غالباً، لاأكتب عن المرءإلا بعد أن يرحل إلى العالم الآخر !
 وفي ذلك تعاتبني الأستاذة ضياء سروري رئيس تحرير ( صوت عدن ).
 الحق معها .. ولها وجهة نظر في ذلك.
 ووجهة نظرها أن الراحل "اللي" كان،لو قرأ ماكتبته عنه في حياته،لأسعده هذا كل السعادة،وأشعره بأن ماقدمه في هذه الحياة،يلقى إحترام الآخرين وتقديرهم ولمنحه بعض العزاء بأن جهده وعطاؤه للمجتمع لم يذهب هباءاً، او يقابل بالجحود والنكران .وجهة نظر تُحترم .
 لكن لاحيلة لناياعزيزتي ضياء إذا كان غير مسموح لنا بالفرح،أوإذا كانت أيام الفرح قليلة..
 ماذا نفعل عزيزتي إذَّاكُنا ننتمي إلى أُمة تحتفي بالموت أكثر مما تحتفل بالحياة ؟
 إذا احتفلنابميلاد النبي محمد صلي الله عليه وسلم قالوا لنا انه بدعة، وكل بدعة ضلالة،وكل ضلالة في النار! وإذا احتفل أحدنا بعيد ميلاده،أوعيد ميلاد أحدِِ من أولاده،أوأحفاده،قالوا لنا انه حرام،وأننانقلد الكُفار،ومن قلدهم فهو منهم ..
 ماذا إذاكُنا ننتمي إلى أمة تعتبر الميلاد خطيئة،والموت بطولة؟!
 لهذا ترى الناس يحتفلون بيوم موت فلان أوعلاٌن من عظماء الأمة،وكُتابها، وشُعرائها عِوض أن يحتفلوابأعياد ميلادهم.أو بمنجزهم العلمي أوالأدبي. الموت ُمقدس!أماالحياة فلاقيمةلهاعندنا
.لهذا ماأن يموت أحدنا، حتى لانصدق ! فنسارع إلى تدبيج برقيات العزاء،وكتابة بيانات النعي،ونسهب في ذكرمحاسنه،وربما نخترع له مزايالم تكن له أوفيه.ليس ذلك فقط.بل أن البعض من هؤلاء
،كانوا ممن يناصبون "المرحوم" العداء في حياته،ويضعون العصي في دواليب نجاحه!وكثيراً ماتسببوا في أذاه...
أعرف ان هذه "الكومة" من الكلمات والمقالات لن تفيد "الراحل" بشيء،لكننا نواسي بهاأنفسنا،وكأننا نرى فيهاأرواحنا المقهورة،أو نكتب بيان نعينا دون أن ندري !!                  
                       2
 وعودة إلى عنوان الموضوع،وصاحبه الصديق الغالي عبدالرحمن ثابت،فإنني كنت أؤجل الكتابةعنه في حياته لسبب لا أدريه.ولهول الصدمة،لمانعاه الناعي لم تطاوعني الحروف أمام رهبة الموت أن أكتب عنه وقد انتقل إلى الرفيق الأعلى.  تدثرت بحزني،وسوادي،وذهبت لتقديم العزاء لإبنتيه الدكتورة مناهل والطبيبة د .ناهوند في مجلس العزاء الذي أُقيم في السفارة اليمنية في القاهرة،وحضره حشد كبير من أصدقاء ومُحبي الفقيد من الناس الطيبين،الذين أجمعوا على حب عبدالرحمن ثابت،وجمعهم الحزن على فقده تلك اللحظة.
  هل يستمر الحزن كل هذه الاعوام ؟
عبدالرحمن لم يكن إعلامياً ومذيعاً صاحب صوت مثقف فقط،بل شاعراً أيضاً،وإنساناًمرهف الإحساس، بكل ماتتسع له الكلمة من معان النبل والجمال والأناقةوالثقافةوحب الحياة والناس .
