صوت عدن / متابعات:

وصف وزير الخارجية اليمني الأسبق عبدالملك المخلافي التطورات الأخيرة في حضرموت وعدن والمناطق الجنوبية بأنها “انقلابٌ على الشرعية الدستورية” وليس فعلاً انفصالياً، مؤكداً أن ما جرى يمثل ثاني انقلاب داخل أراضي الجمهورية اليمنية على مرجعيات المرحلة الانتقالية، ومن طرفٍ يُفترض أنه جزء من السلطة الشرعية نفسها.

وقال المخلافي، في مقال نشره اليوم عبر صفحته على الفيسبوك، إن الإجراءات الأحادية الأخيرة لا تزال غير مكتملة قانونياً وسياسياً، مما يجعل التراجع عنها ممكناً إذا استشعر القائمون عليها مخاطرها على البلد وعلى علاقات الشرعية مع الإقليم والتحالف العربي بقيادة السعودية.

وأوضح المخلافي، وهو نائب رئيس هيئة التشاور والمصالحة، أن الانقلاب، من منظور سياسي وقانوني، يظل فعلاً غير مشروع، لكنه قد يتحوّل إلى “سلطة أمر واقع” إذا تلاه إعلان إدارة أو سلطة بديلة، وهو ما لم يحدث حتى الآن في الجنوب، معتبراً أن الوضع الراهن لا يرقى إلى هذا المستوى.

وأضاف أن الانفصال لا يتحقّق بالقوة العسكرية أو فرض الأمر الواقع، بل يحتاج إلى توافق صريح مع السلطة الشرعية، واعتراف دولي، وإجراءات طويلة ومعقدة يحدّدها القانون الدولي، مشيرًا إلى أن أي انفصال قانوني يجب أن يحظى بقبول الدولة، ورضا داخلي، واعتراف خارجي، وأن يمر عبر مرحلة انتقالية واضحة تضمن استقرار الطرفين.

وشدد المخلافي على أن ما يجري اليوم لا يستوفي أيّاً من شروط الانفصال المعترف به، ولا يمكن اعتباره خطوة قانونية أو سياسية مكتملة، مؤكداً أن توصيفه الصحيح هو “انقلاب ناقص الأركان” يهدد استقرار اليمن ومستقبل التسوية السياسية.

نص المقال:

انقلاب لا انفصال!

   بقلم: عبدالملك المخلافي 

ما حدث في حضرموت وعدن والمناطق الجنوبية يُعدّ انقلابًا وليس انفصالًا؛ وهو الانقلاب الثاني الذي يقع داخل أراضي الجمهورية اليمنية على الشرعية الدستورية، وهذه المرة أيضًا على إعلان نقل السلطة ومرجعيات المرحلة الانتقالية، ومن طرفٍ يُفترض أنه جزء من السلطة الشرعية ذاتها. غير أنّ هذا الانقلاب ما يزال غير مكتمل من الناحية القانونية والسياسية، مما يسهل التراجع عنه، ولا يمكن اعتباره انفصالًا بأي حال، رغم اقترانه بسيطرة عسكرية على بعض المناطق في الجنوب.

فالانقلاب، وفق المفهوم القانوني والسياسي، يظلّ فعلًا غير مشروع، لكنه قد يكتسب سلطة الأمر الواقع إذا تبِعته إجراءات إعلان سلطة أو إدارة انقلابية، بما يخلق “وضعًا انقلابيًا مكتملًا” من حيث الفعل، لا من حيث الشرعية. وهو ما يجعل الرجوع عن الإجراءات الأحادية الجانب التي أدّت إلى هذا الوضع ممكنًا في حالة إدراك مخاطر ما حدث على البلاد وعلى جميع الأطراف، وعلى الشرعية، وعلى العلاقة مع الإقليم ودول الجوار والتحالف العربي الداعم للشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية.

أما الانفصال فهو فعل من طبيعة مختلفة تمامًا؛ إذ لا يكفي لتحقيقه فرض السيطرة العسكرية أو فرض الأمر الواقع على إقليمٍ من أقاليم الدولة أو جزءٍ منها، بل يتطلّب توافقًا صريحًا مع السلطة الشرعية المعترف بها دوليًّا، ويستوجب اعترافًا دوليًا لا يتحقّق إلا عبر مفاوضات رسمية وإجراءات طويلة ومعقّدة ترتبط بالقانون الدولي العام، وخصوصًا مبادئ تقرير المصير التي لها مفهومها وشروطها في حالة المطالب الداخلية لجزء من شعب الدولة — مهما كانت — وبين حالة الاستعمار الخارجي، فضلًا عن مبادئ وحدة الدول واحترام سيادتها.

وبناءً على ذلك، فإن أيّ انفصال لا يُعدّ قانونيًا أو شرعيًا إلا إذا حظي بقبول الدولة، وحاز موافقة المجتمع الدولي، وتوافرت له شروط الاتفاق على إجراءاته ومراحله وتفاصيل الانفكاك والعلاقة المستقبلية والحقوق والواجبات للطرفين، بما يحقق السلاسة وعدم الإضرار، ونال الرضا الداخلي والخارجي، بما يمنحه المشروعية السياسية والشرعية القانونية والاعتراف الدولي. وتستلزم عملية الانفصال — في حال الاتفاق عليها — مرحلة انتقالية منظمة تضبط خطوات الانفكاك وترتيبات العلاقة المستقبلية بما يضمن الاستقرار وعدم الإضرار بأيٍّ من الطرفين. أمّا ما يحدث حاليًا فلا تتوافر فيه أيّ من هذه الشروط، وبالتالي يبقى في إطاره الحقيقي: انقلابٌ ناقص الأركان، لا انفصالًا معترفًا به، ولا حتى مشروعًا مكتمل الشروط.