هي وقَفَاتٌ بَيْنَ "الأستاذ,"الولَيْد"):(2):
(مَخْلَفْ صُعِيْب...)!!
فراقكَ أصعب!!، والأشد صعوبةً الكتابة عنكَ!!
أسائل نفْسي الآن، وهي تُجدد الأحزان:
#لماذا نكتبُ عن الأحباب
بعد الغياب؟!،
#لماذا نتذكرهم في مواسم البُكاء؟! ،
ونُقيم لهم كل مرة سرادق العَزاء؟!،
#لماذا لانَحتفي كما ينبغي بيوم وفُودهم للحياة؟!
أليس ذلك أجمل، وأحب، وأرحم؟!!
##هنا، في الأسبوع الماضي، وفي مثل هذا اليوم، وهذا التوقيت تقريباً (أكثر بقليل، أقل بقليل، ليس مهماً)هنا كنت قد وقفتُ معكم، ومع شيئٍ من ذكرياتٍ حميمة أهدانِيهَا قَدَرٌ جميل، وزمنٌ أجمل، حيثُ جمعتْنِي الأيام، مع الأستاذ الكبير، المُرشِد الحكيم، الفنان الفذ القدير(محمد مرشد ناجي)، وكنتُ وعدتُ بِ(وقفاتٍ أخُرىٰ)،و(قطفاتٍ أشهىٰ) مِنْ دَوْحِ علاقتي بالراحل الكبير، وهاأنذا أُنفذُماوعدتُ ،فأهلاً بِمَنْ أرادَ المُتابعة، وأهلاً بِ(سِيْد النّاس)!!.
***********
##ذاتَ يوم إذاعي، ذاتَ عام، أواخِر سبعينيات القرن العشرين الماضي، كنتُ،ومَبنىٰ الإذاعة لم يزلْ،ذلكم المبنىٰ الصغير الجميل، الواقع، قُبالةَ (البَحْرِّيّة) في (التواهي) الجميلة، وليس المبنىٰ الأقدم،الأول، الواقع في حَرَم القوات البَحْرِّيِّة!!
#أقول كنتُ حينها ،وفي ذلكم الفصل الإذاعي، مُكلَفاً بإعداد وتقديم، البرنامج الإذاعي الأسبوعي الكلاسيكي، المعروف (جولة الميكرفون) وهو البرنامج الذي تعاقبَ على تحمّل مهامه رعيل من الزملاء المذيعين السابقين، واللاحقين لي!!.
##في ذلك اليوم، كان الأستاذ (المرشدي) موجود في مكتب الصديق العزيز، (حبيب العمر) ،الرقيق ،الفنان الذي اختزلَ رومانسية الحياة والغناء في روحهِ،ووجدانهِ، وقلبهِ،وصوتهِ ،الراحل الغالي، الفنان الكبير، الأستاذ(محمد عبده زيدي) الذي كان حينها رئيساً لقسم الموسيقىٰ بالإذاعة لسنوات طويلة!!
##بينما كنتُ أنا في أحد الأستديوهات، ولم أشهدْ حضور الأستاذ (أبوعلي) إلىٰ الإذاعة، ولم أعلمْ بوجوده في مكتب الحبيب (الزيدي)، لكن الهاتف الداخلي كان له أنْ يبلغني بالأمر!!
#يرنُ الهاتف، وأُجيبْ، فإذا بالحبيب، (الزيدي) بكل مافي قلبه مِن حُبّ، وحنجرتِهِ مِن وجْديهمس قائلاً :(اطلعْ لي حبيبي، وهات معك المُسَجِّل)، وعلىٰ الفور أُلبي!!
##هناك كان (الأستاذ) يستقبلي ببشاشتهِ المعهودةْ، ويأخذني بأحضانِهِ الحنونةْ:(كيف حالك ياوَليْد)؟!!
