صباح يوم الأحد السادس من إبريل الحالي، نقل لي الصديق عصام خليدي نبأ انتقال المغفور له بإذن الله تعالى أنور خان  ، الشخصية الاجتماعية  المعروفة 
.. ، ابن المعلا وعدن إلى دار الخلود إثر معانا صامتة مع المرض في أيامه الأخيرة لم يعرف بها أحد سوى أسرته الكريمة، وأقرب المقربين إليه من الأصدقاء، لهذا كانت وفاته صدمة لي .
 أمثال أنورخان يعيشون بصمت،يمرضون بصمت، يتألمون بصمت ويموتون بصمت بعد أن يكونوا قد اعطوا الوطن كل شيء  يستطيعونه بسخاء دون أن يأخذوا شيئاً.
 لهذا ليس غريباً، أننا لم نسمع بمرضه، ولم يزره أحد من المسؤولين، أو حتى يكتب عن مرضه أحد!، ولم تطلب أسرته العفيفة من أحد نقله وعلاجه في الخارج! ولم تنعه اي جهة رسمية، أو حزب ، أو حتى نقابة، أو اتحاد . كان أنور خان مواطناً بامتياز، فوق الأحزاب، وفوق السلطات ، لهذا لم ينخرط في مؤامراتهم، ولم يشارك في حروبهم القذرة، وناله من الظلم والآلام مانال كل مواطن في عدن والوطن ومن إهمال. باختصار لأنه مواطن فحسب ،، ومواطن عدني فقط !! ولم استغرب ..
 فقط انزويت ، وبكيت، وانتابني حزن شديد. بكيت لأن أنور خان كان من أنبل وأصدق من تعرفت عليه في عدن خلال عودتي إليها بعد غياب طويل ، اقتربت منه ،دخل إلى حياتي، وكسبت صداقته بسرعة. ووقفت على نقائه ومعدنه الأصيل،دائم الإبتسام ، وشفافاً، أنموذجاً للعدني الأصيل،الطيب . يكاد لايمر أسبوع إلا ونلتقي مرتين على الأقل،  وكان عصام خليدي الفنان والإنسان، والصديق الوفي الزميل نجيب مقبل الشاعر والاعلامي الشفاف ، والفنان الرقيق والجار العزيز نجوان شريف ، والمخرج التلفزيوني المبدع محمد محمود السلامي، والشاعر الغنائي الصديق علي حيمد  ،والصديق الاعلامي عبدالقادر خضر، والإعلامي ناصر بحاح حاضرين تقريبأ عند كل لقاء .
  عندما تعرفت إليه، عرفت للتو اني كسبت صديقاً بكل ماتحمله الصداقة من نبل وجمال روح، إذ كان أنور خان من النوع الذي يدخل القلب فوراً، يملك وجهاً غارقاً في الابتسامة ، ونفسأ مليئة بالسماحة،وقلباُ مفعماً بالطيبة.كلما اقتربت منه تشعر ان في هذا الشخص شيئاًخاصاً لاتملك إلاٌ أن تحبه . بعض الأشخاص فيهم سجايا قد لاتدركها كلها، لكن ثمة نوراً يشع منهم . فما بالك إذا كان اسمه أنور؟! ولكل إمرئ من اسمه نصيب، وكان نصيب أنور خان من إسمه كثيراً جداً..
  خلال غيابي الطويل عن عدن فقدت الكثير من أصدقاء وزملاء العمر ،الذين اختطفهم الموت في واحدة من أكثر اللحظات جنوناً، ولم يكونوا يستحقون الموت على تلك الطريقة البشعة والماسأوية التي تعجز أعظم الروايات في التعبيرعنها.. كيف حدثت ؟ ولماذ حدثت على ذلك النحو الذي حصد أرواح ناس أبرياء وكأننا في واحد من أفلام الرعب، وربما تفوقها جنوناً ووحشية، فقدنا خلالها كثيرين من ابناء شعبنا الطيب الذي عاش أقداره التي لم يكن يتوقع أو يتصور هولها ..
 في أيام عودتي تلك ، كلما مشيت في شوارع المدينة التي أحببتها حتى النخاع وعشقت كل زقاق فيها، كما احببت أهلها الطيبين ، كنت أشعر بوحشةقاسية تلفني، وبكل شيء مختلف، وبغربة روح ، وبغياب الأصدقاء الذين كنت قريباً منهم وكانوا ، كنت أبكي بصمت إلى حد الحزن دون أن أرى وجهاً واحداً أعرفه يخفف عني بعض ماأشعر ..
 فجأة ظهر أنور خان ، وكأن الأقدار بعثته لي من بين ركام المدينة التي عاش كل فتراتهاالمتناقضةالذهبية،والمأساوية
،سنوات صنع الحلم والإخفاق،وسنوات الحروب. سنوات الرخاء،وسنوات الشدة والإحتياج.
..عاش ككائن بشري، مواطناً طيباً، يحب عدن بكل تحولاتها،حتى وهو يراهاتسرق منه، والآخرون يتلذذون بعذابها ، وبألآم أبنائها الطيبين.
 كان أنور خان شخصية معجونة بالطيبة، وبطاقة صبر عجيبة، جميلاً،ونبيلاً. خلال سنوات عمره والتجارب التي عاشها، والأحداث التي عاصرها، طورخبرات تراكمية ساعدته على العيش في سلام مع النفس، ووئام مع الناس.نموذج من البشر ربما لم يعد منهم كثير، وربما يوجد مثله كثيرون، لكن لانلتقي بهم في كل يوم . 
 مازالت ملامح وجهه البريئة أمامي حتى في لحظة موته وآلام مرضه لا اتصوره إلاٌ مبتسماُ،جميلاً ونبيلاً، صاعداً تحفه أنوارسماوية .
 بكيت لأني فقدت صديقاً حقيقياً نقياً، أعطاني من حبه ونبله الكثير ، حفظني من الحزن ، وحماني بطيبته من الإنكسار، واشعرني بأنه مازال في الدنيا أناس طيبون ، يقاومون عواصف الأحقاد والضغائن ، لم تنتزع منهم الحروب التي تعرضت لها هذه المدينة الجميلة عدن، نبلهم وطيبتهم وإنسانيتهم،ولا أن يتخلوا عن حلمهم البسيط والكبير بأن المستقبل والأجمل قادم وإن لم يروه في حياتهم ،لكن سيراه ويصنعه أبناؤهم وأحفادهم وأبناء عدن والوطن الغالي الذين لم يقتلوا بذرة الحلم فيهم ، ولافيه، حتى وإن اشبعوا أرضهم الطيبة بالدم والخوف .
 نم غرير العين  صديقي العزيز أنور خان . أسأل الله لك الرحمة والمغفرة وجنات النعيم ..
لروحك السلام.. ولعدن المحبة..  
ولاسرتك وزملائك الصبر والسلوان .