ماابعد الطريق إلى النجاح ، وكم يحتاج من سعي وصبر وسنوات كفاح ..ومن جهد وعرق حتى نصعد اول السلم ناهيك الوصول إلى قمتة ؟! 
  لو كان النجاح سهلا ، لخص به الله رسله وانبياءه وجعل الدرب امامهم ممهدا لتحقيق رسالاته السماوية في الإيمان  بوحدانيته وترك الشرك به بأقل جهد ، وهو قادر على ذلك ولايعجزه شيء ، إنماإن اراد شيئا يقول له كن فيكون . ولكنه لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى اراد ان يعلم البشرية من خلالها بان طريق النجاح دونه المهالك ، حمل رسالاته لأولى العزم من الرسل ، فواجهوا اصعب المشاق وتحملوا في سبيلها الأذى الكتيرررر ، وقتل كثيرون منهم في سبيل ذلك على يد من ارسلوا لهدايتهم إلى السعادة ! 
  كل إنسان يتابع حلمه الخاص .. عبد الرحمن بامخرمة لاحق حلمه من مكان إلى آخر ، عبرثلاث قارات .. مابين افريقيا واسيا واوربا .. قاطعا آلاف الأميال ، على مدى نصف قرن واكثر ..
  منذ البداية لم يكن طريق الطفل سهلا .. 
 *  البداية كانت من جيبوتي التي ولد فيها سنة 1952م. لأب حضرمي مهاجر ، حيث كان والده يعمل قاضيا شرعيا في محكمة جيبوتي الشرعية ، وإماما لمسجد الباز . 
  بدأ دراسته الإبتدائية في مدرسة النجاح في قارة افريقية لكنه سينهيها في آسيا ، في غيل باوزير ، بحضرموت التي انتقل إليها .    
   ..  هاهو الطفل عبد الرحمن في غيل باوزير للمرة الأولى .. يتطلع إلى المدينة البلد الذي هاجر منها ابوه إلى جيبوتي .. إلى النخيل التي تطاول السماء .. بيوت الطين والطرقات الترابية الضيقة .. إلى الليل الذي ينشر اجنحة ظلامه .. لكن تومض فيه نجمة تضيء وتبدد جيوش الظلام ..اليست غيل باوزير مدينة العلم ؟ 
  لعل والده القاضي ارسله إلى هنا تحديدا لهذا السبب ..
   نال شهادة الإبتدائية ثم التحق بالمعهد الديني حيث تزاملنا ، لكنه نال شهادة الوسطى ( الإعدادية )  لاحقا من المكلا بعد إغلاق المعهد ، ودرس الصف الأول الثانوي ايضا في نفس المدينة .
  غير ان التاريخ يكرر معه نفس السيرة . فكما بدأ السنوات الاولى من دراسته الإبتدائية في جيبوتي الإفريقية المستعمرة الفرنسية السابقةوانهاها في حضرموت الآسيوية والوسطى والاول ثانوي في مدارس المكلا - حضرموت هاهي افريقيا تستدعيه من جديد .. ولكن هذه المرة إلى شمال القارة السمراء .. إلى مصر بلد النيل والمواويل والليل الطويل ..
 فدرس فيها ثانية ثانوي فقط !  ،   الثانوية العامة سيكملها في تعز ، الواقعة في وسط اليمن في آسيا ... 
  الم اقل لكم ان التاريخ يكرر نفسه مع عبدالرحمن بامخرمة ؟ 
 هذه المرة إلى اوربا ..
 وتحديدا فرنسا فدرس الفرنسية لمدة عام . ورجع إلى صنعاء لمتابعة الحصول على منحة جامعية في فرنسا من وزارتي التعليم والخارجية اليمنية، لكن لم يوفق !!  
    بعد متابعة وجهد مضن ، حصل على منحة من  وزارة التربية والتعليم إلى الجزائر لدراسة الطب ، فسافر إلى بلد المليون شهيد على المحيط الاطلسي وعاد  ببكالاريوس الطب العام . 
