من قيدون إلى بلغراد .. عبدالرحمن باربيد العمودي ورحلة تحقيق الاحلام .
تقع قيدون في وادي دوعن الشهير بعد إلتقاءوادي ليمن ووادي ليسر بحضرموت . هناولد عبدالرحمن محمد باربيد العمودي عام 1956م ، ومن هنا ابتدأ رحلة حياته.
..اورحلة تحقيق احلامه .
قيدون تعتبر بلاد آل العمودي واساسهم ، فجدهم الأكبر الشيخ سعيد بن عيسى العمودي ولد وعاش بها ، وكان داعية من دعاة الصوفية ..عايش الفقيه المقدم الذي ينتمي للسادة ، ويعتبرون من مؤسسي الصوفية بحضرموت الذين كانوا بنقيض الأباضية التي كانت منتشره في ذلك الوقت ..فترة مجهولة من تاريخ حضرموت اوغيبت ، ولم تصدر عنها إلا القليل من الأبحاث العلمية الموثقة ككتاب حضرموت بين قرنين ، الرابع والحادي عشر للهجرة.. بين الاباظية والمعتزلة للكاتب سالم فرج مفلح من الديس الشرقيةالشهير ببحرالعلوم الصادر سنة 2006م وكتاب : اباضية حضرموت وعلاقتهم بعمان من القرن الثاني إلى السابع الهجري الصادرحديثا ، ويوثق لفترة ظهور وانتشارالأباظية في حضرموت للكاتب عبد الكريم محروس من حزم العيدروس بمديرية شبام .
وفي حين يعيد البعض اصول آل العمودي إلى قبائل حضرموت قديما
فان السادة لهم رأي يقول ان آل العمودي ينتمون إليهم ويعودون بنسبهم إلى الخليفة الأول ابوبكر الصديق ولكن هذا ليس له دليل علمي يصدق به برأي عبد الرحمن باربيد العمودي نفسه .
درس عبد الرحمن باربيد الإبتدائي في مدرسة قيدون ، حين كان مديرها سعيد بن همام من غيل باوزير الذي تولى فيما بعد مساعد مامور الغيل .
ومن دفعته حسين باداهية واخوه عبدالله والدكتور صالح باربيد وعمر باربيد واخيه سعيد عبدالله سعيد باربيد اخو الدكتور (الله يرحمهم الثلاثه ) وحسين السويني .
اشتهرت غيل باوزيركمدينة للعلم في حضرموت ، وتخرج من مدارسها وخاصة المدرسة الوسطى العديد من الطلاب المتفوقين الذين واصلوا تعليمهم واصبحوا من قادة الدولة والمجتمع وتبوأوا مراكز مرموقة في شتى التخصصات قبل الاستقلال وبعده .
إلىجانب وسطىالغيل ظهر المعهد الديني الذي اعيد افتتاحه سنة 1965. وكان منهجه الأزهري يجمع بين علوم الدين والعلوم الحديثة يجتذب إليه التلاميذ من كافة انحاء حضرموت ، فالتحق به عبد الرحمن باربيد ضمن الدفعة الثالثةقبل الأخيرة قبل إغلاق المعهد .
ومن زملائه احمد جمعان العسكري ، الذي اصبح طبيبا مشهورا، وعبدالقادر باصلعة ، وعمر بازار رحمه الله وعلي صالح الخلاقي وبن شحنه والدكاتره عبدالله اليهري ومحمد سالم برعيه وسعيد حاج عبدالرحيم وصالح التريمي وصالح عمر بحاح وعبد الحافظ حسين البكري ، وباهارون وصالح نصر وبن نسر الذي يسبقه بسنة.وبقي بالمعهد الديني حتي سنةثالثة ، وعاش في الداخلية مع زملائه بالمعهد .خلال دراسته تناوب على داخلية المعهد ك "ضباط" كما كانوا يسمون كل من : محمد طه الدقيل ، سعيد بكير. ، جمعان بامسعود وسالم جبران .
سيقيض لفتانا عبد الرحمن باربيد ان ينال شهادة الإعدادية من وسطى الغيل التي تحول إليها مع الطلاب الذين كانوا يدرسون إلي سنة خامسة حيث أدوا امتحان الشهادة ، اما شهادة الثانوية فسينالها من ثانوية المكلا عاصمة حضرموت .
في ثانوية المكلا عاش بالقسم الداخلي ، ومن زملائه سعيد عبيد وعمر بن ركيز وعبدالله العامري زعيو من الديس الشرقية .وحسن بركان من الشحر ومن الغيل فرج باعامر ، سعيد باشطح ، وبن غوث ، وعاشور فيح من القطن .
أدى الخدمة الوطنية التي كانت مدتها سنة مدرسا ونائبا سياسيا بمدينة حريضة التابعة لمديرية دوعن .
لكن النقلة الحقيقية في حياة عبد الرحمن محمد باربيد العمودي ، ستكون عندما حصل على منحة جامعية من الدولة إلى جمهورية يوغسلافيا الاشتراكية الإتحادية .
