اكذوبة الأرض الموعودة

نصر صالح 

   "إسرائيل" الحالية مصطنعة، تكونت من يهود أوروبا أتوا بهم من بريطانيا وفرنسا والمانيا وبولندا واوكرانيا وروسيا وأضيف إليهم أعداد من اليهود العرب ارغمتهم بريطانيا بالقوة على ترك بلدانهم الأصلية في 1947 و1948 والتوجه إلى فلسطين لتغذية "إسرائيل" بالسكان وجعلها موطنا خاصا لليهود حيث كانت تحتل هذه البلدان في تلك الفترة: مصر وسوريا والعراق وشرق الاردن وجنوب اليمن. وغذت الهجرات اليهودية التي أقرها المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا عام 1897 الوجود اليهودي في فلسطين، "فبعد ان كان عدد اليهود في فلسطين 15 ألفاً قبل المؤتمر الصهيوني الاول 1897م، وصل العدد بعد 6 سنوات إلى 25 ألفاً، ثم 40 ألفاً بداية الحرب العالمية الأولى 1914م. وبعد انسحاب الدولة العثمانية واحتلال القوات البريطانية لفلسطين بداية من 1917، أصبح العدد 80 ألفاً، ليرتفع إلى 600 ألف في العام 1947، عندما اتّخذت الأمم المتحدة قرار التقسيم"، بعد ان مكنتهم بريطانيا من احتلال فلسطين تحت اسم "إسرائيل".  

  علما ان الإسرائيليين ليسوا "إسرائيلين" حقيقة، هم يهود فقط. كذلك فالشريعة "اليهودية" او الدين اليهودي مثله نثل بقية الأديان هو معتقد ديني معنويا وليس عرقا أو بلدا كما يقوم بذلك حكام الكيان "ان تكون "إسرائيل" وطن قومي لليهود فقط"، والهوية "الاسرائيلية" تعود لبني إسرائيل الذين ذكرتهم التوراة وكذلك ذكرهم القرآن الكريم.. لكن بنو إسرائيل ليسوا هؤلاء كما سنأتي إلى توضيخ ذلك لاحقا ضمن هذه المقالة.

   وبالعادة يبني السياسيون الغربيون مواقفهم على ما جاء في التوراة، لكنهم لا يعتمدون إلاّ على ترجمات التوراة إلى الانجليزية او الفرنسية او اللاتينية وهذه ترجمات محرفة وعن قصد. فالتوراة بنسختها الأصلية المكتوبة بالعبرية القديمة وهي العبرية السبئية او الصنعانية (وللعلم العبرية السبئية او الصنعانية هي العبرية المعتمدة رسميا في "إسرائيل" حتى الآن)...التوراة الأصلية لا تذكر ان "الأرض الموعودة" كانت هي فلسطين او تقع في اي بقعة بفلسطين على وجه التحديد، ولا تذكر التوراة أن "هيكل سليمان" كان في القدس الفلسطينية الحالية، والتوراة تذكر أن "الهيكل" بُني من الخشب فيما ان ما يزعمونه "حائط المبكى" وأنه الجدار المتبقي منه مبني من الطوب والحجارة، كما لم تذكر التوراة في قصصها أن الهيكل بُني في قدس فلسطين على وجه التحديد...ذكرت فقط أنه بُني فوق جبل "قادش" او قَدَس، و"إسرائيل" منذ إحتلالها للقدس الفلسطينية، تنقب بحثا عن أي أثر للهيكل تحت المسجد الأقصى دون جدوى. وكما نعرف ان المسجد الاقصى وقبة الصخرة يقعان على هضبة صغيرة وليس على قمة جبل وفق ما تقوله التوراة.. وحتى مدينة "أورشليم" لم تحدد التوراة انها كانت في فلسطين، بل ذكرت التوراة ان "يورشليم" بمعنى أرض سليم كانت إلى جوار "بيت بوس" وبيت بوس في اليمن. الحقيقة إن التوراة تتحدث عن وقائع وأماكن في جغرافيا وتاريخ آخرين لا ينطبقان إلّا على جغرافية وتاريخ ومناطق اليمن القديم.. وهذا ما اكده المفكر والباحث والمؤرخ العراقي فاضل الربيعي الذي قصد ان يتعلم العبرية الأصلية (العبرية السبئية او الصنعانية) لكي يتيقن بدقة مما جاء في التوراة الأصلية، مبتعدا عن الترجمة العربية وبقية الترجمات الأخرى باللغات العالمية كونها كما يؤكد الربيعي هي ترجمات محرفة وعن قصد. ووثق فاضل الربيعي ما وجده في اليمن في عدة كتب حيث قام بأبحاث وتنقيبات ميدانية أثرية واركولوجية في مناطق اليمن لسنوات عديدة، وقدّم الكثير جدا من الصور لنقوشات ولتماثيل ومقتتيات ولقيات آثارية قديمة سبئية وحميرية تؤكد أن الشريعة اليهودية والإسرائيليين (بني إسرائيل) ظهرا في اليمن في مملكة سبأ بشمال اليمن بالنسبة لبني إسرائيل، وفي الدولة الحميرية في جنوب اليمن بالنسبة للشريعة اليهودية. (★)