   ماذا اراد الزمن ان يثبت لعبد الرحمن بامخرمة .. هل ان المسافات وهم والحلم هو الحقيقة ؟ وعليه ان يلاحقه مهما كانت المسافات بعيدة والطريق صعبا وشاقا . 
   اليس هذا مافعله الخيميائي تحديدا ليكتشف في الاخير ان حلمه اوكنزه الذي لاحقه طويلا كان بين يديه لكن لكي يعثر عليه كان عليه ان يسافر ويكتشف ثقافة جديده ويرى حضارات اخرى ..؟
  هل إنتهى المشوار ؟ 
  بالكاد بدأ ..
  *  ومثلما كانت سنوات دراسته من الإبتدائي إلى الجامعة لم تكن ميسرة ومرت عبر ثلات قارات فان مشواره  العملي كطبيب لم يكن ايضا سهلا ، فعمل في مناطق ريفية صعبة ومتباعدة ، في بيئات مختلفة المناخ والسكان والطبائع تحتاج كل منها إلى فهم خاص ..من عدن إلى حضرموت .. إلى المحويت وحجة وصنعاء ... تختلف فيها درجة وعي السكان من منطقة إلى اخرى ..
 * اول عمل له كان في عدن ، في مستشفى الصداقة الذي بناه الاتحاد السوفيتي هدية لليمن الديمقراطية ، وعمل بالمركزين الصحيين في الحامي وغيل باوزير ومستشفى إبن سيناء في المكلا على بحر العرب لمدة اربع سنوات ، 
  وفي المحويت التي نقل إليها عمل في المركز الصحي التابع للهلال الأحمر اليمني ، والمستشفى الجمهوري بصنعاء ... ولعله استحضر في تلك المناطق من المحافظات الشمالية وهو يمارس مهنته كطبيب ماكتبته الطبيبة الفرنسية كلوديا ماتان " كنت طبيبة في اليمن " عن فترة عملها طبيبة في بلد الإمامة ايام حكم الإمام احمد وشرحت فيه ماعانته من صعوبات وأحوال السكان في ذلك الزمن وخاصة نساء اليمن قبل اكثر من ستين سنة .. تغير الزمان والحاكم وذهب الإمام لكن عقليته ظلت باقية تحكم وتتحكم ! 
  
 * وخلال هذه الفترة ، شعر إنه لم يحقق طموحه اوحلمه ، وإذا استمر هكذا لفترة اخرى ، فسينتهي به الأمر مجرد طبيب عام في الريف او على اكثر تقدير في مستشفى حكومي في مدينة ماحيث يقتل الطموح !  .. 
  قرر دراسة طب الأطفال التابع لمجلس التخصصات الطبي الممول من البنك الدولي في عدن وحصل على دبلوم في طب الاطفال . ومنذ هذه اللحظة قرر ان ينذر علمه وخبرته للأطفال . 
   لماذا طب الأطفال يا د عبد الرحمن ؟
 لدى كل منا ضعف تجاه الأطفال ، خاصة آلامهم عندما يصابون بالأمراض فنسارع بهم  إلى الطبيب لنخلصهم منها .. لدى كل منا حنين إلى الطفل في داخله لايريد ان يكبر مهما كبرت انت ! وتحاول ان ترضي ذلك الطفل وتسعده ، وتجد في سعادته سعادتك ايضا .. قد يكون طفلك من صلبك او اطفال اقربائك او اطفال الناس والمجتمع ، والأطفال كلهم احباب الله والطب رسالة إنسانية . ولعله خلال عمله في مناطق ريفية صعبة قد لاحظ ان اطفالها اكثر من يعانون ويموتون بامراض وجد الطب الحديث علاجا لها فكان إختياره دراسة طب الأطفال .
  * يبدو إن المحويت ، لاتريد ان تفارقه ، فعمل فيها منسقا لبرنامج مكافحة امراض الجهاز التنفسي الحادة لدي الاطفال الذين تقل اعمارهم عن 5 سنوات . 
  ويبدو ان شعور الطبيب بانه انقذ حياة طفل وشفاه من مرضه باذن الله لاتعادله متعة وسعادة في الدنيا ، فكيف إذا كانوا مئات الاطفال ؟! 