وكان صديقي ..
هل تعلم ياصديقي؟ منذ سنوات وأنا أقاوم هذا الحزن دون فائدة! وقد عجز هذا القلب عن تحمل الألم. 
                       3
ولد عبدالرحمن ثابت في 2نوفمبر سنة 1947م،ويعد من طرازالمذيعين، المميزين الذين لايعتمدون فقط على الوسامة،وجمال الصوت ،بل أيضاً على الثقافة،والذكاء،والحضور اللافت.نحتَ إسمه عبرسنوات طويلة من العمل المثابر في الإعلام المرئي والمسموع، في إذاعة وتلفزيون عدن،ثم في الــ BBC ،وشغل العديد من المواقع القيادية بالإضافة إلى عمله كمذيع ومقدم برامج،فكان مدير البرامج في إذاعة عدن،ومدير التلفزيون لسنوات عديدة .تخرج من جامعة عدن وحاصل على شهادة الثقافةالعامةG.C.E من جامعة لندن عام1965م،والتحق بالعمل في إذاعة عدن في يناير عام 1966مذيعاً،ومقدماً للبرامج،وفي نفس العام ظهر مذيعاًفي تلفزيون عدن الذي بدأ إرساله سنة 1964م.
                       4
 تعود علاقتي بصديقي عبدالرحمن ثابت إلى عدن،تلك المدينة الجميلة التي نحبها حتى الثمالة.نستغرق في العمل فيها.
نشعر بسعادة غامرة، وننسى اننا بشر نحتاج إلى الراحة،لهذا لم تكن لقاءاتنا كثيرة،إذ أن الانهماك في العمل اليومي في الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب لم يكن يترك لناإلاٌَ القليل من الوقت لنلتقي،خاصةعندما نكون في موقع المسؤولية، ومع ذلك،كنا نسرق بعض الوقت ونهرب إلى البحر نلقي إليه بتعبنا،ونرجوه حمل همومنا،ومدنا بطاقة متجددة. 
 ثم توثقت علاقتي به في صنعاء، في آواخر الثمانينيات من القرن العشرين، حيث كان يعمل مع السفارة اليابانية -كبير المساعدين لسعادة سفير اليابان- مشرفاً على العديد من المشاريع التنموية التي قدمتها ونفذتهااليابان في اليمن، واستحق عليها أوسمة الشرف والنزاهة من الحكومة اليابانية في بلد ينخره الفساد ويعتبر سرقة المال العام ثقافة مشجعة من أعلى مستويات الدولة.! ..وقبل ذلك عمل لدى الخطوط الجوية اليمنية، مديراًلتحريرمجلة(اليمنية)،
ومديراًللعقود الدولية.
                       5 
- لماذا لم تعمل في مجال تخصصك في إذاعة صنعاء،أو تلفزيونها؟ 
أجاب على سؤالي بسؤال:
- ومن قال لك اني لم أحاول ؟!
 وضحك تلك الضحكة المريرة، قبل أن يحكي لي الحكاية:
تقدمتُ لوظيفةمذيع، طلبوا مني الحضور لإجراء مُقابلة، وهذا امرٌ طبيعي يحدث في كل الدنيا.ذهبتُ في الموعد،وهناك أجلسوني إلى طاولة أشبه بتلك التي توضع في المقاهي،أو مطاعم "المخبازة" وفوقها مايكرفون.وضعواأمامي قصاصة مقطوعة من جريدة مُهترئة، وقالوا لي : 
 - اقرأ...
 قلت لهم :
   - ماذا أقرأ ؟
   - اقرأ المكتوب في الورقة ...
  لحظتها أحسست بالمهانة،اناعبدالرحمن ثابت صاحب التاريخ الإعلامي العريق والمُذيع الأول في إذاعة وتلفزيون عدن ، ومدير البرامج،وكنت مدير التلفزيون فيه ايضاً،أخضع لاختبارصوت وبتلك الطريقة المُهينة؟!وأين؟وممن؟لحظتهاعرفت انهم لايريدون توظيف مذيع من عدن،لم يقولوا لي ذلك مُباشرةً لكن قالوها بتلك الطريقة.الحليم تكفيه الإشارة! والباب يفوت جمل ...