   وعموما، وفضلا عن ما بينه الربيعي، فمنقبوا وعلماء الآثار الصهاينة ذاتهم اكدوا انهم لم يجدوا أي أثر مادي او أركيولوجي يدل على ان الهيكل وكذا "اورشليم قَدَس" في مدينة القدس العربية ولا في أي بقعة من أرض فلسطين، كذلك لم يعثروا على اي أثر يدل على أن اليهود في زمن موسى عليه السلام فروا من طغيان "فرعون مصر" وتاهوا في سيناء 39 سنة وهم في طريقهم إلى فلسطين، إذ نقب علماء الآثار الإسرائيليون في كل شبر من ارض سيناء طوال سنوات احتلال الجيش الإسرائيلي لسيناء على إثر هزيمة الجيش المصري في 1967م.. والأكثر مفاجاة فقد كشف الربيعي أن "فرعون" المذكور في القرآن والتلموذ هو إسم احد ملوك مخاليف سبأ وليس ملكا في مصر القديمة، كذلك فإن مصر والمذكورة في القرآن ليست مصر الذي نعرف وإنما هي "مصرم" او "مصرن" إحدى مخاليف سبأ.

   عالم الآثار "إسرائيل فنكلشتاين"، والذي يُعرف بأبي الآثار، كان قال، لصحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية التي تصدر باللغة الإنجليزية، أن علماء الآثار اليهود "لم يعثروا على شواهد تاريخية أو أثرية تدعم بعض القصص الواردة في التوراة، بما في ذلك قصص الخروج والتيه في سيناء وانتصار يوشع بن نون على كنعان".

   أما فيما يتعلق بهيكل سليمان المزعوم؛ فأكد عالم الآثار الإسرائيلي أنه "لا يوجد أي شاهد أثري يدل على أنه كان موجوداً بالفعل".

   ليس اليهود الصهاينة، وحدهم، الذين يزعمون ان فلسطين هي الأرض الموعودة، فقد شارك في إختلاق هذه الكذبة، علماء لاهوتيون أوروبيون يقدمون انفسهم بصفتهم علماء آثار ومؤرخين واكاديميين، من خلال تقديم ترجمات محرفة للتوراة الأصلية بقصد خلق أحقية لليهود الصهاينة في اغتصاب فلسطين باعتبار انها هي "ارض الميعاد" لليهود. وزعم الاستعمار البريطاني الذي كان يحتل كثير من الدول العربية هذه السردية المخالفة تماما لما ورد في التوراة الاصلية، وأجبر البريطانيون الدول العربية على اعتماد هذا الزعم في كل مناهج الدراسة فيها.. ولا يزال معمول بذلك حتى يومنا، وخلفتها في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية.

_____________

أخبار متعلقة