اذاعة وتلفزيون عدن .. ماض مشرف وحاضر مؤلم ومستقبل مجهول
صوت عدن / خاص :
اعداد : ضياء سروري
بُحت الأصوات وجفت الأقلام من كثرة الكتابات والمناشدات المرفوعة إلى الجهات الرسمية. توجعنا الكلمات عندما نتحدث، لأنها تحمل بين ثناياها ألماً. وجوه مضيئة احتواها الظل ، أصوات مخملية اختفت، بعد أن أشجت القلوب، كلما سمعناها وهي تقول: “هنا عدن”.
في ظل الواقع الحزين، لما آل إليه وضع إذاعة وتليفزيون عدن العريقين، ولإماطة اللثام عن كثير من الحقائق وأسباب إعاقة بثهما من عدن، حيث ميلادهما.. حاولنا أن نتواصل مع عدد من الإعلاميين والعاملين في إذاعة وتليفزيون عدن ، وكل من عمل وعاش بين حناياهما. لعلهم يشفوا غليلنا، والإجابة على تساؤلاتنا: هل صحيح ما نسمعه من لغو في وسائل التواصل الاجتماعي بأن الحكومة تتخوف من إعادة البث الإذاعي والتلفزيوني من عدن، لئلا يتم تغيير مسارهما الرسمي؟ وما سبب الصمت الرهيب لوزارة الإعلام تجاه مصير هذا
الصرح التاريخي الإعلامي التنويري الكبير؟ ومن المعروف سلفاً إن الثورات تقوم للقضاء على السلبيات، فكيف نفسر ما يحدث اليوم لتلفزيون عدن ومبدعيه وعماله ؟
في البدء تحدث إلينا الإعلامي أحمد محمود السلامي، مدير عام العلاقات العامة والإعلام قائلاً: ” اعتقد أن هناك أكثر من سبب، خاصة ظروف مدينة عدن التي تكاد تنعدم فيها سلامة وامن المرافق الحكومية وتداخل مهام وصلاحيات الأجهزة الأمنية والمقاومة ، وهذا سيؤثر على استمرارية عمل التلفزيون في حالة تم تشغيله ، بالإضافة إلى تضخم الكادر الوظيفي من موظفين أساسيين ومتعاقدين ومتقاعدين. لكن هذا لا يعني انه لا توجد حلول مناسبة ! لا بالعكس .. هناك أفكار ومخارج عملية نحن طرحناها على المسئولين أكثر من مرة عن طريق النقاش المباشر معهم أو من خلال ما نكتب في الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي. وقد كادت هذه الجهود تفضي إلى حلول عملية قابلة للتنفيذ على أساس الشروع في البث التدريجي من عدن، لكن للأسف تم إيقاف هذا المشروع .
باختصار شديد تشغيل قناة عدن الفضائية وإذاعة عدن من التواهي مربوط بقرار سياسي من فخامة عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية ودعم دولتي السعودية والإمارات”.
وبألم ظاهر يفند الواقع المؤلم لهاتين المنبرين الإعلاميين، تقول المذيعة المرموقة ومدير عام البرامج في إذاعة عدن، سهام عبد الحافظ عن إذاعة عدن: “طال الحديث عن متى سيتم إعادة تشغيل إذاعة وتلفزيون عدن ليُعاد بثهما من جديد من عدن.. وأنا هنا سأتحدث بإيجاز عن إذاعتنا وهي الإذاعة العريقة التي منذ تأسيسها في عام 1954 كانت الصوت الواعي والفعل الثقافي لعدن وما حولها.. بدأت كبيرة بصوت كوكبة لامعة من مثقفي عدن منهم الشاعر لطفي جعفر أمان والشيخ محمد عبد الله حاتم ومحمد سعيد جرادة ومحمد الصافي وتلاهم جهابذة أعطوا للإذاعة رونقها لتنافس كبريات الإذاعات العربية، خاصة في ظل الخبرة البريطانية والتأهيل في إذاعة لندن العريقة… ثم توالت السنوات وتراكمت الخبرات وجاءت أجيال وظلت الإذاعة كما هي، صوت الجنوب الحر وصوت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ،محتفظة بسيادتها وتبث برامجها وتوجه رسالتها وفق إستراتيجية مرسومة وسياسة محددة وتوجهات إعلامية تتماشى مع توجهات الدولة.. وكانت الإذاعة تبث برامجها على موجات قصيرة ومتوسطة، تصل إلى دول أوروبية وإلى الأمريكيتين. وكنا نتلقى رسائل من محبي التقاط الإذاعات، تُعلم القائمين على الإذاعة إلى أي مدى وصل بثُها وجودته”.