   * فواصل العمل لدى وزاره الصحة والسكان بصنعاء ، هذه المرة مسؤولاعن قسم الرضاعة الطبيعية وبرنامج مكافحة امراض الجهاز التنفسي الحادة ، المضرة بصحة الطفل لنفس العمر . 
 *  ثم. اصبح عضوا في المجلس الوطني لاستراتيجية الطفل المريض لأقل من خمس سنوات مدربا ومشرفا في نفس الاستراتيجية . ثم ان الطبيب العام الذي درس طب الاطفال ، لم يعد يكتفي بذلك .
 اكلما اقتربت من حلمك ياعبد الرحمن شعرت بانه يناى فتقرر ان تلاحقه ؟ 
  
 *   فزاد عليهما بدراسة  دبلوم طب المجتمع من خلال مجلس التخصصات الطبي بوزارة الصحة في صنعاء ، وعمل لمدة سنتين مع منظمة اطباء العالم الفرنسية كطبيب ومنسق بمديرية قيس - محافظة حجة . ولاشك إن إجادته للغة الفرنسية التي درسها في مسقط رأسه جيبوتي ، ثم في فرنسا وخبرته الطويلة كطبيب عام وطبيب اطفال في المناطق النائية اهلته كلها للعمل مع المنظمة الفرنسية .
    الان .. وبعد إحالته إلى المعاش ، وبسبب ظروف الحرب في بلاده لم يعد يعمل ..لكن طموحه لم ينته ..
   الدكتور عبد الرحمن بامخرمة رغم كل هذا المشوار الطويل والصعب الممتد بين قارات ثلاث والعمل طبيبا ومدربا ومنسق برامج وعضوا في لجنه المجلس الوطني لاستراتيجية مكافحة امراض التنفس للاطفال الاقل من خمس سنوات ، والعمل مع منظماث عالمية جاءت لتقديم خدمتها لاطفال اليمن .. رغم هذا لايزال يشعر انه لم يحقق كل حلمه اوماكان يتمنى وخطط له ويطمح بتحقيق المزيد . 
   في هذه الإستدارة كانت خلاصة قصة كفاح ، ورحلة عمر د عبد الرحمن بامخرمة التي يصر على إنها من وجهة نظره ليست قصة نجاح فلكل منا نظرته لمعنى النجاح ومعه كل الحق ، فاصحاب الطموحات الكبيرة كلما حققوا جزءََ من حلمهم سعوا لنيل ماهو اكبر ..وهذه مزية عظيمة ليست متاحة لكل الناس ، خاصة الذين يصيبهم الكسل والكف عن مواصلة المشوار وملاحقة حلم حياتهم .
 ويبدو ان عبد الرحمن بامخرمة ليس من هذا النوع الأخير ...
ربما حقق بعض النجاح المعنوي لكنه لم يحقق كل النجاح الذي يستحقه الجهد والتعب والصبر كمردود لما بذله خلال سنوات تمتد اكثر من نصف قرن في ظروف صعبة لم تكن كلها مواتية كان عليه خلالها ان ينحت في الصخر .. قد يعود السبب إلى إنه رضي بالوظيفة الحكومية ، ولم يفتتح عيادته الخاصة مثلا ، والتي تحقق ارباحا اكثر مما تحققه الوظيفة العامة في مستشفيات حكومية .
   هل الاحلام تتحقق .. وكم منا حقق حلمه وإلى اي مدى ..؟ 
  بعض الناس يفعلون وبعضهم تتجمد أحلامهم ومعهم تنتهي ملاحقتها ..لا احد منا يستطيع ان يعود به الزمن إلى طفولته وماضي حياته ليختار لنفسه حلما آخر ربما يكون سهل المنال .. قد يكون ذلك الماضي هو حاضرك الذي تعيشه والمستقبل يبنيه الحاضر .. نملك شرف المحاولة إن اخفقنا وإن نجحنا فهو نجاح نسبي حسب تصور كل منا لمعنى النجاح .
  لعل د عبد الرحمن بامخرمة في إنتظار قارة رابعة لتحقيق حلمه ...!!!