توجه صوب لندن، إذاعة الBBC القسم  العربي، حيث لاقى من يقدر خبرته وتاريخه،فتم اختياره من بين أربعين متقدماً من عدد من البلدان العربية،بعد أن تجاوز كل الإختبارات، وهي شهادة على تفوقه وألمعيته،كما وصفه الكاتب نجيب اليابلي حيث عمل مذيعاً ومعداً ومقدماً للبرامج لعدة سنوات في ال بي بي سي ( القسم العربي ).بالإضافة إلى قراءته للأخبار والتعليقات،أعد وقدّم في إذاعة لندن برنامجاًخاصاً ارتبط باسمه بعنوان (الواحة)،استضاف شخصيات مرموقة سياسية وثقافية وفنية، لعل من أبرزهم الفنانين الكبيرين أحمد بن أحمد قاسم وابوبكر سالم بلفقيه. 
                         6
في صنعاء،غالباًكُنانلتقي في منزل الشاعرعبدالصمد عبدالجبار ردمان في الحصبة،بحضورالفنان المُلحن حسين فقيه،(شقيق الفنان حسن فقيه،والفنانة فتحية الصغيرة).وكان الشعر وانغام العود حاضرين على الدوام.وكان من حضور تلك الجلسات الشاعر السوداني المرموق سيد أحمد حردلو سفير السودان في صنعاء حينها، صاحب الكتاب اللافت جداً ( يلعن أبوكي بلد! ) وكنت قرأته في مكتبة أخي محفوظ في الديس الشرقية بحضرموت في وقت من قراءاتي المبكرة.وسرعان ماصرناأصدقاء.
والحردلو عمل مدرساً في حضرموت قبل إستقلال الجنوب والتحاقه بالسلك الدبلوماسي،وله عدة دواوين، من بينها ديوانه الصادر في 1999م(أنتم الناس أيها اليمانون)، كما كان يحضرها بصفة دائمة السفير الليبي في صنعاء،الذي كان معجباًبشعر عبدالصمد وطبع له أعماله "الكاملة" كما أن أحمد قاسم لحن له عدة أغنيات لعل من أهمها(طائر الحب)ولحن له حسين فقيه عدة أغنيات. وممن كانوا يحضرون تلك الجلسات الفنان محمد صالح شوقي صاحب أغنية (ياشارح الحول ) وعدة أغان شعبية،وكان يشكل الخط الثالث في الأغنية التعزية إلى جانب أيوب طارش وعبدالباسط العبسي، لكنه أصيب بالإكتئياب في سنواته الأخيرة واعتزل الغناء،واحرق أشرطة أغانيه،فحرم الناس من صوته ومن حياته ! وكنت والدكتور نزار غانم نشارك في حضور تلك الجلسات في منزل الصديق عبدالصمد عبدالجبار،كلماأُتيحت
 لنا فرصة.
                      7
 في القاهرة التي سبقني إليها،واستقر فيها،ألتقيت صديقي عبدالرحمن ثابت،
بعد سنوات انقطاع،قادماً إليهامن دمشق حيث قضيتُ أعواماً تقارب العشرفي ربوع سورية بين بساتين الشام وبحر
اللاذقية على المتوسط،وغابات السنديان والسوح والأرزفي صلنفة،وكسب دائمة،الإخضرار ،قبل أن تعصف بسورية رياح الربيع العربي،الذي سرعان ما أصبح عاصفاًودموياً ..
 اتصلت به على "الموبايل"، وقلت له : 
- أنا في المحروسة .
 شعرت بالفرح في صوته، هنأني بسلامة الوصول، وقال لي:
 - نلتقي في "مقهى انديانا" بعد ساعة .وجدته في إنتظاري عند المدخل، أخذني بالأحضان، لا شيء يُعادل الفرح بلقاء صديق عزيز بعد سنوات من الغياب ...
في القاهرة،استعدنا ماانقطع من علاقتنا بسبب أوضاع اليمن والوطن العربي التي لاتستقر على حال،كبرنا في العمر،وهرمنا قبل الأوان،ليس بحكم تقدمنا في السن فحسب،بل بسبب ماعشناه،ورأيناه من تقلبات وحروب ومآسي في وطنناالعربي
،لكن ظلت لنا تلك الروح الشابة،والطفولة التي لاتكبر.وعادة نحن الذين نشتغل في حقل الإعلام،نكون أول من ينقل هول الأحداث للناس،وأول من يتأثر بها، وأول من تصيبهم شظاياها،وفوق ذلك مطلوب مناالحياد.وهوأمرٌ فوق الطاقة،وفوق الإحتمال ! 
 - تركنالهم الخراب الذي صنعوه ليحكموه!وهربنا بالوطن الجميل الذي أحببناه وحلمنا به.
عبدالرحمن لم يتغير كثيراً، لايزال وسيماً برغم انه كان يخطونحوالسبعين مثلي،أنيقاًكماعرفته،وابتسامته العذبة،تشبه إبتسامةبراءة الطفولة،التي كان يطل بها من الشاشةالصغيرة.كل ماطرأ عليه شعرٌ أبيض زاده وقاراً، ووزنه زاد قليلاً،وعصاً أنيقة،ليس لإستكمال وجاهته، بل لأنه كان يُعاني من آلام في ركبته، ويستعين بها على صعود السلالم ،وعلى المشي.
ومنحته السنين خبرة وحكمة.كل شيء يذكرني فيه بعدن، تلك المدينة الجميلة التي سرقوها ِمنا، وكنت وإياه نعبر عن حزننا على ما آلت إليه حتى دون أن نقول الكثير،ودون أن نفقد الأمل.كُنا نحافظ على الأمل والأشواق حتى النهاية.
في القاهرة،كُنا نلتقي أكثر مما في عدن أو صنعاء.والقاهرة تمنحك تلك المساحة من الجلوس على حافة النيل مثلما كانت التواهي، تمنحناالجلوس على حوافي بحرها الجميل، وحريةالإختيارات المتعددة لتلتقي باصدقائك، وقضاء وقت ممتع معهم.عبدالرحمن خِلال إقامته في مصر،كوٌَن العديد من الصداقات مع طيف واسع من المصريين واليمنيين من مُختلف الأعمار،وكنتُ الآن عضواً جديداً في "جروبه" هذا ... 
لاشيء أجمل من حديث الذكريات، يتدفق من شفتي عبدالرحمن،إذا تحدث فحديثه ممتعٌ لايُمل،وصوته اقرب للهمس على عكس مايبدوعندما يقرأ نشرات الأخبار في الإذاعةوالتلفزيون
،أوتقديم البرامج،التي قدم الكثيرمنها أثناء عمله في إذاعة وتلفزيون عدن أوراديو ال بي بي سي.ومن أهم هذه البرامج وأضخمها قصة حياة الشاعر الراحل لطفي جعفر أمان الذي قدمه في ثلاثين حلقة إذاعية، تتّبع خَلالها تاريخ الشاعر الكبير منذ ولادته حتى وفاته. لطفي أمان ليس شاعراًفقط،بل فنان شامل،متعدد العطاءوالإبداع.فقدم لطفي المعلم والتربوي،ولطفي الشاعر الرومانسي والوطني.ولطفي الكاتب والناقد، ولطفي المذيع والممثل ،ولطفي الملحن والرسام .ولطفي الإنسان. ولم يكن غير لطفي يمكن أن يتسع لكل هذا الإبداع رغم حياته القصيرة.ولم تكن غير عدن يمكنها أن تستوعب فناناً بكل هذه المواهب،وماكان غير للإعلامي المثقف عبدالرحمن ثابت أن يُلقي الأضواء على كل هذا الألق عن حياة الشاعر الكبير لطفي أمان" الذي كان من أوائل الأصوات في إذاعة عدن عند افتتاحها سنة1954 إلى جانب كل من الشيخ عبدالله حاتم ،والشاعر محمد سعيد جرادة.