كان هذا زمن الزعيم جوزف بروز تيتو احد اقطاب حركة عدم الإنحياز إلى جانب الزعيم الهندي جواهرلال نهرو والزعيم العربي جمال عبد الناصر ، وهي الحركة التي ارادت ان تختط لنفسها طريقا ثالثا محايدا بين المعسكرين الشرقي الإشتراكي بزعامة الاتحاد السوفيتي والغربي الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية فيما عرف بالحرب الباردة، وقد اجتذبت حركة عدم الإنحياز إليها عددا كبيرا من دول العالم الثالث وشكلت كتلة مهمة في الأمم المتحدة والسياسة الدولية انفرطت بموت قادتها المؤسسين الكبار عبد الناصروتيتوونهرو !
يوغسلافيا نفسها سينفرط عقدها إلى سبع دول خلال عشر سنوات بعد وفاة تيتو (1894- 1980) لأسباب داخلية وخارجية ليس هنا مجال الخوض فيها ..
من حضرموت إلى بلغراد .. ركب الطائرة من عدن ورحل بعيدا سعيا وراء العلم وتحقيق الذات ..نقلة حضارية ربما لم تكن في حساب الفتى عبد الرحمن باربيد .. لكنها صارت ممكنة في ظل علاقات التعاون والصداقة التي اقامتها جمهورية اليمن الديمقراطية مع البلدان الاشتراكية .
هل شكلت تلك النقلة صدمة حضارية لفتانا عبد الرحمن باربيد ؟!
الامر ليس سهلا .. فهذا اول سفر له إلى خارج حضرموت والجنوب . البلاد بالفعل جميلة جدا .ومنفتحة قياسا ببقية البلدان الاشتراكية ..اقتصادهامتطور ويعيش مواطنوها في رفاهية ، لكن الحضارم يملكون عدة خواص منها : التكيف مع طبيعةالبلدان التي يسافرون إليها ، والتركيز على الهدف الذي جاءوا من اجله ،كما يتمتعون بتلك القيم الدينية والأخلاقية التي تربوا عليها منذ الصغر والتي يتحصنون بها من الوقوع في المحذور !
ولاشك ان السؤال الذي واجهه صاحب هذه السيرة هو لماذا نحن متخلفون عن العالم ..وبماذا تقدموا علينا. ؟! وهو سؤال لم يجد له إلاجوابا واحدا هو العلم كغيره ممن سبقه إلى نفس السؤال وتوصلوا إلى نفس الجواب امثال شكيب ارسلان ومحمد علي لقمان وجمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده ،لكنه لم يشغل نفسه كثيرا بل ركز على الدراسة والنجاح رغم ان الدراسة صعبة جدا كما يصفها ونادرا ماينهي الطالب دراسته في وقتها .. ليس الاجانب فقط يعانون من ذلك وإنما حتي الطلبة اليوغسلاف يشكون من صعوبة التعليم في بلادهم .
جمعته الدراسة الجامعية والغربة بالعديد من الطلبة العرب والأجانب من بلدان عديدة جاءوا للدراسة على حسابهم الخاص بحكم الانفتاح الذي تعيشه يوغسلافيا على عكس بقية البلدان الاشتراكية ، وقد تعرف إلى العديد منهم وانسجم مع الكثير خاصة الفلسطينيين .
كل شيء متوفر في يوغسلافيا بسبب الإصلاحات التي ادخلها تيتوعلى بلاده وحققت طفرة إقتصادية حسنت من مستوى مواطنيه ، وشعوبها طيبة ومتعايشة في انسجام رغم تعدد قومياتهم لكن الحياة غالية ..
بعد التخرج عمل عبد الرحمن باربيد بوزارة شؤون المغتربين بعدن حتى عام 1994 حين اجتاحتها قوات علي عبد الله صالح،انتقل بعدها إلي المكلا للعمل في مكتب الوزارة لمدة سنتين .
اجتذبه العمل في جامعة حضرموت
التي تأسست سنة 1996في المكلا فالتحق بمركز دراسات الهجرة في الجامعة ،ولاشك ان السنوات التي قضاها في العمل بوزارة المغتربين اكسبته خبرة اهلته للعمل في هذا المجال .. وكان هناك حافز آخر اودافع شجعه على الإهتمام بهذا الجانب هو التغريبة اوالهجرة الحضرمية إلى شتى انحاء العالم قديما وحديثا ، وهي ظاهرة جديرة بدراسة ظروفها واسبابها التاريخية وعوائدها سلبا وايجابا على الحضارم وحضرموت في الداخل والخارج ..ولاشك ان المركز انجز العديد من الدراسات في هذا المجال نرجو ان تكون مفيدة لأصحاب القرار .
وعلى طريقة مالذة العيش إلابالتنقل ، او من يلاحق حلمه الذي كلما حقق جزء منه اكتشف ان هناك المزيد الذي لم يتحقق انتقل من مركز بحوث الهجرة ليصبح المدير العام لكلية الآداب ثم كلية العلوم الإدارية ، وكان آخر منصب شغله مدير عام التخطيط وكلها وظاثف اومناصب عليا في إطار جامعة حضرموت حتى تقاعده سنة 2017م .
هل انتهى حلم عبد الرحمن باربيد عند هذا الحد ؟
يبدو ان أحلامه ليس لها حدود .. فهو ناشط في الحراك الجنوبي منذ انطلاقه سنة 1996م ومن مناصري الانتقالي الجنوبي اما حلمه الكبير هو فك الارتباط وأن يرى دولة الجنوب وقد عادت من جديد حرة مستقلة ..