وتواصل سردها الحزين قائلة: “ومرت سنون ونُكبت البلاد بحروب عرقلت مسيرة الإذاعة، لكنها لم تتوقف وظلت ذات سيادة ولسان حال جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. ولكن بعد حرب 1994 الظالمة التي دمرت الإرسال الإذاعي في الحسوة، بقيت الإذاعة تعمل ب(2) كيلو هيرتز ( المهندسون عندهم تفاصيل أكثر ) لكن كوني من منتسبي الإذاعة واعمل فيها؛ فقد كنا نشعر بالإحباط لأن إذاعتنا لاتصل إلى لحج!! واستمر الأمر هكذا واستمرأت المؤسسة اليمنية للإذاعة والتلفزيون هذا الوضع وطاب لها أن تُخرس صوت إذاعة عدن، لتصبح إذاعة البرنامج الثاني بإمكانيات إذاعة محلية واستقر بها المقام على ال fm داخل نطاق عدن وبعض المناطق وعلى (الستالايت) بأجهزة ذهب عمرها الافتراضي، تعمل بجهود مهندسي الإذاعة ذوي الخبرة.. الحرب الأخيرة كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث لفظت الإذاعة أنفاسها الأخيرة مع وصول قوات الحوثي وصالح إلى التواهي، حيث مقر الإذاعة والتلفزيون ومستمرة في مواتها إلى اليوم، مع تخبط الشرعية وعدم قدرتها على فتحها من جديد وهذا في رأيي لا يعود إلى الإمكانيات المادية، بل إلى عدم وجود رؤية واضحة للخطاب الإعلامي، في ظل الضبابية السائدة في البلد.. فالحكومة الشرعية ملتزمة بخطاب إعلامي وحدوي واحد وهو الذي تريد توجيهه لكل اليمن، باعتبارها تمثل اليمن كله.. بينما الجنوبيون كافرون أصلا بهذه الوحدة التي خرجوا عن بكرة أبيهم لخلعها بعد أن طالهم الظلم وطال أرضهم ونُهبت وهُمّشت كوادرهم .. وهم لن يرضوا بهذا الخطاب الوحدوي… من جانبها لن ترضى الحكومة الشرعية بإعادة بث الجهازين من عدن بسياسة إعلامية منفصلة عن الخطاب الوحدوي … وهو ماحدا بها إلى فتح قناة وإذاعة من الرياض. وهو الأمر الذي أزعج الكوادر الإعلامية في الجهازين الذين عملوا أيام الحرب في أحلك الظروف، ثم رُكنوا بعد الحرب ليبقوا داخل بيوتهم يقتاتون الحزن ويعصرهم الألم لما آل إليه حالهم مادياً ونفسياً..
الكرة في يد الحكومة بإغلاق إذاعة عدن من الرياض التي لا يستمع إليها احد وإعادة فتحها من عدن وهو الأمر الطبيعي، كونها لسان حال الدولة والجهاز الرسمي الذي يبث أخبار الحكومة ويعطيها المصداقية، بدلا عن مواقع التواصل الاجتماعي الذي يمكن أن يحرف الأخبار … وإعادة كوادر الجهازين للعمل بعد إهمالهم على مدى سنوات ثلاث.. نأمل ذلك على أن يكون الخطاب الإعلامي الموجه للجمهور متزنا يلبي احتياج الجمهور المتعطش لعودة إذاعته التي طالما التصق بها” .
