إن شخصية السارد في سردية (أشيائي) تطلعت في بداية مشوارها الصحفي لأن تجري مقابلة مع سالم ربيع علي رئيس جمهورية اليمن (الديمقراطية الشعبية) لكنها أخفقت، وسبب لها هذا الإخفاق خيبة أمل تبعتها وخزات من الألم، أتى ذلك على لسان السارد نفسه. ويبدو أن وجع الإخفاق لم يشف منه، بل ظلت وخزات الخيبة توخز قلبه. وبعد مرور أربعين سنة من هذه الخيبة. وبعد أن أعدم سالمين من رفاق دربه باسم الحفاظ على نقاوة التجربة ولمعانها اليساري المقدس مثلما يزعم من أعدموه. تصاعد المترسب من الخيبة في أعماق السارد نفسه، فقرر أن يكتب عن (سالمين) عبر وسيط لازال حياً يرزق، بعد أن فوت عليه الزمن حلاوة المقابلة الحية وجهاً لوجه مع سالمين حتى يتقدم بخطوات قوية في عالم الكبار من أهل الصحافة.
إن المقابلة الحية مع (سالمين) تم التعويض عنها بما سردته شخصية الوسيط الغامضة الهوية التي اشترطت ألا يكشف عن اسمها في بداية الأمر، لكنها لم تصر على شرطها إلى النهاية، بل تنازلت عنه. وربما بعض القراء تمنوا بينهم وبين أنفسهم ألا تكشف هذه الشخصية في داخل السردية. وربما يفسر هذا التنازل عند القارئ، أن ما كان سراً تتفتت سريته مع الزمن وبخاصة في عالم السياسة. والسردية حينما كشفت عن اسم الشخصية الوسيطة لم تكشف عن عملها بالتحديد واكتفت بترديد عبارة (يعمل في الرئاسة) لكن الراوي نفسه الذي يروي للسارد سرب من دون أن يدري طبيعة المنصب الذي يحتله في تشكيلة دائرة الرئاسة في ذلك المكان الذي روى فيه كيف كان يبادر مع زميله على توصيل تلك الأميرة الحسناء اللحجية بسيارة عبدالله بن سلمان، لأن العودة إلى جولة الشيخ ترهقها، فحفاظاً على كرامة جمالها من المضايقات... قال (كمدراء دوائر لم تكن عندنا سيارات...) ويستنتج القارئ أن هذه الشخصية الوسيطة ماذا كان منصبها بالضبط. وبالمناسبة فإن هذه  الشخصية الطريفة التي استندت عليها السردية في معلوماتها عن (سالمين) لم تدون بعض الصور عن حياته وأسلوب عمله وإخلاصه في خدمة الفقراء، بل دونت أيضاً صورا من حياتها الشخصية إلى درجة أن القارئ يشعر في بعض الصفحات بتراجع اسم (سالمين) وتقدم هذه الشخصية خاصة في الرحلة إلى يافع ، وما كشفته هذه الشخصية الوسيطة لا يُعد سِفرا عن إنجازات سالمين، ولا انتهاكا لأسرار خطيرة عن الدولة، بل عن (سالمين الإنسان) باستثناء ذلك الموقف عن زيارة الأمين العام للتنظيم السياسي الجبهة القومية عبدالفتاح إسماعيل للاتحاد السوفيتي، ولكن قبل الزيارة اعتذر (برجنيف) عن استقباله على الرغم من أن الزيارة قد رتب لها مسبقاً وتمت الموافقة، فاستاء من هذا الموقف (سالمين) وكاد الاستياء أن يؤدي إلى أزمة دبلوماسية بين البلدين، وربما كان الرئيس برجنيف مشغولاً بمشاهدة أحد المباريات لكأس العالم ، وما يدفع القارئ إلى أن يقول مثل هذا القول هو ما تفوه به السفير السوفيتي( أوليغ بيريسيبكين) في كتابه اليمن واليمنيون .فهذا السفير أقر بأن برجنيف في مرة من المرات اعتذر عن مقابلة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح بحجة أنه مشغول بمشاهدة مباراة لكأس العالم وفضل مشاهدتها عن مقابلة الرئيس صالح، فهذا الزعيم الشيوعي لم يفعلها مع عبدالفتاح إسماعيل المحسوب على الجنوب اليمني والمتحمس لفكرة حرق المراحل، والرجل المحبوب في الكرملين، بل فعلها مع علي عبدالله صالح. والسفير نفسه يكمل القصة ويقول بما معناه.. حاولنا أن نقنع برجنيف بضرورة اللقاء لكنه لم يقتنع، في الأخير أقتنع بعد أن أخبرناه بأن الرئيس (صالح) يحمل معه هدية خاصة له، وهي عبارة عن ساعة ثمينة، والسفير لم يذكر أن في الساعة صورة (لصالح) أم لا لأن أغلب الرؤساء اعتادوا أن يهدوا ساعات إلى رؤساء الدول مصورة فيها صورهم الشخصية.
