنا ننتظر ..
سماعنا لاصوت إطلاق رصاص لأفراد القوات الشعبية كان جزءََ من برنامجهم التدريبي ، شجعنا على وضع هدف ( نصع ) كما نقول بلهجتنا، واخدنا نطلق بضع رصاصات عليه قطعا لحالة الملل والإنتظار...
لم يكن بوسعنا الإنتظاراكثر من ذلك ، للسيارة التي طلبناها برقيا ، فقررنا الذهاب مشيا إلى لبعوس على الأقدام.. نطلع جبلا وننزل آخر حتى وصلنا إلى واد به مقهى ونحن في حال من التعب والإعياء والجوع .. كان المقهىيقدم الخبز والتونة المعلبة والشاي بالحليب .ولشدة ماكنا جائعين اتينا على الخبز كله ، وطلبنا خبزا إضافيا من صاحب المقهى ، قامت زوجته باعداده لنا .. وليس هناك ماهو الذ من الخبز اليافعي المطهي على الفحم ..
امام المقهى كان يقف "تراكتور" بعربة.. عرفنا من صاحبه انه متوجه إلى لبعوس ، فطلبنا منه ان يقلنا معه ، في البداية رفض ثم قبل على مضض ، متحججا بوجود بقايا بعر وسماد حيواني جاف على ظهر العربة...
هونا عليه الأمر وركبنا معه...والرجل محق فربما هي المرة الأولى ، وبالتأكيد الأخيرة التي يرى فيها شخصا يحمل شنطة " سامسونيت " ديبلوماسية انيقة يطلب منه ان يقله ومن معه على مركبته التي عليها بقايا مخلفات حيوانية .. وطبعا لم يكن يعرف اننا من مرافقي الرئيس سالمين ولم نقل له ذلك ...
قطعنا مسافة طويلة بالتراكتور هذه المرة ، وكنا نتلوى على ظهر عربته عبر مرتفعات ومنحنيات في طريق جبلية شديدة الوعورة ، ننقذف شمالا تارة وجنوبا تارة ، والى اعلى مرة والى اسفل مرات ، كلما ازدادت سرعته ، او عند المنحدرات او الملفات ، ولم ينقذنا من وضعنا ذاك غيرظهور السيارة التى ارسلت لنا من لبعوس تحمل الأخوين محمدعلي القيرحي وعلي مقفع، وقد كانامن بين من استقبلوا وفد الرئيس في العر من المسئولين المحليين مع الاخوة صالح فاضل وحسين قماطة وعلي سالم مدير الشرطة...
لم يفوت الأخ القيرحي (بوجمال) الفرصة عندما راءنا على تلك الحال ، فعلق :
- وفد رئاسي على تراكتور. ..وكأنكم تمثلون فيلما لإسماعيل ياسين..!!
نزلنا من التراكتور ، ولم ننس ان نشكر صاحبه على جميل صنعه ، واستقلينا السيارة المرسلة ..
وصلنا لبعوس اثناء الغذاء ..استرحنا قليلا وذهبنا إلى المهرجان الجماهيري الذي حضرته جموع غفيرة ..وتحدث فيه الرئيس سالمين الى الجماهير ..
في المساءعقد الرئيس ووفده لقاءات مع بعض الشخصيات المحلية في لبعوس ..
وكمابتنا ليلتنا في بني بكر في بيت أحد المواطنين بمن فينا الرئيس سالمين الذي لم يكن يميز نفسه عن بقية رفاقه ، بتنا ليلتنا الثانية في مدرسة اظنها الوحيدة حينها في لبعوس ..لم تكن هناك دور ضيافة اوفنادق في يافع كلها يمكننا النزول والمبيت فيها ...
(4)
شملت زيارة الرئيس ومرافقيه مناطق من يافع بدءََ من العر وبني بكر ،وانتهاءا بلبعوس والقرى والأودية الواقعة بينها ، بهدف الوقوف على واقع الحال ومتطلبات تلك المناطق من مشاريع وخدمات...
* اخذ الاهتمام بالبن والتوسع في زراعته حيزا مهما في النقاشات إلى جانب مشاكل شحة المياه والجفاف الذي تعانيه يافع بفعل انقطاع اوتأخر هطول الأمطار لأوقات طويلة ، إلى جانب محدودية الأرض المزروعة ، وتلك القابلة للزراعة..
* وحظيت مشاكل التعليم وضرورة وجود المدارس الكافية مع الطاقم التعليمي ..وايضا المراكز الصحية والكادر الصحي بجزء مهم من المناقشات .
كان الرئيس ينصت باهتمام لأحاديث ومطالب الناس ، يدون في مذكرته كما هي عادته تلك المطالب والمشكلات ، ويتحدث إليهم عن الظروف الإقتصادية التي تعاني منها الدولة بصدق وصراحة ، ويعطى توجيهات مباشرة لحل بعضها وفق الإمكانيات المتاحة حينها... وكانوا يستمعون اليه ويتقبلون اراءه برحابة صدر ..
* اماالمشاريع الإستراتيجية ، من مستشفيات وطرقات ، فلم تغب عن المناقشات هي الاخرى ، لكنها ربطت بالمستقبل ،وبتحسن الحالة الاقتصادية للبلد..ووجود جهات داعمة خاصة المستشفيات.
*****
كان مثل هذا النوع من الزيارات والنشاط الجسماني الذي يقوم به ، يرهق الرئيس بالرغم من ان صحته جيدة بشكل عام الا انه كان يعاني آلاما مبرحة بين وقت وآخر بسبب. بقاياشظايارصاص في قدميه من ايام حرب التحرير .. وكنا نستدعي له اطباء البعثة الصينية الذين كانوا يعملون في مستشفى الشعب بكريتر لمعاينته وعلاجه ..وقد كانوا يصفون له بعض الأدوية المناسبة لتخفيف الآلام ، لكنهم كانوا ينصحونه بالركون إلي الهدوء وعدم الحركة وهو أمر صعب بالنسبة له.. فهو كثير الحركةويتنقل بشكل يومي من دار الرئاسة إلى وزارة الزراعة او وزارة الثروة السمكية ، وإلى اللجنة المركزية ومزارع الدولة والتعاونيات..وكذا المصانع ومواقع الإنتاج والعمل المختلفة، ناهيك عن زيارة المحافظات وبعضها بعيد ، واكثر طرقها غير معبدة ، مثل زيارته هذه ليافع .
غادر الوفد إلى عدن بالطائرة الهليكوبتر بعد ظهر اليوم الثاني ،الثالث في يافع، ودفعني فضولي للسفر برا مع الحراسة عبر طريق شاق حتى جعار فزنجبار ومنها على ساحل البحر حتى عدن....
(5)
انتهت زيارة الرئيس سالم ربيع علي ليافع كما رواها. لي مصدري .. بالنسبة لي فبعدفترة من عملي في صحيفة. " 14 اكتوبر" اليومية ، سرعان ماصرناصديقين انا وفضل النقيب ،الكاتب والصحافي المثقف والذكي ، وقبلها كان مديرا عاما للاذاعة والتلفزيون في عدن ، ويقدم في الأخير برنامجا ناجحا جدا بعنوان( فنجان شاي ) يستضيف فيه شخصيات مرموقة من المجتمع .. وكان وهو ابن يافع بلاد البن اليافعي الشهير يضفي نكهة من ذكائه المتقد وثقافته الواسعة على حواره مع ضيوفه ..
لاحظ امين رضوان ، القادم من مصر و "المشرف " الصحافي في الجريدة بدون مسمى وظيفي هذه العلاقة التي نشأت بسرعة بيني وبين فضل النقيب ، فسأل ممازحا عن سر هذه العلاقة ،فاجابه فضل بذكائه المعهود وسرعة بديهة معروفة عنه انها علاقة تاريخية بين حضرموت ويافع.
فعلق امين رضوان ممازحا طبعا وهو يضحك :
_ يعني علاقة الغازي بالمغزي ...!