أما الإعلامي أسامه عدنان باعتباره من الكوادر الشابة التي ما كادت تبدأ في شق طريقها في ميدان الإعلام المرئي، حتى قامت الحرب، فيقول بتأثر واضح: “هناك مشكلة حقيقية تعانيه الحكومة الشرعية عموما، حول مفهوم الإعلام وأهميته سيما خلال الأزمات وما ينتج عنها؛ فهي، ومن خلال متابعة بسيطة لأداء المؤسسات الإعلامية الرسمية، تكتشف كمية الإهمال الدور الريادي الذي يجب أن تؤديه هذه المؤسسات. فكمية الرتابة وعدم مواكبة الواقع والتطبيل، غير المبرر، في كثير من الأحيان سمة واضحة على هذه المؤسسات الفاقدة للإبداع ونقل الحقيقة. وباعتقادي أن تخوفات الحكومة الشرعية، عموما، ووزارة الإعلام، على وجه الخصوص، مبنية على تخوفات من سيطرة الجنوبيين على خطاب هذه القنوات، خاصة قناة عدن التي كان لها دور مهم خلال الحرب. التخوف من الخطاب الجنوبي الذي يمثل الشارع الجنوبي اليوم يعد تخوفاً غير منطقي .. فالواقع يقول إن هذا الإعلام هو إعلام رسمي وبالتالي، فهو يمثل الشعب الذي اختار القيادة الرسمية والشرعية له وليس العكس!! هناك غياب للرؤية الواضحة حول الإعلام والسياسة الإعلامية لدى الحكومة الشرعية وما يعكس ذلك هو سماح الشرعية لوجود صحيفة رسمية في عدن وهي صحيفة 14أكتوبر، بينما يجتهدون لمنع عودة تلفزيون عدن إلى موقعه الأصلي .
تحتاج الحكومة الشرعية لإيجاد رؤية واضحة للعمل الإعلامي عموماً والتلفزيوني والإذاعي على وجه التحديد، وإذا ما وجدت هذه الرؤية، فبالتأكيد سيعلمون كم سيخدم الشرعية هذا الإعلام وهو يبث من قلب الحدث، بدلا من اغترابه خارج أراضي الدولة التي تحاول الشرعية أن تقنع العالم بأنها حررت 80% منها، بينما لم تعد إليها وسيلة إعلامية واحدة !!”.
وتؤكد المخرجة التليفزيونية ومديرة البرامج في تليفزيون عدن نادية هزاع: “إن قرار إخراس قناة وإذاعة عدن من مدينة عدن قرار سيادي لا يمكن فهمه ولا استيعابه.. ولا علم لنا من المستفيد من هذا الإخفاء لحضور هاتين الوسيلتين المؤثرتين في مجمل ما يعتمل في عدن والمناطق المحررة ودورها في المشهد الوطني عموماً ؟!” وتتساءل: ” وهل يُعقل أن يكون حضور قناة عدن كافٍ للمشاهد من ( جده )؟ وهل بذلك تكتمل سيادة المناطق المحررة وأهمها العاصمة المؤقتة عدن؟! سؤال يبحث عن إجابة، نتمنى ألا ننتظر كثيراً لنعرف رأي المعنيين بالأمر!”.