##وأغنمُ من ذلك اللقاء غير المُتَفَق عليه: الأسبقيةَ في تسجيل لقاء متميز مع الراحل (المرشدي)، لإذاعتهِ في صدارة حلقة برنامج (جولة الميكرفون) في جمعة ذلك الأسبوع!!
##كان الأستاذ (المُرشد) سيدخل اليوم التالي للقائنا في مكتب (الزيدي) -سيدخل الاستديو لتسجيل ثلاث أغنيات جديدة من ألحانهِ وادائهِ، وكانتِ الإذاعة قد قررتْ إذاعةَ إحداها لأول مرّة يومَ جمعة الأسبوع المذكور، عقبَ نشرة أخبار الساعة الثانية ظهراً ،أي بعد ساعة وبضع الساعة من إذاعة برنامج (الجولة)، وهو مانصطلحُ عليه إذاعياً بالوقت الممتاز، أي وقت ذُرة الاستماع، لذلك كانتِ المقابلة التي أجريتها مع (الأستاذ) وتحدثنا فيها بتركيز عن جديدهِ الغنائي تمهيداً مُوفقَاً لجديد (أبوعلي الغنائي)،
##في نهاية المقابلة سالفة الإشارة، قال الأستاذ من بابِ المُجامَلة(شكراً جزيلاً لكَ أستاذ ناصر)، وعمدتُ عندتحضير البرنامج إلىٰ عمل مونتاج لكلمة "أستاذ ناصر"،لتكون شكراً "ناصر"،وهكذا أنا كنتُ وسأبقىٰ!!،لاأُحبذُ أنْ يُناديني الأستاذ إلاّ بِ(الوليْد)!!.
#ظهيرةً يُذاع برنامج (جولة الميكرفون) في موعدهِ،وتُذاعُ ،بعد النشرة التي تلتِ البرنامج أحدىٰ أغنيات (الأستاذ المرشدي الجديدة) ونستمع باستمتاع إلى لقاء (الأستاذ)، وجديدهِ الغنائي، الذي تابعهُ ،ولاشك كثيرٌ مِنَ المستمعين، بذات الشغف، والاستمتاع!!.
##كان كلانا وقتذاك كُلّاً في منزلِهِ!!.
ُ##بُعيْدَ إذاعةِ لقائي وأغنيتهِ الجديدة، يَرنُ هاتفي المنزلي، فإذا بهِ صوت (أبوعلي) قائلالي:(أيشْ سويتْ يا"وليْد"،شليتْ كلمة (أستاذ) ماتشتيناش أقولها لك قُدام النَّاس،
قَبْل أنْ أجيب، أردفَ، الأستاذ(هيا حِسّكْ تسويها ثاني مرة، أنا ماأحبش حد "يمنتج" كلمة مِن كلامي)، وكعادته ضحكَ ضحكتَهُ المتميزة وضحكتُ معه!!.
##ثُمَّ ،وفي المكالمة ذاتِها أخذنَّا كالعادة نتجاذبُ أطرافَ الحديث، وهل يُمَلُّ الحديثُ مع (الأستاذ)؟!!.
##ذكرنا فيما ذكرنا العلامة الشاعر الكبير، والموسوعي الأكبر رحمةُ الله عليه الأستاذ (عبدالله هادي سبيت)، وكان (أبوعلي) يَذكرُ لي أنَّ للشاعر (سبيت) اهتماماتٍ،ومساهماتٍ في الشِّعر الدِّيْنِي ،وأنّهُ كان أصدرَ مجموعةَ دواوين شِّعرية في هذا المضمار، وذلك تحت عنوان:(رجوعٌ،ورجوعاً إلىٰ الله).
##وأُعلقُ أنا :أنني قد قرأتُ لهُ ،وأعني هنا بالطبع (سبيت) ديوانَينِ فقط في هذا الاتجاه، أحدهما يَحمِلُ عنوان:(رجوعاً إلىٰ الله)!! ،والثاني جاء هكذا(رجوعٌ إلى الله).
