عام التجويع وذروة المهانة ..و«أشياء أخرى»❗
عام التجويع وذروة المهانة ..و«أشياء أخرى»❗
بقلم/ نصر صالح
نودع عام 2021م غير مأسوف عليه. عام ذروة المهانة والتجويع والإذلال والتنكيل والقتل من قبل دول الغزو والإحتلال ضد اليمنيين قاطبة، والجنوبيين خاصة. العام الذي تدهورت فيه العملة الوطنية إلى أدنى مستوى لها حيث وصل سعر الريال اليمني نحو 1700 ريال للدولار الأمريكي الواحد في نهاية الأسبوع الأول لشهر ديسمبر 2021، وأرتفعت بذلك الأسعار عامة بصورة جنونية غير مسبوقة تاريخيا في البلاد، حيث وصل سعر كيلو سمك الثمد - مثلا - إلى 6 آلاف و500 ريال يمني وكيلو الرز بلغ سعرة 2500 ريال وباتت وجبة "صانونة صيد ورز" امنية لا يستطيع كل الناس تحقيقها معظم أيام الشهر.
[بالمناسبة، نزول سعر الريال إلى حوالي 920 ريال، هي حركة مقصودة، فبعد أن دهوروا سعره بطباعة كميات هائلة من الأوراق النقدية المزورة (أي بدون تغطية مادية ولا حتى عينية)، عادوا وحجبوا تداول كمية من هذه الأوراق او الغوا بعضها وجاؤا بوديعة مالية سعودية (تكون بمثابة التغطية) لرفع قيمة الريال البمني قليلا (وقد يجعلون سعره بحدود 650 ريال للدولار بما يوازي سعره في صنعاء)، كي يقال لهم «منقذين»، لكن حتى هذا السعر الجديد المتوقع (الذي سيطبل له الكثيريون باعتباره عمل بطولي وعمل خيري قام به التحالف)، بينما في الحقيقة لن تكون قيمته أقل من ثلاثة أضعاف قيمته ما كانت عليه قبل حربهم الظالمة علينا].
وفضلا عن التجويع المتعمد، صارت عمليات القتل والإغتيالات المنظمة خبز يومي تقريبا يتجرعه اليمنيون بخاصة في الجنوب اليمني.
قلت "الجنوب اليمني"، وهي التسمية التي صار يزدريها بعض "الناس" عندنا ويتطير من ذكرها "البعض" الآخر. رغم أن الخلاف بيننا منذ أول عام على الوحدة هو بالأساس حول "صيغة" الوحدة وليس حول الوحدة بحد ذاتها، كما أنه قطعا ليس حول الهوية اليمنية.
تحار وتتعجب وأنت تسمعهم يرددون "بعصبية" أننا "الجنوب العربي"، فتدعوهم للإطلاع على خريطة الوطن العربي ليروا كيف أنها تغيرت عدة مرات بالتحاق ثلاث دول بالعروبة وانضمامها إلى جامعة الدول العربية، وجميعها واقعة جنوب خليج عدن، وهي: الصومال في عام 1974، ثم جيبوتي في 1976، وجمهورية جزر القمر في 1991م.. ثم وعندما توضح ان هذا المصطلح لا ضير فيه وكنا نستخدمه لكن زمان في الخمسينات قبل ثورة 14 أكتوبر 1963م وهو مصطلح/ مسمى يشير فقط إلى موقعنا الجغرافي على الخريطة لا اكثر ولا أقل.. يجيك واحد «متذاكي» ليقول لك: "نقصد جنوب شبه الجزيرة العربية". طيب يا أخي، ليكن كذلك، لكن ألا ترى معي أن اليمن شمالها وجنوبها يقع في جنوب الجزيرة العربية، ناهيك أننا معا (الجنوب والشمال) نتشارك في أقصى نقطة من جنوب غربي شبه الجزيرة العربية على بر مضيق باب المندب. وعليه فاليمن كلها في جنوب شبه الجزيرة العربية، ونحن نقع في جنوب اليمن.
يتعب المرء في إفهام "البعض" أنه حتى بدون وجود 3 دول عربية في جنوب الوطن العربي، فهذه تسمية تشير فقط إلى الموقع الجغرافي، وليس من المعقول التمسك باتجاه جغرافية لإعتبار ذلك هوية وطنية. يا أخي إن الخلاف الذي تفجر بينا بعد ثلاث سنوات من عام 1990، نحن في الجنوب بقيادة الحزب الإشتراكي اليمني والشمال بقيادة حزب المؤتمر الشعبي، لم يكن سوى بسبب أننا وجدنا أنفسنا في الجنوب مهمشين وفي حالة مواطنة غير متوازنه بسبب الفارق العددي بين شطري الوطن (سكان الجنوب يمثلون خمس سكان اليمن فقط، أي أننا أقلية، فضلا عن الاختلاف في المساحة بين الشطرين حيث التناسب فيه عكسي، وهذا ما جعل المتنفذين من الشمال أكثر جشعا على بقع الأراضي في الجنوب). إذن فهذا هو السبب الأساس، بخاصة وأن الوحدة قامت مع اعتماد الديمقراطية. والديمقراطية تعتمد على التصويت العددي المجرد. وهذا ما تسبب في تقزم حجم الحزب الاشتراكي اليمني وعدم تمكنه من تمرير القرارات التي كان يطرحها في البرلمان بحكم ان التصويت الديمقراطي الأكثري يفوز به دائما ممثلو الشمال بحكم التعداد السكاني الكبير، وأما الأسباب الأخرى فيمكن اعتبارها ثانوية، رغم أن بعض من هذه الأسباب غير منصفة وغير عادلة لا تتقيد بحرية المعتقد السياسي واحترام الرأي الآخر المصاحبين للديمقراطية، بل أن بعضها مجحفة بحق ممثلي الحزب الإشتراكي اليمني وتسببت في اغتيال عدد من قادته تحت ذريعة «محاربة الماركسية والاشتراكية» وتعمد «التخلص من أصحابها» جسديا أو إبعادا، لاسيما من قبل أصحاب الفكر الإسلامي المتشدد الذين صارت أعدادهم ضخمة جدا بعد الوحدة منذ بدء انتشار الفكر الوهابي (أو السلفي) في اليمن مطلع ثمانينات القرن الماضي للتصدي لعناصر قيادة انتفاضة مناطق اليمن الوسطى وإخمادها بقيادة "الجبهة الوطنية الديمقراطية" ذات النفس اليساري ضد الحكم.
إنني، لا اتبنى أفكارا منحازة - كما قد يتبادر ذلك إلى أذهان البعض - ولا اتبنى رأي هذا أو ذاك، وببيعتي لست صاحب مواقف متطرفة. إنني - ببساطة - أتحدث بما أقتنع أنه صائبا وعادلا، وأصف الأشياء بحسب ما أجدها كذلك.