أما الإعلامية سحر نعمان فترجع أسباب التوقف إلى جهات بعينها قائلة: ” أسباب عدم بث قناة عدن وإذاعتها غير واضحة، كون رئيس الوزراء ووزير الإعلام ورئيس القناة والإذاعة لم يعطوا أو يوضحوا الأسباب الرئيسية لعدم فتحها، وكما تعرفي عزيزتي ضياء، وقفت مع أعضاء حملة إعادة بث قناة عدن الفضائية وساهمت في الإشهار لها ونشر ومتابعة أخبارها. وفي الحملة حاول كل الأعضاء وبدون كلل الوصول إلى حل لقضية إغلاق القناة الموجودة في عدن (التواهي) والتوقف عن إسكات صوتها. كما قام أعضاء الحملة بكل وضوح وشفافية المرور عبر القنوات الصحيحة والشرعية للوصول إلى حلول لإعادة بث القناة والإذاعة، و لكن يبدو أن الطرق الصحيحة والشرعية للوصول إلى حلول للمشاكل التي يعاني منها كوادر الجنوب في كل المرافق الرسمية، خاصة إذاعة وتلفزيون عدن غير معبدة وتواجه الكثير من العراقيل”.
وبأسف بالغ يجيب الإعلامي عامر علي سلام فوز، نائب مدير عام البرامج لشؤون الإعداد البرامجي في قناة عدن الفضائية: “لم يأتِ في مخيلة احد منا أبداً، نحن أهل تلفزيون عدن ومشاهديه، أن يأتي زمن تختفي فيه صور الشاشة العدنية التي ظهرت عام 1964م ..والتي تعوّد عليها المشاهدون في عدن وكانت حكراً لهم ولأجلهم وبهم وفيهم، تتوارث ثقافة وفناً وتراثاً عدنياً خاصاً يستشف ملامحه من وهج كل محافظات الجنوب وإنسانها.. وتترنم بأغنيات العصاري واستراحة الظهيرة، أو تتوارى الصور الخاصة بمدينة عدن عن مآقي العيون المشاهدة لها، دوما في الداخل والخارج طوال خمسة عقود مضت (1964//2014)…في زمن غائب!!. ولكننا في هذا الزمن الغائب فيه قسراً تلفزيون عدن التاريخي ولا زالت المشاهد والصور والحكايات محفورة في ذاكرة الناس ..كيف لا ؟؟!! وتلفزيون عدن قد حمل إرث سنوات وتاريخ وفنون ورجالات ونساء عدن، حتى ظلت بصمة صورته وصوته العدني يعود بنا دوما إلى حنايا عدن وتاريخها العريق، بمينائها وروعة إنسانها وبساطته الإبداعية!!”.
ويضيف بأسى: ” كانت عدن مدينة التلفزيون، فيها الأجيال تحمل هم الإبداع بكل فنونه ومواصلة المشوار، ثقافياً واجتماعياً وفنياً وسياحياً، وكذلك يوثق لتاريخ الوطن ورجالاته في مراحله السياسية المختلفة في مدينة التلفزيون.. مدينة عدن. وهاهو اليوم، تلفزيون عدن، ذلكم الصرح الإعلامي التاريخي، يتحمل مآسي الحرب الباطلة في اليمن وصراعات السلطة الهوجاء ليُجبر على الصمت والإغلاق والإقصاء والتهميش، منذ مايو 2015م حتى هذه اللحظة. كان تلفزيون عدن تحت مسمى قناة عدن الفضائية مستمراً بالعمل أثناء الأشهر الأولى من اندلاع الحرب، مارس / مايو 2015 م وكان يواكب أحداث الحرب وباسم شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، بكوادر صمدت حتى الرمق الأخير من أبناء التواهي. وكنا معهم نتقاسم اللقمة، إن وجدت، ونعيش اللحظة ونصنع الخبر ونقاوم مع المقاومة الجنوبية وندعمها في برنامج عدن تنتصر .. حتى كان انتصار عدن، يعني انتصار لكل شيء فيها وتحررها من قبضة السيطرة (الحوثعفاشية) للأبد …لكن قناة عدن في التواهي ظلت تنتظر إعادة التردد الفضائي إليها ليمر عام وعام آخر، حتى ظهرت المؤامرة التي لازالت تحاك عليه .. ليظل مهجوراً عن قصد وإصرار بعدم إعادة فتح أروقته واستديوهاته وتركها للنهب، عمداً، والإهمال والتشفي بعدم الحاجة إليه، من قبل الحكومة وشرعيتها، وذلك بادعاءات وتسويفات كثيرة، تكررت حتى الملل واليأس الذي قتل عدداً من الزملاء بالإحباط وكسر الهمة والتهديد بقطع أرزاقهم إلا من رواتب هزيلة ينتظرونها في جوف كل شهر مأزوم، فيه كل خياراتنا الإعلامية، في ظل وعود مضللة وتخوف سياسي، لتيارات وتوجهات تظهر أنها متصارعة ولا تريد لتلفزيون عدن العودة الحميدة ولا العودة القاصرة في وطن لا تتم فيه الولادة من جديد إلا من تحت الخاصرة .. والتي إن جاءت نكون قد خسرنا هذه القناة وهذا الصرح الإعلامي الذي كان في يوم ما، عيون كاميرا عدن ورئتها المرئية في عيون البسطاء الذين تعودوا أن تكون عدن / التواهي ..مدينة التلفزيون”.
أما المخرجة هناء هيثم فتؤكد بكل ثقة : “الموضوع سياسي من الدرجة الأولى، وثانياً، فساااااااد.. وهذا ليس بجديد، ثالثاً، للأسف، التلفزيون ليس له كوادر من النوع الثقيل التي لديها كلمه مسموعة ومعرفة عريقة بشخصيات اجتماعيه وسياسية وماليه تساعدها لفرض القناة. بالمعنى المختصر، علاقاتنا الخارجية فاشلة وذلك بسبب تراكمات أعمال فاشلة، أيضاً، لرسم علاقات وهذا مهم جداً للمستقبل. وكان الهدف الرئيسي هو جلب المال فقط وهذا سبب نكسة القناة، لاحقاً”.
الإعلامي المخضرم ناصر محفوظ بحاح يحدثنا قائلاً: “ببساطة شديدة إن ما جرى لإذاعة وتلفزيون عدن هو من تداعيات الحرب التي لم تضع أوزارها بعدن، أنا شخصياً لا اعلم لماذا لم يعاد افتتاحهما في عدن، نحن جميعاً مغيبون، ليست هناك معلومات صحيحة يمكن البناء عليها وتحليلها،ثمة تضارب مستديم في التداولات ذات المصادر التي يمكن الركون إليها،والحق ان ما من محلل يستطيع تحليل أي شأن كان دون بيانات ومعلومات موثوق بصحتها،أما الحاجة لإعادة افتتاح الجهازين لا يختلف عليها اثنان ،ومن المؤسف له أننا نكاد أو فقدنا فعلاً ثروة لا تقدر بثمن آل مصيرها إلى المجهول، إنّي أشير هنا إلى ارث ما يزيد عن ستين عاماً ،ذلكم هو الكنز الثري من البرامج والوثائق والأغاني .. الخ.. أما ما أصاب الجهازين من عدم عناية إبداعية حقيقية؛ فقد بدأ مبكراً، حيث غابت وهاجرت أحسن الكفاءات وانكفأ آخرون إلى بيوتهم وغابت المعايير الحقيقية للكادر العامل في الإذاعة والتلفزيون بدءً من العام 86 وما تلاه، هذه وجهة نظر شخصية أريد من يناقشني فيها، ولكل سؤال جواب ، مع تقديري للجميع” .
الإعلامي المعروف عبد الحكيم محمود يدلو بدلوه قائلاً: “لكي نعرف الأسباب التي أدت إلى هذا التعمد في تغييب أجهزة إعلام عدن وتهميشها ومنها تلفزيون عدن العريق، يجب أن نراجع وضع هذه الأجهزة من قبل النظام بعد عام 1994م؛ فهذه الوضعية الحالية في التدمير والتهميش هي امتداد لما عانته هذه الأجهزة من قبل نظام المخلوع صالح. أنا في تقديري الشخصي إن ما تتعرض له أجهزة الإعلام العدنية ومنها إذاعة وتلفزيون عدن من قبل حكومة الشرعية هي بمثابة الضربة القاضية بعد أن أرهقها نظام عفاش”.
الإعلامي نصر الوجيهي، محرر ومعد برامج سياسيه في الإدارة العامة للأخبار في تلفزيون عدن فيقول: ” الكل يعلم تاريخ إذاعة وتلفزيون عدن ولسنا بصدد هذا التاريخ المعروف في الداخل والخارج، إذ يكفي أن هناك من الكوادر العاملة في إذاعة عدن استطاعت أن تصل لشهرة العربية وما فوق عل سبيل المثال : الإعلامي الشامل جميل مهدي والإعلامي فيصل باعباد والزميلة ليلى كليب والإعلامي رعد أمان والإعلامي وديع منصور وإعلاميون كثر، انتقلوا للعمل في قنوات عربيه واحتلوا الصدارة… ولا أجامل إن قلت أن في الإذاعة أسماء رنانة ولها تاريخ مشرف وثقافة عاليه. أصوات إذاعية مبهرة، أسلوب في الإلقاء إلى جانب إخراج مميز . كذلك التلفزيون يمتلك من الكفاءات العديد من ذو ي القدرات الهائلة والعمل المميز، رغم الاستهداف المباشر لهم وللقناة منذ حرب 94 م ، نأخذ عل سبيل المثال الحقائب الإخبارية التي كانت موجودة في الإدارة العامة للأخبار بتلفزيون عدن بعد حرب 94، تم تحويلها لقناة اليمن في صنعاء.. وأصبحنا نسرق الأخبار العربية والعالمية من القنوات الإخبارية العربية الأخرى بتغطية إشارة القناة، بعمل (الزوم) في المونتاج في الوقت الذي تعمل قناة صنعاء على أربع حقائب إخباريه. وإضعاف الميزانية التشغيلية للقناة، وحولت إلى القناة الثانية وهي لا تعطى ولو حق القناة العاشرة من الناحية المالية للعمل الإبداعي. من هنا بدأ استهداف القناة ومبدعيها. تلاها تهميش متعمد للكوادر في القناة بإقصاء البعض وتوقيفهم عن العمل والبعض الآخر أخذت منه حقوقه المالية وتصغيرها ليعكف عن العمل، لكن لم يكن همهم ذلك بقدر ما كان همهم العمل وان همش الإبداع بشكل مستهدف.. تعاملوا معنا معاملة المنتصر في الحرب، للقضاء عل العمل الإبداعي في القناة. أضف إلى ذلك أجهزة قديمة ولا تكفي للعمل، كانت هديه من اليابان لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، في بداية الثمانينيات. أغلبها عطلانة، في الوقت الذي كانت مستودعات المؤسسة في صنعاء تعج بالأجهزة للمونتاج والكمبيوترات والمكسر للإخراج وأجهزة حديثه وكذلك الكاميرات.. وبعد الانتصار عل الانقلابيين في الحرب الأخيرة بالعاصمة المؤقتة عدن، تأملنا خيراً في الشرعية وحكومتها، ولو بإعادة فتح الإذاعة والتلفزيون اللذين جاهزين للتشغيل، كما أفاد بعض المهندسين في القناة، لكن للأسف بحت أصوات الزملاء والجهات الإعلامية الأخرى في المطالبة بفتح الاذاعة والتلفزيون وإطلاق سراحهما. كانت مجرد وعود لاتسمن ولا تغني من جوع… الكل يتساءل وبنفس السؤال: لماذا استهداف الصرحين الإعلاميين ومبدعيهم المخضرمين؟؟.
