يحل الثاني والعشرون من مايو هذا العام حاملاً الذكرى الـ34 للوحدة اليمنية في ظل واقع ممزق تتعمق فيه الانقسامات السياسية والاجتماعية، تُعبّر عنه تعدد السلطات وتنازع الهويات وتآكل مؤسسات الدولة. لم تعد الوحدة محل اجماع بل أصبحت موضع جدل واسع بين من يتمسك بها ومن يرفضها وثالث يبحث عن صيغة توافقية تحفظ ما تبقى من مشروع الدولة. وامام هذا المشهد، لم يعد التقييم خيارًا مؤجلًا، بل بات واجبًا وطنيًا لا مفر منه.

وُلدت الوحدة في عام 1990 كتتويج لحلم وطني، لكنها ما لبثت أن تحوّلت الى تجربة مأزومة اصطدمت بواقع سياسي قائم على المركزية المفرطة، وهيمنة طرف على آخر، وتهميش الشريك الجنوبي وإقصاء مناطق بأكملها. وكانت حرب 1994 نقطة تحول مفصلية مثّلت لحظة انهيار فعلي لروح الشراكة ورسّخت نظامًا احاديًا متمركزًا في صنعاء، فيما وُضع الجنوبيون خارج دوائر القرار، محرومين من التمثيل والوظيفة والتنمية.

عدن، المدينة التي كانت رمزا للحداثة والانفتاح، غدت شبه قرية منسية. تقلّص فيها حضور الدولة إلى مركز يستخدم القوة لإبقاء السلطة ساهم في تفكيك الوحدة في الوجدان الشعبي قبل أن تنهار  اليوم على المحك. 

اليوم، لا تبدو اليمن دولة بالمعنى السياسي المتعارف عليه، بل خارطة ممزقة تتنازعها ولاءات متعددة. اما مشروع الدولة الوطنية الجامعة، فقد اصبح في ذمة الماضي ما لم يُعَد صياغته على أسس جديدة.

في السنوات الماضية، طُرحت فكرة الدولة الاتحادية كحل لتوزيع السلطة والثروة وتعزيز اللامركزية. لكنها وُلدت في خضم الصراع دون توافق وطني وتحولت إلى مشروع مؤجل يستخدم كورقة تفاوض لا كمشروع إنقاذ. الآن، تتعالى أصوات سياسية تدعو الى نماذج اكثر مرونة كالفيدرالية او الكونفدرالية تتيح للأقاليم إدارة شؤونها الداخلية تحت مظلة سيادية تحفظ الحد الأدنى من وحدة الدولة.

لكن لا يمكن لاي خيار، مهما بدا واعدًا، أن ينجح دون شجاعة سياسية للاعتراف بإخفاقات الماضي وبناء عقد اجتماعي جديد قائم على العدالة والمواطنة المتساوية لإنقاذ ما تبقى من الدولة وتحقيق استقرار دائم.

الوحدة ليست شعارًا مقدسًا، ولا صنمًا لا يُمس وغير قابل للنقاش بل وسيلة لتحقيق مصالح الناس. وإذا لم تحقق العدالة والشراكة والتنمية فلا بد من إعادة تعريفها او استبدالها بصيغة توافقية اكثر عدالة وإنصافًا. ما نحتاجه اليوم هو مشروع دولة لامركزية، عادلة وتشاركية، تحتضن جميع ابنائها دون تمييز او إقصاء.

وعليه، فإن الضرورة تقتضي فتح حوار وطني شامل لا يُقصي احدًا، والاعتراف الواضح بالمظلومية الجنوبية مع التأكيد أن اي خيار لمستقبل الجنوب يجب أن يُحسم عبر استفتاء شعبي، وبعيدًا عن العنف او الإكراه. كما أن معالجة الأزمة الاقتصادية يجب أن تكون جزءًا من اي تسوية، لضمان توزيع عادل للثروة وتحقيق تنمية متوازنة.

ويبقى دور الاقليم والمجتمع الدولي محوريًا في دعم اي مخرجات سلمية، شريطة أن تستند الى إرادة اليمنيين لا الى مشاريع الخارج. فالشجاعة اليوم لا تكمن في ترديد شعارات الماضي ولا في إعادة إنتاج الصراع، بل في مواجهة الحقيقة وهي أن وحدة 1990 لم تحقق اهدافها وقد آن اوان المراجعة الصريحة فاما وحدة على اساس التوافق والعدالة، او ان نذهب نحو المزيد من التشظي والانهيار وعدم الاستقرار .