اشياء حميمة ... حليب جدتي
مريم بنت محفوظ قرنح
هذا اسم جدتي ..
مامن صفة أخرى تنطبق عليها ، سوى انها معجونة من طيبة ، مثل بيوت الديس مصنوعة من طين .. وحدها بيوت حضرموت ، مخلوقة من طين وتبن مثلما خلق الله الانسان من صلصال .. لايمكن تحقيق هذا التمازج بين الانسان والطين إلا في حضرموت .. هنا فقط يكتمل المعنى الفلسفي للخلق .. للحياة وكل الإشارات الممكنة للوجود ..
من طينها العريق ، وماء صيقها العتيق ، وجدوع النخيل ، بنى لها جدي احمد فرج مملكتها في مربع ال بحاح في القويرة .. قلب الديس حيث تتلاصق بيوت آل بحاح في تلاحم حميم ..انجبت له اولادا ذكورا لم يعش منهم سوى ابي ، وابنتين هما عمتي خديجة وعمتي سلطانة .. لكن افواها اخرى وجدت طريقها إلى ثذيي جدتي فاصبحن اخوات ابي بالرضاعة وبالتالي عماتي هن : سلمى وصفية ومزنة ، كن بنفس طيبة وحنان جدتي مريم .. واين الغرابة ؟! السن رضعن من نفس الحليب الذي رضع منه ابي !
يقبلون ركبتيه ويده كلما زارهم ، اوزاروه . وكنت اقبل رؤوسهن وايديهن مثلما اقبل عمتي خديجة وعمتي سلطانة .. وكان ابي يزورهم في ليالي الختم ..اواخر رمضان ، وفي عيدي الفطر والأضحى .. وفي كل مناسبة .. اما نحن الصغار فلا نحتاج إلى مناسبات .. نطرق الباب فتفتح لنا الأحضان .. ويابخت من له عمات خمس .. من مثلي يملك كل هذه القلوب الطيبة..تحطنه بالحب والحنان .. تشم فيهن بعض رائحة جدتك .. شيء من حليبها الذي يجري في العروق ..تلهو مع اطفالهن .. اللعب يشير إلى براءة الطفولة .. والبيوت إلى السعادة ..ونحن اولاد أخوات الرضاعة وحليب جدتي مريم ، لايزال يسقي عروق احفاد الأحفاد .. إذا كان لحليب الجدات والأمهات معنى فانه يعطيك اخوات الحليب المبارك .. وهو اثمن من كل عسل الملوك ..!