لعل الإجابة هو تهميش الدور الإعلامي المسموع والمرئي في عدن، لقتل العمل الإبداعي ولتصبح عدن في خبر كان، في الجانب الإعلامي.وإعطاء الفرصة لتربع قنوات يمنيه أخرى لتكون، هي الفعالة في مجال الإعلام. لا أعلم لماذا حكومة الشرعية تساعد عل ذلك التوجه ؟! توفى العديد من المبدعين في الإذاعة والتلفزيون، قهراً على ما وصلوا إليه من تهميش..
مرض العديد بسموم الأشرطة والأجهزة وللأسف وزاره الإعلام تتجاهل ذلك. البعض منهم يتطلب علاج في الخارج .. لكن لا حياة لمن تنادي.. ماذا عسانا نفعل وماذا نقول غير انه استهداف ممنهج للمبدعين بدرجة أساسية والجهازين بدرجه ثانوية”.
التقينا أيضاً بالأخ عدنان مريسي خريج جامعة صوفيا (صحافة تلفزيونية) مدير تحرير نشرات الأخبار بقناة عدن الفضائية ومدير الإدارة الرياضية بالإدارة العامة للأخبار والذي قال بشفافية: ” بصراحة كل المبررات التي يرددها بعض المسئولين في حكومة الشرعية وأبرزهم رئيس الوزراء ووزير الإعلام من مخاوف أمنية أو توجس من إمكانية سيطرة الحراك الجنوبي على الإذاعة والتلفزيون بعد عودتهما للبث، كل هذه المبررات تبدو واهية وغير مفهومة، ولدينا صحيفة 14 أكتوبر تعمل؛ فلماذا لم يسعَ الحراك للسيطرة عليها؟ أيضاً الحديث عن مخاوف من عرض صور أو أفلام للقوات الجنوبية المقاتلة وهي ترفع أعلام الجنوب، هذا حديث مضحك ومستفز في نفس الوقت، لأن الكل يعرف إن أعلام الجنوب تنتشر بصورة كاسحة في الجنوب، مع اختفاء كامل لعلم الوحدة. هذه المبررات تضعنا أمام تصور خطير جداً، وهو أن حكومة الشرعية لا تريد عودة القناة وان الفرصة جاءتها على طبق من ذهب لإلغائها تماماً وهذا الأمر، في الحقيقة، يجعلنا نشك بأن موقف حكومة الشرعية المريب من عودة الإذاعة والتلفزيون يأتي في إطار مخطط اكبر يستهدف النيل من مدينة عدن.. وإذا ما لاحظنا حالة المطار والميناء ووضع المستشفيات وخدمات المياه والكهرباء في عدن، سنجد إنها متصلة ببعضها البعض، بخيط تمسك به حكومة الشرعية بتواطؤ واضح وأكيد من التحالف”.
