"الأرض السوداء" الغامضة في الأمازون قد تكون مفتاح إنقاذ البشرية
صوت عدن | علوم وتكنولوجيا:
اعتقد العلماء منذ فترة طويلة أن التربة الخصبة من صنع الإنسان، على الرغم من عدم وجود طريقة لإثبات ذلك.
ولكن في الأشهر الأخيرة، أسفر العمل الميداني والدراسات المكثفة في منطقة الأمازون عن أدلة دامغة تشير إلى صحة هذه الشكوك. ويقول العلماء إن اكتشافهم يمكن أن يغير كل ما نعرفه، ليس فقط عن المنطقة وتاريخها، بل أيضا عن المادة العضوية ذات الأهمية الحيوية لرفاهية البشر.
وكشفت مجموعة من الأبحاث عن مدى ارتباط أسلافنا بالأرض، وتحديدا سكان الأمازون القدماء، الذين خلقوا عمدا أرضا "سوداء" خصبة، أو كما يطلق عليها "تيرا بريتا".
وتعني عبارة "تيرا بريتا" حرفيا "التربة السوداء" باللغة البرتغالية، وتوجد مثل هذه التربة في العديد من المناطق ولكن بكميات كثيفة بشكل خاص حول المساكن البشرية السابقة.
وقام العديد من العلماء في دراسة مشتركة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) وجامعة فلوريدا وجامعة سانتا كاتارينا الفيدرالية بجمع تحليلات التربة والملاحظات الإثنوغرافية والمقابلات مع مجتمعات السكان الأصليين الحديثة لاستنتاج أن "تيرا بريتا" تم إنشاؤها عن قصد بواسطة سكان الأمازون القدماء.
وقال لوكاس سيلفا، عالم البيئة بجامعة أوريجون والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة، لمجلة "ساينس": "هذا يمكن أن يغير كل شيء".
وأضاف تايلور بيرون، أستاذ علوم الأرض والغلاف الجوي والكواكب في معهد سيسيل وإيدا جرين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "نرى هنا أن الناس لعبوا دورا في خلق الأرض السوداء، وقاموا عمدا بتعديل البيئة القديمة لجعلها مكانا أفضل للبشر".
وتحتوي الأرض السوداء على كميات كبيرة من الكربون المخزن الذي تم جمعه على مدى مئات إلى آلاف السنين. ومع قيام كل جيل بإثراء التربة ببقايا الطعام والفحم والنفايات، أصبحت أكثر تركيزا في الموارد الطبيعية.
وما أثار اهتمام العلماء هو عزل الكربون غير المقصود. ويقولون إنه يمكن استخدامه كوسيلة للتخفيف من الآثار السلبية لتغير المناخ.
وكتب صموئيل جولدبرج، المؤلف المشارك في الدراسة في مجلة Science Advances:"ربما نتمكن من تكييف بعض استراتيجياتهم المحلية على نطاق أوسع، لاحتجاز الكربون في التربة، بطرق نعلم الآن أنها ستبقى هناك لفترة طويلة".
وتنمو المحاصيل بشكل أفضل بكثير على التربة السوداء لأنها غنية بمحتوى الفوسفور والنيتروجين والكالسيوم.
وتوجد هذه التربة عادة بالقرب من المواقع الأثرية وتحتوي على الفحم والمواد العضوية من بقايا الطعام مثل الأسماك وعظام الحيوانات، بالإضافة إلى المصنوعات اليدوية مثل شظايا الفخار. ويشير كل ذلك إلى أن الحضارات القديمة كانت تضيف هذه العناصر عمدا إلى التربة وتجعلها خصبة، وهو ما يعد في حد ذاته اكتشافا خارقا، إذا كان صحيحا.
وقام مورجان شميدت، عالم الآثار والجغرافيا في جامعة سانتا كاتارينا الفيدرالية، وفريقه بدراسة التربة في إقليم كويكورو للسكان الأصليين، على نهر زينجو العلوي في جنوب شرق الأمازون في البرازيل.
وهناك، قاموا بتحليل التربة من أربعة مواقع أثرية وقريتين تاريخيتين تم احتلالهما في الفترة من عام 1973 إلى عام 1983. ونظروا أيضا في قرية حديثة واحدة، تُعرف باسم كويكورو 2.
ووجد التأريخ بالكربون المشع للأراضي أن أقدم عينة يبلغ عمرها 5 آلاف عام، بينما تراوح عمر العينات الأخرى من 300 إلى 1000 عام.
ومن خلال جمع التربة من التلال المتاخمة للقرى القديمة والتاريخية، قارنها العلماء بتربة "تيرا بريتا"، ووجدوا أن التربة من المناطق السكنية تحتوي على أكثر من ضعف الكربون العضوي وكانت أقل حمضية، ما يجعلها أكثر خصوبة. وعندما قاموا بتحليل التربة من كويكورو 2، وجد الفريق نمطا مشابها.
وستكون النتائج حيوية في فهم أفضل ليس فقط للممارسات الثقافية والتاريخية الغنية لسكان حوض الأمازون ولكن أيضا لمستقبل البشرية.
وخلصت الدراسة إلى أن "جهود الزراعة المستدامة الحديثة والتخفيف من آثار تغير المناخ، المستوحاة من الخصوبة المستمرة للأرض السوداء القديمة، يمكن أن تعتمد على الأساليب التقليدية التي يمارسها سكان الأمازون الأصليون حتى يومنا هذا".
المصدر: إكسبريس