                       8  
 كانت أغلب جلساتي معه في القاهرة ، في "كافتيريا انديانا"، في الدقي حيث نحتسي القهوة ونتبادل أطراف الحديث، ونستعيد بعض ذكريات الزمن الجميل الذي لم يعدكماكان.لكنها لم تكن ثرثرة كهلين على المعاش،فالإبداع ليس له عُمر، وقد يعن له، في مرة من المرات،أن يتحدث وهو يضحك تلك الضحكة التي تحمل أكثر من معنى،عن نجاته من حادثة طائرة "اليمدا "التي سقطت في بحرخورمكسر،وكيف مشى سيراً على قدميه إلى بيته وهو في حال ذهول وغير مصدق !ان عُمراً جديداً وهُب له !
 أوفي مرة أخرى،أن يحكي كيف رافق الرئيس الأول للجمهورية قحطان الشعبي في أول زيارة له بعد أن تولى السلطة عقب الاستقلال في30 نوفمبر1967م ، إلى بيونج يانج.كان عُمره حينهافي  العشرين فقط، ومطلوب منه تغطية زيارة الرئيس لإذاعة عدن .كانت هذه أول مرة يرافق فيها رئيس جمهورية،أول تجربة له في تغطية خارجية،خارج البلد،في بلد يبعد عشرات آلاف الكيلومترات،التجربة الأولى لإذاعة عدن في هذا النوع من التغطيات الخارجية، في ظل إمكانياتها المحدودة، وعدم توفر وسائل إتصالات حديثة كما هو الحال اليوم .
عبدالرحمن راحت عليه نومة، ولم يستيقظ في الوقت المحدد،فلم يتمكن من تغطية مُباحثات الرئيس والزعيم الكوري كيم ايل سونج،في اليوم الأول للزيارة، وهي أول زيارة يقوم بها زعيم عربي لكورياالشمالية.وقد علق الرئيس على ذلك عندما رأى "صِغر "سن المذيع المُكلف بتغطية زيارته بطريقته اللحجية الساخرة:
 - جابوا لنا عويلة...!
 لم يأمر الرئيس بإتخاذ أي إجراء بحقه، لكن عبدالرحمن تعلم الدرس،فلم يرتكب ذلك الخطأ مرة أخرى، في مرافقاته للرؤساء اللاحقين إلى العديد من العواصم،منهاالكويت،وايثوبيا،وبلغاريا، وتشيكوسلوفاكيا، والإتحاد السوفيتي ، وقام بعمله على خير مايرام.ومن يدري لعلهم لايكونون بنفس أريحية وطيبة الرئيس قحطان الذي لم يستمر طويلاً في الحكم !
 وفي مرة أخرى وكنا نحتسي القهوة في "كافتيريا انديانا" قال لي : 
   - هُنا كان يجلس قحطان الشعبي قبل أن يصبح رئيساً.!
  وأشار إلى إحدى الطاولات،ثم إلى طاولة أخرى :
 - وعلى تلك كان يجلس صدام حسين قبل أن يصير رئيساًللعراق !
 ضحكت،وانا أتذكر مصيرالرجلين،فعرف مايدور في خلدي فقال لي بطريقته الساخرة:   
- اطمئن، لا أنا ولاأنت سنصبح رؤساء !      وأضاف: 
 - في هذا العمر ....!  وواصل ضحكته .
