اشياء حميمية (10) جدتي ابو للو..سيدة الحكاية
تمسد جدتي ابللو نوح ليل الحكاية ، ويسير العالم كله ، بين شفتيها ، وحين تبدأ لم اكن أريد لليلة ان تنتهي ولا الحكاية .
تجمعني واخوتي في خيمة واحدة ، حول النار ، ثغاء الماشية ، خوار البقر ، وعواء الذئاب في البرية ، ثم تدخلنا إلى عالم لاحصر له من الساحرات ، الجنيات ، الوحوش ، المستذئبين ! الغيلان والأفاعي المضيئة و.......
مثل فراشات ناعمة نتحلق حولها ، تمنح جدتي لليل نكهة الخوف ، كل قصة تنسل منها حكاية ، ووراء كل قصة قصة ، ولكل قصة مغزى ، وخلف كل مغزى حكمة ! لكن لم ادرك هذا إلا بعد سنوات .. كانت اول من شحن ذماغي بقصصها الأسطورية ....
تمرق بقرات مجنحات فوق سقف خيمة جدتي ...
- هل تطير البقر ياجدتي ؟
- نعم ...تطير !
نتمنى ان نطير مثلها .. تنانين تنفث لهبا ، رجالا يتحولون إلى ذئاب ووحوش قاتلة ، صحراء تمشي فيها سفن ، وبحر تمخر فيه جمال ! ومن ذا يقدرعلىعدم تصديق حكايات جدتي ابوللو؟
خائفين ومستمتعين !!
البعض يبلل ليله من الخوف ، والبعض بعناد طفولي يريدها ان تكمل الحكاية ولاينتظر ليعرف ماذا سيحدث في الغد !
والبعض ينام قبل النهاية ..
لم تكن جدتي تمل من الأساطير والخرافات التي تحكيها لأحفادها في الليل .
وفي النهار ، تنغمس في عمل كثير :رعي ، تحطيب ، زرع ،قلع ، جلب ماء ، حصاد ، درس ،إصلاح سور الكوخ ، وتنظيف زرائب الماشية .. لاشيء لاتقوم به جدتي ، باختصار كانت الروح الإفريقية الأخيرة التي استقر عندها جدي سالم سعيد باشطح في سلسلة زيجاته .. سليلة قبيلة من اعرق القبائل المشهورة ، في الصومال ..طويلة مثل رمح افريقي ، سمراء مثل الأبنوس ، مربية ماشية ، ومزارعة قمح وذرة شامية ، وولاَّدة .. انجبت لجدي اولادا كثيرين : محمد ، وصالح ، احمد ، زهرة ، عايشة ، فاطمة ، وحواء ، " أمي " وجدة لجيش من الأحفاد الذين لايشبعون من حليب ابقارها واغنامها ولا من حكاياتها الخرافية !
كان ابي ماان يبلغ عمر الواحد منا ، الثالثة حتى يرسلنا إلى مزرعة جدتي ابوللو ، جريا على عادة العرب قديما في إرسال اولادهم إلى البادية حتى يقوى عودهم .
لم تكن حياتنا منعمة ، لكن عند جدتي ابللو الحياة تختلف ، نبدأ رحلة الخشونة ، نسرح وراء الغنم ، والأبقار ، والثيران .. لأثوار جدتي بنية قوية ، قرونا طويلة اطرافها حادة ، ولاتكف من العراك مع ثيران الجيران على الإناث ! نجمع كيزان الذرة ، نكوم العلف ، ونمص قصب السكر ، ونحرس المحصول من الطيور الصغيرة والقرود التي تهاجم حقول القمح بكثرة وتهور ..
في الليل تمسد جدتي ليل الحكاية ..
وفي الصباح عندما نستيقظ لاشيء الذ من حليب طازج للبقرات التي تحلبه جدتي ..له رغوة كثيفة بنكهة اسطورة جدتي ابوللو .
وهل للاسطورة نكهة ياولد....؟
وهل البقر تطير ياجدتي ..؟
الحكاية إختراع الجدات لأحفادهن ..
حتى اليوم وقد تجاوزت السبعين ، في الليل عندما آوي إلى فراشي ، اتذكر جدتي ابوللو .. وحكاياتها ..
وعندما اقرأ قصة او رواية تكون جدتي ابوللو .. وقصصها معي ..
لايأتي النوم إلا وتكون حاضرة .. تحكي لي حكاية ماقبل النوم وتمضي .. واقرا الفاتحة على روحها ..
احن إلى حليب جدتي ..
إلى طعام جدتي من الذرة والقمح الذي تطهوه على الحطب ، ولاتضيف إليه سوى الملح ، وعندما تذهب إلى المدينة تأخذ معها السمن الحيواني واكواز ذرة وبعض الفواكه الموسمية هدية لأحفادها ، وتجلب من دكان ابي الرز والسكر والشاي والكبريت ولاشيء غير ذلك .
احن إلى شاي جدتي بالحليب والسكر زيادة ..!
واحن إلى حكايات جدتي اكثر ..
وإلى جدتي ابوللو ..
اكثر
واكثر ...