وبمناسبة الساعات والهدايا فإن السردية ذكرت على لسان الوسيط الذي يعمل بالرئاسة أن (سالمين) لا يحب أن يهدي الرؤساء ولو حتى من البلدان المحسوبة على النجمة الحمراء ساعات مصورة فيها صورته، ولا يهديهم قطعا أثرية من جنوب اليمن لأنه يعد ذلك تصرفا يسيء إليه قبل أن يسيء إلى وطنه، ولا يجوز لا قانوناً ولا أخلاقاً. لأن يتصرف في ثروة عامة هي ملك للوطن، وكل ما يهديه لم يتعد الجنابي والمنسوجات اليدوية والبن اليمني للضيوف الكبار . (فسالمين) هنا سلم آثارنا من العبث ولم يستخدمها وسيلة للمجاملات الدبلوماسية لإرضاء هذا الرئيس أو ذاك، او إرضاء هذا السفير أو ذاك. وبمناسبة لقب (سالمين) الذي أتى إليه من تاريخه النضالي ضد الاستعمار ورضي به، وطغى على اسمه الحقيقي، والجماهير في الداخل من العمال والفلاحين والصيادين والبسطاء لم يعرفوا إلا اسم (سالمين) وارتبطت هتافاتهم به، فأحبه الفقراء والمهمشون من الناس حتى إنهم هتفوا له دون أن يدركوا إلى أين يمضي بهم، المهم أنهم أحسوا بكيانهم وذواتهم مع سالمين فهو من جعل لهم قيمة في النسيج الاجتماعي فهتفوا (سالمين قدام قدام سالمين مانحاش أخدام)(سالمين نحن أشبالك وأفكارك لنا مصباح وأشعلناها ثورة حمراء باسم العامل والفلاح). 
واللافت أن سردية (سالمين) لعمار باطويل انحازت شخصيتها الرئيسة لاسم (سالمين الرئيس)، وهي محسوبة على شريحة العبيد، إلا أنه لم يرق لها اسمها؛ لان من أختاره لها سيدها، وكانت تتضايق كثيرا من هذا الاسم الذي يذكرها بسواد لونها، لهذا السبب أوصى أولاده من بعده ألا يسموا أحدا من أولادهم سالمين، وأن لا يتزوجوا إلا النساء البيض. هذه الشخصية حينما سمعت باسم سالمين الرئيس لجمهورية اليمن الديمقراطية ، ابتهجت وتيقنت أن اسم (سالمين) ليس اسماً نكرة، ولا محط إهانة من الناس بل اسم لحاكم يأمر وينهي .إن هذا الاسم أدخل البهجة في داخله ومنحه حزمة كبيرة من الشعور بالحرية. ولعمار باطويل نفسه سردية أخرى معنونة ب(عقرون 94) يجد فيها القارئ شخصية أخرى تمجد (سالمين) وترفع من شأنه وترى فيه رمزاً بطولياً وهو حاميها من الأعداء، ففي حرب 94 بين الجنوب والشمال يعثر القارئ على مشهد داخل السردية على لسان أيوب يقول( قال أبوي إن الرئيس سالمين هو الذي علمنا نحن الفلاحين معنى الحياة وكرامة الإنسان ولولا سالمين لضعنا، وتهنا أكثر). وقال أبوي (ياعقرون لو كان الرئيس سالمين حياً لما فكر علي عبدالله صالح أن يطلق فشفوش في سماء عدن، ولو فعلها صالح في عهد سالمين فسوف يرسل إليه إلى صنعاء من يقص شنباته ويجعله مثل وحدته بلا شنبات ولا كرامة) وفي مكان آخر من سردية عقرون نجد أن والد أيوب تحولت عنده شخصية سالمين إلى أيقونة؛ لأنه دافع عن أصحاب البشرة السوداء فالوالد يقول على لسان أيوب (هؤلاء يكرهون سالمين لأنهم يكرهون النور، ولم يكن سالمين إلا نور يقود الشعب إلى القمة، أما الفاسدون فيقودهم إلى قبورهم. هؤلاء مثل جماعة قريش الذين عذبوا سيدنا بلال لأنه أسود... فرفع من قيمته سيدنا (محمد صلى الله عليه وسلم ... وجعله مؤذنا للمسلمين).