## وأنَّ(رجوعاً إلىٰ الله)جاءتْ في الأول بفتح كلمة"رجوعا"،
والثانية بِضمِها أي(رجوعٌ إلىٰ الله)
##لمْ يُفاجئ (الأستاذ) :(أنّ الديوانيِّنِ موجودانِ
معي في مكتبتي الخاصة)!
##لكنهُ سألني :(كيف تشوفْ يا"وليْد"وينْ الصح، رجوعٌ،أورجوعاً؟؟!)
##أجبتهُ كالتمليذ، أوالطالب المُراجِع دروسَهُ جيداً ،وقلتُ لهُ (الاثنتان صحيحتان ياأستاذي: رجوعٌ بوصفها مبتدأ مرفوع،وعلامة رفعهِ الضمُّ الظاهرُ علىٰ آخِره،والثانية"رجوعاً بوصفها مفعولاً، لأجلهِ،أومُطلَق منصوب،وعلامهُ نَصْبِهِ الفَتْحُ الظاهرُ علىٰ آخِره!!)،
##لمُ يَعتقْنِي (الأستاذ)بَلْ أعقبَ إجابتي بسؤالٍ آخَرمبسوقٍ بقولهِ(شَاباش عليك يا"وليُد"لكن قُلْ لي:(أيٍّهما اكثر بلاغةً (رجوعٌ،أمْ رجوعاً)؟؟!!
##بذاتِ طريقة التلميذ الذي يُريدُ أنْ يُثبِتَ لأستاذهِ أنّهُ حافِظٌ للدرس:(رجوعاً هي الأكثر بلاغة،وأشرتُ إلى عنوان الرِّواية الخالدة لِ(ارنست همنجواي" والتي تُرجِمتْ إلىٰ العربية بِ : (ودَاعاً للسِّلاح")!!.
##جاء تعقيبُ الأستاذ ثناءً،وتشجيعاً:(شاباش،عليك يا"وليْد" بأقولك ،لكنْ حِسّك تَغتَر:مرّة كنت مُخَزِن عند الدكتور "جعفر الظفاري"، وجينا في سيرة الإذاعة والمذيعين،وقال الدكتور جعفر:ابننا"البحّاح"لُغتهُ تمام"!!
أوْبّه ياابني،شوف المذيع من غيرلغة سليمة،وفهم سليم للقواعد ، ومعرفة مايقوله للنّاس،ولايَساوي حاجة)!!، وضحكَ الأستاذ من كل قلبهِ،وضحكتُ معهُ بدوري من كل قلبي، وانهىٰ المكالمة بقولِهِ:(شكراً أستاذ "ناصر"!!)
ونعاودُ الضحكَ مجدداً،ويستأنف الأستاذ مُعقِباً:"قصدي أقول شكراً ابني الحبيب،شكراً يا"وليْد")
وهكذا نُجددُ الضحكَ،ونُجددُ مشاعرَ الحُبّ فيما بيننا أباً لابن،وابناً لاب،وأستاذ،ووليْد!!
## لقد كان رحمةُ الله عليه كبيراً في كل شيئ،في عِلمهِ الواسع،والشامل الذي له طرفٌ في بَحْرِّهِ من كل شيئ،حتى اللغة في أدق علومها وتفاصيلها،والحبّ بكل معانيهِ وتجلياته!!
## وهكذا تكون العلاقة مع الكِبار!!
##لقد كان الأستاذ(مُرشدِي،ومُعلِمي)في أشياء كتيرة،ولسنوات طويلة!،
##ولاتزالُ في الذاكرة :(وقَفَاتٌ أخرىٰ)و(قَطَفاتٌ)أشهىٰ بَيْنَ الأستاذ و"الوليْد")!!
##إلىٰ اللقاء بإذن الله،وعلىٰ أستاذنا الكبير (محمد مرشد ناجي )رحمةُ الله.
##وهذه أجمل تحياتي،وتوقيعي: