الصمت الذي يسبق العاصفة !
الصمت الذي يخيم على الشعب اليوم يثير تساؤلات عميقة حول ما الذي تغير مقارنة بالماضي، خاصة إذا ما قورنت الأوضاع الراهنة المعقدة بما كانت عليه في عهد الرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح، والتي كانت سببًا بخروج الناس للشارع بمطالبة رحيل النظام.
في تلك الحقبة كانت أي زيادة طفيفة في أسعار المواد الأستهلاكية والمشتقات النفطية وارتفاع سعر الدولار تشعل الشارع اليمني بتظاهرات غاضبة تطالب بالعدالة ومحاسبة المسؤولين، أما اليوم، فقد تضاعفت الأسعار آلاف المرات، وانهار الاقتصاد بشكل غير مسبوق، وتجاوز سعر البترول والدولار كل الحدود الممكنة، ومع ذلك، نجد الشعب صامتاً، وكأن المعاناة أصبحت جزءاً من حياته اليومية.
الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه، التي كانت تعد خطوطاً حمراء في عهد صالح، أصبحت اليوم شبه معدومة، انقطاع الكهرباء لساعات كان يقابل بسخط شعبي واسع، أما اليوم، فإن الانقطاعات تمتد ليوم كامل، والمياه تكاد تكون معدومة، ولجوء الناس إلى حفر الآبار بأنفسهم لتأمين احتياجاتهم، ورغم هذا التدهور الحاد، لا نجد سوى شعب يلتزم الصمت، وكأن هذا الوضع الكارثي أصبح قدراً لا يمكن تغييره.
الفساد، الذي كان ينتقد بشدة في عهد صالح، أصبح اليوم حالة طبيعية ومعلنة، المسؤولون ينهبون المال العام بلا خجل، ويتفاخرون بمناصبهم وثرواتهم، بينما المواطن البسيط يكافح لتأمين قوت يومه.
ازدواجية الوظائف العامة، التي كانت تعد ظاهرة مرفوضة في الماضي، وكان الحديث عن استئثار المسؤولين وأبنائهم بوظائف الدولة يثير غضب الشارع، أما اليوم، فقد أصبحت هذه الظاهرة أكثر استفحالاً، كُل قائد أو مسؤول بات يستحوذ على عدة مناصب في وقت واحد، ويمارس سيطرته على الموارد والموازنات لبناء ثرواته الشخصية، ولا نجد أي تحرك شعبي يطالب بالعدالة أو بوضع حد لهذا الاستغلال الفاضح.
حتى الرواتب، التي كانت تعتبر قضية مصيرية إذا تأخرت لبضعة أيام، يعلن الناس التأهب لثورة شعبية، أصبحت اليوم تصرف بعد شهور طويلة وبالأثر الرجعي، وكأنها منّة تمنح للموظفين، ومع ذلك لا نرى أحد يحتج أو يعترض، وكأن الشعب قد استسلم تماماً لفكرة العيش تحت وطأة الفقر والإذلال.
أما القمع السياسي والاجتماعي، فقد كان في الماضي يقابل برفض واسع، ومظاهر عسكرة الحياة المدنية والسجون السرية كانت تعد ممارسات مستفزة تثير غضب الناس، أما اليوم، أصبحت هذه الممارسات جزءاً من الحياة اليومية، لكُل جهة أمنية سجونها الخاصة، والأطقم العسكرية تجوب الشوارع، ويمارس الجنود أساليب الترهيب العلني بحق المواطنين، ومع ذلك لا نرى سوى صمت مطبق، وكأن الخوف قد أصبح جزءاً من تكوين هذا الشعب.
كمان نرفض الجبايات والرسوم غير القانونية التي تفرض على المواطنين، ونعتبره شكل من أشكال فساد الدولة، وظلمها لمواطنيها، أصبحت اليوم الجبايات تشرعن بسندات وهمية وبقرارات رسمية تثقل كاهل المواطن، وتسلبه ماله الذي يصرف لجهات وشخصيات تمارس الابتزاز المعلن، ومع ذلك صمت الناس وكأنهم فقدوا النطق على مواجهة الباطل، والسكون حيال نهب الأموال دون وجهة حق.
هذا الصمت الشعبي ليس مجرد غياب للاحتجاج، بل هو انعكاس لفقدان الأمل والثقة في إمكانية التغيير، لقد أصبح الشعب محاصراً بين مطرقة الأزمات الاقتصادية وسندان القمع السياسي، مما جعله يعيش حالة من الشلل الجماعي.
السؤال الذي يفرض نفسه: هل سيستمر هذا الصمت إلى الأبد؟، أم أن هناك لحظة قادمة قد تعيد للناس صوتهم وكرامتهم؟، الصمت ليس دائماً علامة رضا، لكنه قد يكون الهدوء الذي يسبق العاصفة، عاصفة قد تغير مسار هذا التاريخ الأسود، الذي جعلنا نعيش في حجيم لا يطاق !.