ضحك كلانا ونفى ذلك بسرعة ، ولم يكن الأستاذ امين رضوان في حاجة ان نفيض في شرح علاقة يافع بحضرموت ، فقد كان يعرفها جيدا ، وكنا كلانا نعرف انه يمزح .
وبالإضافة إلى ان سلاطين القعيطي حكموا ساحل حضرموت ، متخذين من المكلا عاصمة لهم ( 1858 - 1967،) وهم من اصول يافعية قدموا من الإمارة التي اقامها جدهم الطموح في حيدر اباد بالهند ، الى ان علاقة يافع بحضرموت تعود إلى ماقبل الإسلام ، وصاروا جزءََِ من نسيج المجتمع الحضرمي ، وعلى سبيل المثال فان عماتي سلمى وصفية ومزنة وزينة من اصول حضرمية يافعية ، ولي ابناء عمات من ال الحوثري واصهار من الشرفي ، وجدة اولادي من البكري .. هذا غير زملاء الدراسة والاصدقاء والجيران .. وكل هؤلاء وغيرهم يتنفسون هواء حضرموت ، ويشربون من مائها ، ويتدفأون بشمسها ، واغلبهم لم ير يافع في حياته ، ولايميزهم إلا عندما يخرجون في الأعياد برقصتهم ( البرعة ) على إيقاع المرفع إلى شوارع البلدة ذاهبين لتهنئة القايمقام ، وفيما بعد مدير مديريةالديس الشرقية ..وكذلك في كل مكان في حضرموتهم ..
لقد احبوا هذه الأرض بكل جوارحهم، وصاروا جزءََ من روحها ، تفاصيل حياتها ، وطقوس عيشها ، يتكلمون لهجتها ..
ويقولون بها الشعر. ، ويغنون ،فقد ولدوا في هذه الأرض الطيبة،وترعرعوا في هذه الأجواء ، ونبتوا فيها كما ينبت النخيل ..
( 6 )
زرت يافع مرتين ..مرة بوصفي صحافيا مرافقا لوفد يرأسه محمد صالح مطيع ، قبل ان يصير وزيرا للخارجية ، يرافقه عبد العزيز عبدالولي وزير الصناعة ، ومحمد عبد الله سعيد ( محسن ) رئيس جهاز امن الثورة وقد اصبح بعد ذلك وزيرا لأمن الدولة ، وآخرين لم يكن من بينهم وزراء .
وقد استقلينا طائرة مروحية " هيليوكبتر" من المطار العسكري في خور مكسر ، إلى عاصمة المديرية " لبعوس " حيث هبطت مروحيتنا في ساحة عامة كان الألآف في إستقبالنا بالزوامل والأهازيج..
وصادف ان ايام زيارتنا كانت في عيد الاضحى المبارك ، والأيام العشر التي تليها ايام احتفالات وبهجة ورقص وزوامل في يافع ليس لها مثيل ..
* اول مااثار انتباهي في يافع تضاريسها الجبلية الشامخة ، صلابة رجالها التي هي من صلابة الجبال ، حبهم للحياة ،وللرقص وهو رقص ينم عن رجولة وعنفوان.. وتلك الاحتفالات الابتهاجية التي تستمر عشرة ايام ، حيث يقام اكبر مهرجان للتراث والفنون الشعبية على الطبيعة لايمكن ان تشهده في اي مكان آخر ..
* والأمر الثاني ، الذي لفت انتباهي هو ذلك الجمال الدقيق لنساء يافع ، والقوام الرشيق للفتيات .. ومشاركتهن في بعض الرقصات مع الرجال .. والوان ملابسهن التي تشبه قوس فرح ..
* والأمر الثالث ، طبيعة المعمار في يافع حيث استطاع المهندسون والبناءون من يافع بناء بيوت متعددة الطوابق بهندسة فريدة فوق الجبال .. بلون الجبال لاتجدها في اي مكان آخر ..