ولعل هذه الشواهد تدلل على ما ذكره وسيط سردية بحاح من حب الناس لسالمين فحبه لهم ظل يدوي في سماء نفوسهم ولم تمحه الأيام.
إن سالمين كان يعتني بحل مشكلات الناس الذين يطرقون باب الرئاسة في عهده وهو لا يتحيز لرفاق دربه من مناضلي حرب التحرير، بل يفتحه للفقراء والعجائز والأميرات المحسوبات على العهد البائد مثلما أكد ذلك الوسيط اللطيف بوساطة التقاطاته الذكية للجوانب الإنسانية عند (سالمين)، فرفاقه الذين شاركوه حمل السلاح لا يتعامل معهم على طريقة الرئيس والمرؤوس ، بل يتعامل معهم بمقاييس الود والمحبة ، فحينما يأتون إليه ويصادف عنده ضيوف مهمون لا يتردد في أن يستضيفهم إلى موائدهم، ولا يتحرج من طريقتهم في الأكل التي لا تحسن الأكل بالشوكة والسكين، فتسمع قرقعة الصحون وصوت الشوك والسكاكين.
إن الاعتناء الجاد لحل مشكلات المواطنين من موظفين وغيرهم، جعلهم يمتنون ويكتبون رسائل شكر إلى دائرة الرئاسة وكان ذلك يريح الوسيط العامل في الرئاسة فتمطر سحب قلبه بالفرح والبهجة ويشعر أنه لا يعبث، بل يعمل عملاً مثمرا يفيد الناس. 
أما أسلوب عمل سالمين فقد كان لافتاً بجديته وإخلاصه اللامتناهي، فالقارئ يشعر وهو يقرأ السردية المحكية بلسان العامل في الرئاسة بتصاعد درجات الإعجاب بهذه الشخصية التي تنهض من الصباح الباكر وكلها حيوية ونشاط وعازمة بإصرار على النزول إلى هذه التعاونية الزراعية ، ثم إلى تلك التعاونية السمكية ، ليتأكد من سير العمل فيهما ، ويكثر من النزول إلى وزارتي الزراعة والثروة السمكية، ويلتقي بمديري الدوائر، ويتابع بنفسه حاجات السوق من الأسماك والمنتجات الزراعية، ولا يهدأ له بال إذا حصلت اختناقات في المواد التموينية فيسارع بالاتصال على من لهم صلة مباشرة بهذه الاختناقات ويحثهم على البحث عن حل، وإذا لم يستطع أن يتواصل معهم ينزل إلى مواقع عملهم ليحسم هذه المشكلات ولو في منتصف الليل.
ومن مزاياه أنه لايركن في مكتبه، بل يكثر من الخروج إلى الواقع يتلمس ويتحسس مشكلات الناس، ويذهب إلى لحج وأبين كل أسبوع يتفقد مزارع الدولة والتعاونيات. ولعل هذه الطريقة العملية والنزول المتكرر في حل مشكلات الناس ودوائر الدولة بنفسه، جعل البعض يشبه طريقته في العمل بالطريقة العمرية نسبة إلى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وهذا التشبيه فخر له، وليس إدانة ضده وإن اختلف الزمان والمكان، والحقيقة أن الدولة في تلك المرحلة كانت تعاني نقصا في الكوادر بسبب سياسة الثورة الخاطئة بعد الاستقلال مما سبب هجرتها إلى خارج الوطن. وأما الفنان المثقف محمد مرشد ناجي فيرى أن سالمين (قد وقع تحت تأثير حسين نائب السلطان الفضلي في أبين وبلغته اليقينية يقول (وأستطيع أن أجزم بأن الرئيس سالم ربيع علي المشهور ب(سالمين) في أثناء حكمه كان متأثراً كل التأثر بسلوك هذا السلطان في الحكم في مختلف المجالات ...باستثناء المزايدات الأيدلوجية التي يتداولها مع رفاقه. وهذا الكلام على مسؤوليتي) ومعروف عن هذا النائب روحه الإصلاحية فقد كان كثير النزول إلى الواقع ولا يسوف الحلول، بل ينزل بنفسه إلى الميدان ويتابع الحكم وينفذه حتى ينتصب الحق ويحصل المظلوم على حقه.
