في سنوات الطفولة ، ارتبط العيد في وعينا وأحلامنا الصغيرة ب "العيدية"..     تلك "العانات" القليلة التي يمنحنا إياها الوالدان والأهل ، وبالدراهين التي تنصب في الأماكن العامة التي يقام فيهاالاحتفال
 بالعيد، وطبعاً بالملابس الجديدة.
  كان ذلك مُنتهى الفرح ، منتهى السعادة للأطفال الذين "كُنا-هُم" في تلك السنوات التي كلما تذكرناها - وفي الأصل لم ننسها- نتذكر،كم كانت الحياةبسيطة،
وأحلامنا متواضعة إلى درجة نفرح بالعيدية وبركوب "الدرهانة"كأنها مُنتهى الدنيا !
وبالمناسبة كلمة الدرهانة أصلها عربي ، وليس كما يوحي بأنه قد يكون هندياً، ًكالعديد من الكلمات الأوردية التي دخلت على اللهجة العدنية بحكم تواجد جالية هندية كبيرة في عدن، والهجرة العدنية الحضرميةإلى بلاد تركب الأفيال شكلت  معاًعلاقات وأواصر وجسر تواصل عبر المحيط الهندي بين عدن والهند خلال قرون . 
  في معجم  اللغة كلمة (دَرَهَ) معناه دَفَعَ، ولما كان صاحب الدرهانة يدفعها إلى الأمام وإلى الخلف، فقد جاءت التسمية من هنا دره- اما كلمة "آنة" فهي وحدة صغيرة تتكون منها العملةالهندية (الروبية) التي كانت متداولة في عدن في ذلك الزمن ، ويدفعها الطفل نظير ركوب الدرهانة، وأعتقد أن الكلمتان دره -آنه مزجتا ، ومع التداول صارت تنطق درهانة!ثم جمعت على دراهين ، والله اعلم .   
 على أيامناكانت الدرهانة بسيطةمصنوعة
 من الخشب والحبال والمسامير، ويهزها صاحبها "ابو الدرهانة" إلى الأمام وإلى الخلف، وتحدث صريراً، ذلك الصرير الذي ربما أوحى له أن يهزج للأطفال وهو يمرجحهم :
(درهانه زيطي ميطي .. سلمي لي على سيدي
وسيدي سافر مكة .. جاب لي زمبيل قعقع
فرقته حبة حبة .. ما بقت لي الا حبة
والحبة فلتت بالبير الخ....
نفس الدرهانة التي أوحت لشاعرناالجميل
المحب للأطفال والطفولة وصانع العديد من أغانيهم أديب قاسم كلمات اغنيته ( الدرهانة) التي أصبحت هي الأخرى من ايقونات العيد، والتي سجلت لإذاعة وتلفزيون عدن سنة 1967م، وكانت تذاع بكثرةفي عيدي الفطروالأضحى المباركين،وارتبطت بوعي أجيال وأجيال كثيرة من الأطفال بالعيد بصوت إيمان سندي  وألحان الفنان حسن فقيه. ونجد هذه الالتقاطة الذكية التي يبدأ بها أديب قاسم اغنيته بصوت "أبُوالدُّرهانَة :
   هاتْ العانَةْ لَبُو الدُّرهانَـةْ"¹"
   واركَب اركَب تالِت خانَةْ
    إركـب دَلـا بَلـا مِجْـنـانََـةْ
    لـكِـن أوَّلْ هـاتْ الـعـانََـة! "
   واركَب اركَب تالِت خانَةْ
    إركـب دَلـا بَلـا مِجْـنـانََـةْ
    لـكِـن أوَّلْ هـاتْ الـعـانََـة!
( إلى المحيطين حول الدُّرهانَة ):
    يـاالله يـابْـني لـا تِـتْعَـوَّر
    هـيا أُبـعُـدْ أكـتَـر واكـتَـر
    فِـيسع فِـيسع لـا تِـتْـحَيَّر
    وهَـيَّا يـاالله روح اتْـزيَّـر
  ( إلى الراكبين على الدرهانة ):
 وأنتِ يا بِـنْـتي جايـبي أبُـوكِ
  ( الأب ):
   إرجعي داخلْ وامسَكي أخوكِ
   إمْـسَكــي هُــدار لـا يِـدهَـفُـوك
   ( أبو الدُّرهانَة ):
   ومَا بْناش طافَةْ نُروح الشوكي
  أبو الدرهانة : يا مُسَلِّم
  الأطفال : يا سلام
  أبو الدرهانة : يا مُسَلِّم
الأطفال : يا سلام
أبو الدرهانة :يا مُسَلِّم
 الأطفال: يا سلام
( الأطفال يغنُّون على الدف )
      أجانا العيد   أجانا العيد
      ياالله نغَنِّي   ياالله نِعيد
      ياالله نِلبَسْ  تُوب جديد
      ونِِملا الدنيا  فرَح بالعيد

   ( أبو الدُّرهانَة والأطفال ):
     هِيهْ هِيهْ هِيهْ
     هِيهْ هِيهْ هِيهْ
      هِيرُّوووووه!!! 
   على أيامناالطيبة الذكر، لم تكن هناك ملاه كما هو الحال اليوم ، ولامولات فيها أجنحة لألعاب الأطفال، حتى نذهب إليها ونقضي أيام العيد بفرح وسعادة ككل الأطفال في العالم المتقدم التي تتوفر فيها تلك الالعاب طوال أيام السنة ولاترتبط بموسم معين !لذلك كان ركوب الدرهانة منتهى أحلامنا وغاية سعادتنا والفرح !وشكلت ذاكرتنا وذكريات العمر الجميل التي لم نستطع أن ننسها رغم اننا تقدمنا في العمر كثيرا جدا ...
على أيام طفولتنا التي نفتقدها،كما نفتقد كل جميل فقدناه، كان ركوب الدرهانة بصورتها التقليدية البسيطة منتهى احلامنا والفرح ، وغالباً مايكون ذلك في الأعياد، أو مواسم زيارة الأولياء كالعيدروس في كريتر، والهاشمي في الشيخ عثمان ، لهذا لم نعرف هذا النوع من الملاهي الحديثة التي تجلب الفزع اكثر مما تشيع السعادة مثل الألعاب الافعوانية والسيارات الاصطدامية، ودوامة الخيل ، والدولاب ، والطبق الطائر،  والسلاسل، وألعاب تصادم السيارات الكهربائية، وغيرها من الألعاب التي لاتخلو من خطورة وان كانت فيها مجازفة وبعض المتعة للأطفال!!