بعض الذكريات من زمن اليمن الديمقراطية
نصر صالح
في ذاك الزمان كان يقال لنا: "ميناء عدن يصرف على لندن”، وكان #ميناء_عدن قبل 1967 بالفعل يدر دخلا عظيما. كنا نتنافس مع سنغفورة على المركز الثاني عالميا بعد #نيويورك.
لكن بعد الإستقلال.. بعض الرفاق في #الجبهة_القومية (الله لا غفر لهم) كانوا يقرحوا ثورية (يقفزوا الى الزبان يعني، وربما انهم كانوا يعوضون بذلك ما افتقروه اثناء الكفاح المسلح، فمعظمهم كانوا عمليا بعيدين عن الكفاح المسلح الحقيقي باستثناء عدة أفراد قتلوهم فيما بعد تباعا في دورات الدم التي كانوا يقيمونها فيما بينهم).
المهم مر عام على اليمن الحنوبية الشعبية والخزينة "بح" فالميناء قاطعه معظم سكان الأرض (والسبب أسلوب "القنزحة" وعدم الكياسة في علاقات الـ"رفاق" مع الآخرين، زائدا بغضهم الكفاءات العالية من أبناء عدن العاديين أو من أبناء عدن من #جبهة_التحرير وتنظيمها الشعبي).
ثم؛ وبأسلوب التقليد الأعمى اعلنوا الاصلاح الزراعي. الرئيس #جمال_عبدالناصر قام باصلاحه الزراعي بمصر بأن أمم من الاراضي المملوكة لكبار الاقطاعيين ما يفيض عن حاجتهم عمليا (وكانت أكثرها غير مستصلحة فعلا).. ترك لهم ملكية 200 فدان وأمم الفائض عن ال200 فدان، وقدمها للفلاحين الفقراء ليستصلحوها ويزرعوها. وكبار الاقطاعيين عوضهم بقسائم بنكية وغير ذلك.
رفاقنا طبقوا الإصلاح الزراعي على طريقتهم بالمزايدة (في بلد ليس فيه إقطاعين كبار بالمعنى الدقيق) فأمموا اراضي الملاك الزراعيين الزائدة عن 20 فدان وربما أقل من ذلك. ثم الحقوا الاراضي المؤممة بالدولة (الجمعيات التعاونية الزراعية التي يشرف عليها مزايدون وحق شعارات فقط).. وللأسف فشلوا في الانتاج الزراعي للتصدير (كان المحصول يكفي فقط الاستهلاك المحلي).
حاول الرئيس #قحطان_الشعبي إصلاح ما فسد من خلال الانفتاح على دول المحيط والعودة إلى الرأسمالية، فانقلبوا عليه وسجنوه حتى مات بالسجن.
ونعتوه بتهمة "اليمين الرجعي".
بعده جاء الرئيس #سالم_ربيع_علي، بدأ بشعارات من مثل "الارض لمن يفلحها" وخدم المزارعين فعلا وأنشط زراعة القطن وطور من معامل المحالج، وانشأ عدة مصانع لتعليب الاسماك والطماطم ومصانع إنتاجية أخرى.. اهمها مصنع الطماطم بالفيوش الذي من خلاله قام بتشغيل النساء المحتاجات إلى جانب أنه حرر النساء "بائعات الهوى" عمليا وتربويا بأن وفر لهن عملا شريفا يعشن منه. واعلن حملة محو الامية وتعليم الكبار وحرر الأميين وشجع التعليم من الروضة حتى الجامعة، وأهتم اكثر برياض الاطفال والتعليم الابتدائي وكان يقوم بالمتابعة شخصيا من خلال النزول الميداني. وشجع المزارعين التعاونيين وخصص لمنتوجاتهم مناسبة سنوية لعرض منتوجاتهم وبيعها للمواطنين بعدن (معرض المعارض الزراعي، كان يقام بالمعلا).
.. ولكن الاقتصاد كان ضعيفا، والحالة المعيشية متدنية، فحاول البحث عن حلول عملية تنقذ اقتصاد البلد، بعيدا عن المزايدات والتشدد الإشتراكي، لكن كان له بالمرصاد رفاقه الذين يجيدون فقط المزايدات على أوتار الاشتراكية العلمية أو استعداء كثيرين من قادة دول العالم..
فكر بإخراج البلد من مأزقه.. وحاول الانفتاح (بعض الشيء) مع المحيط ومع دول العالم، واخذ يبحث عن صيغة نستفيد من خلالها من مزايا #الرأسمالية ولا نفقد محاسن #الاشتراكية ووجد ضالته في التجربة الصينية. كذلك بدأ ينفتح على إخوته المناضلين من جبهة التحرير والتنظيم الشعبي للقوى الثورية (للم شمل كل القوى الوطنية للعمل معا لصالح الشعب والدولة).
لكن مجرد تفكيره بالانفتاح على #الصين ونيته بالتوافق مع رفاق الكفاح المسلح من جبهة التحرير لم يعجب الرفاق المزايدين، كما لم يرق ذلك للاتحاد السوفييتي الذي كان يعتبر الاشتركية الصينية "تحريفية" لافكار #ماركس و #لينين
فانقلبوا عليه، وشارك طيارون سوفيت وكوبيون (لأول مرة) في قصف مكان إقامته ليلا في القصر المدور بالفتح.
قتلوا الرجل للأسباب التي ذكرتها هنا، وليس ثأرا لمقتل الرئيس الشمالي الغشمي كما يظن كثيرون.
وصار القائد سالمين بين يوم وليلة "يسار انتهازي" و "منحرف".
بالأخير جاء الرئيس #علي_ناصر_محمد، وحصل انفراج ملحوظ في عهده في الحياة المعيشية، لكن ليس بالقدر الذي يريح البلد ويرضي المواطنين.. فحاول الانفتاح - هو الآخر - على المحيط العربي وعلى دول العالم، لكن الرفاق المزايدين والنكديين كانوا يعيقون انطلاقته، فخطر له ان يطبق سيناريو الرفيق #منجستو_هيلامريام بالتخلص من شلة الرفاق المزايدين والمعكننين مرة واحدة، فأمر بتفجير اجتماع المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني بمقره القديم بالفتح الذي لم يحضره سوى الرفاق المزايدين النكديين.
لكنها كانت خطيئة كبرى.. دفعنا ثمنها بأن خسرنا الدولة برمتها فيما بعد.
نصر صالح
10-5-2020