 ومن فضائل هذا النائب منعه للقات والرشاوي، وحاول أن ينقل التجربة الإدارية في عدن إلى أبين. وسالمين كان يعمل مع هذا السلطان الفضلي قبل الثورة ولهذا السبب تأثر به.
إن الوسيط الذي تحدث عن سالمين في سردية بحاح أظهره رجلا ودودا مع أصدقائه حلو المعشر والحديث، وليس فضاً ينفر منه الناس ولا يخلو حديثه من بالمداعبة والنكتة أحياناً ففي مرة من المرات عندما تأخر عليه الوسيط لم يغضب بل قال له باللهجة الحضرمية (واه ده الرعشة حقك) ولم يكن يفرط في وقته فالوقت عنده هو الحقيقة، ولا يمكن أن نصل إلى ما نطمح إليه في المستقبل دون أن نستثمره، وسالمين كان يستثمر وقته على أحسن ما يرام، فالوسيط لم يشاهده يعبث بالوقت بل غالباً ما يكون ينظر في تقارير لمتابعتها أو مشكلات تريد حلا أو ممسكاً بكتاب يقرؤه، أما بيته فهو في غاية التواضع في أثاثه، إلا أنه عمران بالكتب التي لم تسعها غرفة واحدة، ويبدو أنه فضل الكتاب على فخفخة وفخامة الأثاث. ويشهد الوسيط أن سالمين كان رجل دولة له مهابة ويحترمه الجميع، وهو قادر أن يكتب خطاباً خالياً من الأخطاء النحوية والإملائية في سرعة قياسية. ومن مزاياه حرصه الشديد على المواعيد ليس الكبيرة منها والرسمية بل حتى الصغيرة، وحتى يضمن وصوله في الموعد المحدد يقدم عقارب الساعة ربع ساعة على الوقت المطلوب، ولهذا السبب يقول الوسيط لم يحدث أن تأخر سالمين عن حضور أي اجتماع في أثناء عمله في الرئاسة.
لقد كان سالمين إنساناً نبيلاً ومناضلاً ثورياً زاهداً لا يصغي لصوت المال، بل يصغي لصوت القيم النبيلة التي تدوم، لا المال الذي يزول، وأغلب الساسة اليوم يقرفون من الزهد والنبل، ويبصقون على هذه القيم التي لا تجعل الجيوب عمرانة بالمال الفاحش، أما سالمين فقد مات مديوناً لصاحب البقالة المجاورة لبيته ب 600 شلن.
 إن سردية أشيائي لبحاح لم تعف نفسها من تسجيل حكم تقويمي على مرحلة السبعينيات التي تولى فيها التيار اليساري المنضوي تحت عنوانه (سالمين) فهي تتشكك في صفة اليسارية عند هذا التيار، ثم ترى أن هذه المرحلة هي مرحلة الاختناقات في التموين، وتريفت فيها المدينة، وتصاعدت نبرة معاداة المثقفين باسم الثورية النظيفة، وقل المعروض من المنتجات في الأسواق.
إن سردية بحاح تضايقت جدا من قانون صيانة الوطن وعدته قانوناً سيئ الصيت والسمعة، وسخر منه ويرى أنه زاد الوطن عزلة فوق عزلته. لكن السردية أقرت لهذه السلطة الحزبية التي هيمنت على الوطن بحزمة من الإنجازات منها انتشار التعليم والتطبيب المجانيين على مستوى المدينة والريف... ومدارس البدو الرحل والنجمة الحمراء.. وتعليم البنات على نطاق واسع، وإنشاء جامعة عدن، وكلية التربية في المحافظات، وإرسال البعثات التعليمية للخارج... سنوات انعدمت فيها البطالة واستوعبت المؤسسات والمشاريع التي أقامتها الدولة أعداد الخريجين، وحتى غير الخريجين).
تمت