                       9 
وفي مرة وحيدة ونادرة ،حكى لي وهو يضحك،كيف وجد نفسه ذات يوم وفي عز ظهيرة شمس عدن الغائظة،يمسك بخيط طويل يقيس مساحة في فضاء مكشوف! غضب عليه وزير الإعلام دون أن يذكر اسمه - ربما لأنه لايستحق ذلك - وأحاله من مذيع في الإذاعة والتلفزيون إلى إدارة الأراضي !!
لم يكن الوحيد الذي ناله إجراء الوزير ، بل طال أيضاً المذيعة المرموقة عديلة إبراهيم التي اضطرت العمل موظفة
استعلامات في فندق  "الامبسادور" بالتواهي،وربما كان هناك آخرين أيضاً نالتهم إجراءات الوزيرإياه غير الرشيدة..! 
 يالتلك الحماقة التي ارتكبها !
كيف اتته الجرأة،فحرم الإذاعة والتلفزة  من خبرة إعلاميين ومذيعين مشهورين،والمستمعين من صوتين مثقفين من أجمل الأصوات؟لكنه الجهل المُركب وعقدة النقص اللتين دمرتا عدن في العديد من المجالات، بكل ماحمله أصحابها من حقد ضد المدينة وأبنائها، ومثقفيها،وخبراتها الإدارية والمالية وموروثها الثقافي والمديني.لكن هذه المدينة يصعب كسرها، فبعد ثلاث سنوات قضاهاعبدالرحمن ثابت بين إدارة الأراضي ووزارتي الإسكان،والمواصلات اكتسب خلالهاالعديد من الخبرات الجديدة طار الوزير، الذي لم يستحق منه  ان يذكر مجرد اسمه 'وعاد عبد الرحمن إلى الإذاعةمديراً للبرامج.
                        10
 بعد أيام قليلة، من وصولي إلى القاهرة، استضافني عبدالرحمن في منزله في شارع سورية،حيث عرفني إلى حرمه السيدة الفاضلةنجاة قصامي التي قامت بواجب الضيافة على الطريقة العدنية، كان غذاءاً بسيطاً،وبدون تكلف.ثم عرفني إلى ابنته الدكتورة مناهل رئيس مجلس عباقرة العالم عند زيارتها لمصر ، وكانت تلك المرة الأولى التي اتشرف بمعرفة العبقرية العدنية التي شغلت العالم خلال
 السنوات الأخيرة.كان عبدالرحمن ماينفك يتحدث عنها خلال جلساتي معه،وعن أختها الدكتورة ناهوند،عضو مجلس إدارة نقابة أطباء الأسنان في مصر، وكان يرسل اصدقاءه القادمين من اليمن لمعالجتهم إلى عيادتهاالخاصة،ويُوصيها بهم،فيثنون على مهارتها.
الدكتورة ناهوندثابت،قصة نجاح أخرى لإمرأة من عدن، فهي استشاري طب الفم والأسنان وجراحة الوجه والفكين،عضو مجلس إدارة الاتحادالعالمي لطب الأسنان FDl، ممثل الإتحاد الفيدرالي الدولي لطب الأسنان، عضو مجلس نقابةأطباء الأسنان في مصر.      
                      11
كثيراً،أفتقدك ياصديقي عبدالرحمن .. كلما ذهبت إلى مقهى "انديانا"،اكتشف انه لم يكن جميلاً إلابوجودك.أنظر إلى مقعدك وقد خلامنك،ومن الجلسة وقد غرقت في الصمت، خلت من أحاديثك الممتعة،الشائقة.غالباً أذهب وحدي،وأحياناًمع بعض أصدقائك وأصدقائي، فلايكون لنا حديث إلاٌوانت ذكره العطر .
 أعرف أن لاسبيل ِلأَن نستعيد حياتنا تلك الهاربة،ولا العمر الذي انسلخ منا في لحظةزمن، لكنني أفتقدك أيها الإنسان الرائع،لروحك الجميلة..أفتقدك بكثرة، ومثلك كيف لايُفتقد ؟
لروحك السلام .