* والأمر الرابع ، انني اكتشفت خلال زيارتي الأولى ليافع ، ذلك التواضع الجم الذي يتمتع به المسؤولون من الوزراء مطيع ومحسن وعبد العزيز ، ودرجة الإنسجام الجميل فيما بينهم ، وروح الشباب وحب النكتة التي رإيتهم عليها ، وكلهم يومئذ من الشباب الذين تحملوا
مسؤوليات جسيمة في وقت مبكر ، في ظروف غاية في التعقيد والصعوبة وعن غير خبرة سابقة في الحكم وإدارة شؤون دولة فتية حديثة الإستقلال وركام من تبعات الماضي وقرون التخلف ..وهي سمة ميزت مسؤولي ذلك الجيل الذي تولى السلطة بعد الإستقلال في 30 نوفمبر 1967م . لكن هنا كانوا على طبيعتهم وسجيتهم وروحهم الإنسانية بعيدا عن المناصب والبروتوكولات ...
* والأمر الخامس ، حاجة يافع الى التنمية.. الماء والكهرباء والطرقات والمدارس والمستشفيات ، مثلها مثل بقية المناطق الريفية، وحتى تلك القريبة من العاصمة عدن ،فبرغم ان ابناء يافع يحبون الهجرة ويجنون الأموال من كده وعملهم ومنهم تجار ورجال اعمال ، لكن اليافعي يبني البيوت التي تشبه القلاع ولايفكر في إقامة او المساهمة في إنشاء بنية تحتية ، تحسن من مستوى حياة اهله في يافع ، ويتوقع من الدولة رغم علمه بإمكانياتها المحدودة ان تقوم هي بذلك ، وليس اليافعي في ذلك وحده !
( 7)
زيارتي الثانية ليافع ، كانت ذات صفة محددة ومختلفة ، برفقة فريق مجري لتصوير فيلم سياحي عن اليمن الديمقراطية ، وكان ضمن زيارته الضالع. ويافع وحضرموت .
في المرحلة الأولى ، حرص عبد الله حسين المسيبلي مدير عام المؤسسة العامة للسياحة على مرافقة الفريق، وهوشاب وسيم وعسكري سابق ، حوًَل السياحة الداخلية خلال سنوات من تقلده المنصب إلى حقيقة ، واقام العديد من الإستراحات والموبيلات في عدة محافظات ، واصدر الدليل السياحي لليمن الديمقراطية الذي صورته شركة فرنسية ، والآن كان يستكمل الترويج السياحي باستدعاء فريق سينمائي مجري لانتاج فيلم عن السياحة .. وبعد ان رافقهم إلى الضالع ويافع ،ترك لي مهمة مرافقة الوفد إلى حضرموت، ليعود إلى عمله في مقر المؤسسة في التواهي ..
هذه المرة لم اعد صحافيا بعد ان تحولت للعمل في المؤسسة العامة للسياحة ، لكن المسيبلي الذي كان يعرف خبرتي كصحفي من خلال مقابلاتي التي اجريتها معه ، وتغطياتي لنشاط المؤسسة اختارني للعمل في قسم الإعلام السياحي ، وكانت هذه الرحلة اول مهمةلي ..وربما لأنني من حضرموت توخى ان اكون على معرفة بها اكثر من غيري .
( 8)
كانت يافع كما رأيتها اول مرة ، تتدثر بالجمال والجبال والبرودة في الصباح ، والليالي .. وتتفنن في رقص البرعة وتتمنطق بالسلاح ، وببناء البيوت القلاع من حجرولون جبالها الازلية .. لكن الوصول إليها مازال صعبا ،تضاريسها وشكيمة رجالها تجعلها صعبةالمنال ..
..مازالت تغني ( يحي عمر قال ) مازالث تمد الثورة بالرجال والمقاتلين ، و نساء يافع قادرات على إنجاب الاولادللحياة لا للموت !
.. مع مطيع زرت ارض القعيطي التي ينتمي اليها وسلاطين السلطنة القعيطية بحضرموت ، وعددا آخر من مديريات يافع .
وتذكرت عماتي القاسميات وادركت سر جمالهن الذي لايبلى .. ورأيت بلاد جدة اولادي في بني بكر التي لم ترها إذ ولدت وعاشت وماتت في عدن ..