الأسبوع الماضي،كانت عدن ونساءعدن محور الإهتمام بعد "التسونامي" الذي أحدثته تظاهرتهن السلميةفي ساحة العروض بخور مكسر . أسماها البعض ( ثورة النسوان) والبعض ( ثورة الحريم ) والبعض ( ثورة حرائروماجدات عدن).. تعددت المسميات لكنها جميعاً تشير إلى حدث واحد ، وإلى صانعة هذا  الحدث.. إلى المرأة العدنية ) التي أخرجها تردي وضعها وواقع المدينة الراهن المُزري منذسنوات عشر، عن صمتها وصبرها الذي فاق كل الحدود . و(للصبر حدود ) ليس في الحُب وهجر الحبيب فقط،بل في كل شيءيتعلق بلقمة العيش والحياة الكريمة. 
 ماأقسى صمت النساء وقدرتهن الفائقة على الصبر على كل مآسي ومنغصات الحياة ، وما أعظم الصوت المكبوت عندما يخرج عن صمته ؟ ماذا يساوي التضييق على العيش والحياة والحرية؟ ماذا تساوي الوعود الكاذبة أمام الخسارات الكُبرى التي لاتعوض ؟ 
 كل الاديان والثورات ، وكل الدول والحكومات ليس لها غير غاية واحدة سعادة الإنسان، فماذا يبقى من (الدولة )حين لاتقوم بوظيفتها ، ويستشري فيها الفساد، ويكثر  الفاسدون، وتلتهم الأقلية موارد البلاد وتعيش في رخاء على حساب الأكثرية الساحقة من المواطنين ؟؟
  ماأقسى صمت النساء ، وماأقوى نون النسوة المدوي : نريد العيش الكريم ، نريد ماء،راتب، كهرباء ، تعليم ، صحة !! وماذا هي الحياة الكريمة إن لم تكن كل تلك المطالب الحقوقية المشروعة العادلة التي بدونها لاتستقيم الحياة؟!!
 سنوات وهن يصارعن الألم والمُعاناة الشديدة، يرين أوضاعهن ووضع مدينتهن يزداد ُسوءََ في كل يوم دون أمل؟  تأتي حكومة وتذهب حكومة ، نفس الوعود ونفس الخيبة فيما أبسط سبل الحياة في تدهور !ا فماذا بقي لكي لاتخرج (ن )نساء عدن  لتعبرن بصوت عال يسمعه كل العالم ؟وقد فعلن وعبَّرن عن وجعهن، وعن وجع عدنهن )مايؤلمهن)، وعن مطالبهن الحقوقية ، وهو حق لهن كما هو حق لكل مواطن . 
 قال نون النسوة  كلمته، كلمتهن (كلمتنا)، وصرخن بوجعهن ، ووجعنا.مايؤلمهن ، وماذا يردن . وهو وجع ، وألم عدن في كل بيت ، وكل أسرة، ألم كل رجل وطفل ، وشيخ يحترق بنيران الحر ، وانقطاع الكهرباء والماء ، ويعانى من المرض ولا يجد العلاج، ومن تردي التعليم،وتدهور العملة، ووحش الغلاء ، والبطالة. أي كل ما يبقي الإنسان ليعيش ويحيا بكرامة! . قال نون النسوة كلمته، كلمتهن ،، وبقي على من تقع عليهم المسؤولية أن يفعل شيئاََ لتلبية تلك الحقوق العادلة التي هي من واجب الدولة ومن حق المواطن ، الشعوب تصبر ، تمهل لكنها لاتهمل !
 
                    
عندمارفع نون النسوة في عز الصيف
الساخن ،( الفانوس ) و(المروحة ) المصنوعة من سعف النخيل ،  والتي تعود إلى عصر ماقبل الكهرباء فقد عبَّر (ن)بصورة رمزية وسلمية عن الظلمة والظلام الذي تعيشه عدن،  والظلم  الذي حاق بها ، وطال كل بيت ، عن حالهن ، حالنا جميعاً. حال عدن التي كانت الأولى في كل شيء ؛التعليم والتطبيب، والكهرباء والماء وسوق العمل ، "عدن يأتي إليها البحر ولاتذهب إليه !! يأتي إليها العالم ولاتذهب إليه" . 
 فتح نون النسوة كل النوافذ والأبواب المغلقة وكسرحاجز الصمت ، والخوف، حتى يرين في آخر النفق كوة يدخل منها الضوء،والهواء ورائحة الفل والكادي و الياسمين.عزفت حناجرهن المعزوفات  الضائعة التي ربما نسيها الزمن، أناشيد الحرية والوطن والجمال . قصائد لقمان  وغانم وحنبلة ولطفي و جرادة،  ومسرور مبروك ، وسبيت، وحسين عبدالباري، وعبدالرحيم باوزير .وأغاني المرشدي واحمد قاسم وبن سعد، وعطروش ، واسكندر ثابت ، ويوسف احمد سالم ،ورجاء باسودان ، عن الثورة والحرية  .
 خرج نون النسوة وصرخ بصوته،صوتهن بكل حزن وعنفوان، والكل سمع وجعهن إلى آخر الدنيا إلاَّ من به صمم أوكان أطرش!!
 " نساء عدن خرجن لا ليعلنَّ موت مدينة ، بل لميلاد جديد لمدينتهن عدن ، ينفخن فيها الروح، حتى ينهض "فيينيق" فريد بركات من بين رماد النار ، ويشدو عدن لاتموت ..عدن تحيا طالما فيها نون نسوة .
  هو الصمت يصل إلى مُنتهاه..والضوء في آخر النفق . ونون النسوة أيقظنا حتى لانرضى بالجوع ولانستسلم للظلم .
                                          
 قبل سنوات أطلقت كاتبة تنتمي إلى نون النسوة التوقع الأكثر رعباً على 
  الإطلاق عن كيفية زوال المجتمعات :
"عندما تدرك أنك بحاجة إلى إذن أولئك الذين لا ينتجون شيئًا حتى تتمكن من الإبداع؛ عندما ترى أن المال لا يتدفق إلى أولئك الذين يتبادلون السلع، بل إلى المحسوبية؛ عندما تفهم أن الكثيرين يصبحون أغنياء ليس من خلال عملهم، ولكن من خلال الفساد والتأثيرات، وأن القوانين، بدلاً من حمايتك ضدهم، تحميهم ضدك؛ عندما تكتشف أن الفساد يُكافأ وأن الصدق يصبح تضحية، عندها ستتمكن من القول، بما لا يدع مجالاً للشك، أن مجتمعك محكوم عليه بالزوال"

 تحذير الكاتبة والفيلسوفة الأمريكية من أصول روسية"اليسا زينوفييفنا" التي   ولدت في سان بطرسبرج سنة 1905 والمعروفة على نطاق العالم ب "آين راند"، لايزال يتردد صداه وكأنه تحذير محفور في رخام الزمن .  وكأنه حقيقة خالدة !!يفجره في وجوهنا نون النسوة .....كما فعل (ن) نساء عدن . ولاحظوا  المشترك بينهن  وبين مدينتهن عدن في الأول والأخير .
 هذا صوت نون النسوة ، فأين أصوات بقية الحروف ؟!!