ومسك الختام في استطلاعنا لهذا الأسبوع ؛ كان ما أفادنا به الأستاذ عبد الله باكداده ، وكيل وزارة الثقافة، وهو أيضاً كان يعد ويقدم عدداً من البرامج الثقافية والفكرية في تليفزيون عدن، حتى قيام حرب 2015م، إذ قال: ” تعتبر الإذاعة والتليفزيون في عدن من أقدم المؤسسات الإعلامية التي عرفها الوطن العربي ، حيث تأسست إذاعة عدن في العام 1954م بعد تأسيس إذاعة صوت العرب بعام، حيث انطلقت الأخيرة في العام 1953م . وعرفت عدن البث التلفزيوني في 11 سبتمبر 1964م من قبل شركة (باي) البريطانية كثاني تلفزيون على مستوى الجزيرة العربية بعد الكويت التي عرفت البث التلفزيوني في 15 نوفمبر 1961م .لعبت هاتان المؤسستان (الإذاعة والتليفزيون) في عدن دوراً مهما ً، كأول مركزي توثيق (مسموع ومرئي)على مستوى اليمن. وساهمتا إلى حد بعيد في رفع الذائقة المجتمعية وتشكيل الوعي الاجتماعي ورفع مستوى الفكر والتعاطي الإنساني والرقي في السلوك، كمجتمع مدني نادر يضاهي في علاقاته أرقى المجتمعات المدنية في بلدان أوروبا وأمريكا .. كما أن هاتين المؤسستين مثلتا ذاكرة الأمة والحافظ لتراثها الثقافي والإبداعي والفني والسياسي، وفي شتى فروع العمل الإنساني في المجتمع . المتابع للتجربة الإعلامية في اليمن، لاسيما الإذاعي والتلفزيوني منها، سيجد أن أرشيف الإذاعة والتليفزيون في عدن هو الأرشيف الذي تأسست عليه كافة الإذاعات والتلفزيونات اليمنية، بعد قيام دولة الوحدة ،سواء الوطنية منها أو الحزبية أو الأهلية و لربما في أحايين ظالمة جاء على أنقاض هاتين المكتبتين العريقتين اللتين مثلتا منارة إشعاع يمكن لتجربة العمل الإعلامي الاستفادة منها، ليس على مستوى الواقع اليمني فحسب، بل على مستوى الواقع العربي من خلال استعراض هذه التجارب في المحافل والمهرجانات العربية والدولية. وذلك التلاقح الإيجابي الذي يساهم في بناء العمل لا هدمه . ظلت المراحل الدموية التي مر بها الجنوب في تعاطيها السياسي للعمل الإعلامي وفكرة إلغاء الغير تنهش في هيكل وجسد العمل المؤسسي وتتعامل بإهمال واضح مع هذه الذاكرة المهمة، مثلما جاءت حرب صيف 1994م لتمارس الفيد الإعلامي والقرصنة الإدارية، لتتآكل بقايا تاريخ هذا الأرشيف العريق والذكرة الإنسانية في محاولة بائسة لمحو هوية مجتمع تراكم فيه كل شيء جميل فتنازعته الغربان . لكن نتائج الحرب الأخيرة التي تسبب فيها الحوثي وصالح في مارس 2015م وذلك الاجتياح المخيف لعدن الرقي والحضارة والتاريخ الإبداعي والثقافي والإنساني، والمجتمع الذي عرف الحياة المدنية، كواجهة مهمة لليمن، مثل ثغرها الباسم، إنما كان اجتياحاً مدمراً أتى على الأخضر واليابس، إذ لم يقف دماره على البُنى التحتية والهياكل الإرتكازية -على رأي أصحاب الاقتصاد – ولكنه طال الإنسان ودمر ذاته التي لا ندري كم نحن بحاجة إلى الزمن لنعيد للإنسان توازنه .. ولعل من أبشع ما تحدى به هذا الاجتياح هو توقف هاتين المؤسستين المهمتين في عدن وخروجهما عن جاهزية العمل . لقد كان لنا أكثر من وقفة مطالبة لعودة عمل الإذاعة والتليفزيون في عدن، سواء تلك الوقفات أمام مبنى التلفزيون في التواهي أو الوقفات الأخرى على بوابة معاشيق، في صيره وكان هناك أكثر من وعد وتصريح بتجهيز مبنى حقات للعمل التلفزيوني، ولكنها وقفت عند حدود التصريح والوعد . عدن السباقة لهذا العمل ستبقى على الدوام في موقع السبق، لذا لا غرابة أن نرى اليوم قناة عدن تتحدث باسمها من جده وقناة الغد المشرق من الإمارات وقناة عدن إسكان من القاهرة. وسمعنا مؤخراً عن قناة ستبث من التواهي يتبع ذلك إذاعات تتحدث باسم عدن في الداخل والخارج. ولكن تظل إذاعة عدن ويظل تلفزيون عدن ينتظران من يقول عبرهما (هنا عدن).