البريد الصاروخي.. تطور البريد السريع تاريخيا
صوت عدن | علوم وتكنولوجيا:
قد تكون فكرة البريد "الصاروخي" المستعجل، غريبة بعض الشيء إلا أنها حقيقية وقد جرت عدة محاولات لتجسيدها فيما كادت في الولايات المتحدة أن تصل إلى مرحلة الاستخدام الرسمي.
فبعد أن اخترع الإنسان سلاح القوس والسهم، تفتق ذهنه في فترة من الزمن عن فكرة استعمال السهم كوسيلة لإيصال الرسائل إلى مسافات قريبة، مثل الحصون المحاصرة أو القلاع المرتفعة.
بالمثل بعد اختراع الصواريخ بدأ يعض الخبراء ومسؤولي الخدمات البريدية في بعض الدول الأوروبية في التفكير في استعمالها في نقل الرسائل البريدية المستعجلة.
الفكرة طرحت لأول مرة من قبل الفيزيائي النمساوي المجري هيرمان أوبرت، وهو أحد الآباء المؤسسين لعلوم الصواريخ، حيث قال في محاضرة ألقاها في الجمعية الألمانية للملاحة الجوية والفضائية في يونيو عام 1928: "يبدو أن الصاروخ مناسب لنقل البريد العاجل لمسافات طويلة في وقت قصير جدا. كان على الصاروخ فقط أن يهبط باستخدام مظلة: وستنقل بعض المركبات الأخرى الجهاز إلى وجهته بالضبط. في وقت لاحق عملت على تجهيز مثل هذا الصاروخ بمسرع قوي يمكن أن يجتاز نطاقات عبر المحيطات".
أما العالم النمساوي فرانز جيفت فقد تحدث في عام 1928 عن فكرة البريد الصاروخي، لافتا إلى أن سرعة تسليم المراسلات يجب أن تكون ساعة واحدة إلى أي نقطة من العالم.
لاحقا بدأت في أوروبا تجارب لإرسال الرسائل البريدية بواسطة الصواريخ إلى مسافات قصيرة، حيث أطلق العالم النمساوي فريدريش شميدل في 2 فبراير 1931، صاروخا يعمل بالوقود الصلب حاملا 102 مظروف فوق جبل بين مدينتي شيكل وسانت راديغوند، على مسافة حوالي 1.9 ميل، وهبطت بواسط مظلة بنجاح، ما دفع شميدل إلى مواصلة التجارب التي أطلقت خلالها عدة صواريخ إلى قرى مجاورة.
تجارب شميدل ألهمت مخترعا نمساويا آخر هو جيرهارد زوكر تطوير صاروخ حامل طوله خمسة أمتار، مزود بمحرك يعمل بالوقود الصلب.
في أبريل 1933، نفذت في ألمانيا وأمام تجمع ضخم من الفضوليين تجربة تم فيها إطلاق صاروخ ارتفع 15 مترا، ثم سقط على الأرض وانفجر.
العالم زوكر لم ييأس وواصل العمل على تحقيق المشروع، وسافر إلى ألمانيا حيث عرض على المسؤولين النازيين في عام 1934 رسوماته ومخططاته للبريد الصاروخي، إلا أن النازيين تجاهلوا الفكرة لأنهم كانوا في حاجة للصواريخ في ذلك الوقت لأمور أخرى!
غادر زوكر ألمانيا إلى بريطانيا وعرض على البريد الملكي الفكرة، ونفذ هناك تجربة إطلاق صاروخ في يوليو 1934 إلى إحدى الجزر البريطانية، إلا أن التجربة فشلت بسبب انفجار الصاروخ.
البريطانيون وصفوا زوكر بنهاية الأمر بأنه محتال وطردوه من البلاد، فيما اعتقل في ألمانيا واتهم بأنه جاسوس بريطاني، لكنه تمكن من النجاة بأعجوبة.
مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، عمل زوكر كطيار اختبار في سلاح الجو النازي، وفي عام 1944 أصيب في حادث بجروح وتم تسريحه، وبعد الحرب عمل في محل لبيع الأثاث!
ظهرت فكرة استخدام صاروخ لإرسال البريد العاجل في الولايات المتحدة عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.
الفكرة هناك تعود إلى وزير البريد الأمريكي آرثر سمرسفيلد، حيث تم بالفعل اختبار أول صاروخ، وهو من طراز كان خرج من الخدمة في الجيش الأمريكي، في محاولة لتمديد عمره في العمل السلمي المتمثل في نقل الرسائل.
جرى في 8 يونيو 1959 تحميل ثلاثة آلاف عينة من المراسلات البريدية من بينها رسالة من رئيس الولايات المتحدة على متن صاروخ موجه من طراز "ريجولوس" داخل الغواصة الأمريكية "باربيرو".
تم إطلاق الصاروخ من الغواصة من المحيط الأطلسي، وتوجت التجربة بإيصال البريد بأمان إلى قاعدة بحرية في فلوريدا.
بهذه المناسبة تم إصدار طابع بريدي وبطاقة بريدية خاصة في الولايات المتحدة، إلا أن الفكرة لم تدخل المجال العملي، على الرغم من أن الوزير سمرسفيلد كان وعد بتنظيم إرسال شحنات بريد صاروخية إلى أستراليا والهند وأوروبا.
السبب يعود إلى التكلفة الباهظة لمثل هذا المشروع الذي لا يخلو من الخيال، علاوة على ظهور البريد الجوي السريع.
المصدر: RT