من منا لا يتذكر الماضي؟
 كلنا نتذكره بحب خاصة جيل الخمسينات لا زلنا مرتبطون بالماضي، لأن كل شيئ كان جميلا، في الماضي نتذكر طفولتنا و الحارة "الحافة"، و لكن جاءنا الزمن ما بعد الماضي و هو الحاضر، و المستقبل عندما كنا نتخيله و نحن في الستينات و السبعينات، في هذا المستقبل جاءت لنا امور جميلة و لكنها الغت ارتباطنا بحاضرنا حينها، رأينا ناطحات السحاب، و العمارات العالية، و بمجيء هذه العمارات افتقد الطفل الحديث معنى الحافة و جمال الحافة، فأصبح الطفل حتى يصل لمنزلهم عليه ان يدخل ما اسموه الأسانسير، و ابوابه التي تفتح كهربائياً، و البعض يستخدم كلمة السر ليفتح باب الأسانسير.
هل تذكروا الطراحة "الشملة" التي كانت تغطي باب البيت، لأن بيوتنا كلها كانت قاعي اي من دور واحد.
راحت كل الأشياء الجميلة، مسكين جيل هذا الزمن، لا يعرف جمال ركن الحافة، و قد صنع هذا الركن رجال المستقبل آنذاك، كنا الشباب نتجمع في الركن و نقرر ان نخرج مسيرات ضد الإستعمار، و ركن الحافة هو نفس الركن ان كان في الشرق او الغرب.
من حوارينا القديمة انطلقت الفنون الشعبية لتكتب تاريخ الناس، في أحد الأيام كنت في القاهرة في ندوة تتحدث عن الكاتب نجيب محفوظ، و التقيت بأحد الكتاب المصريين، و تحدثنا طويلاً حول ذكريات الماضي، قال لي:
- لولا الحواري لما كان الإبداع في الموسيقى و الأدب، كان الكُتّاب زمان عندما يريدون كتابة مقال عن تاريخ الناس يذهبون للقهوة، و ينظرون في عيون الناس و هي تسير في موكب الحياة، قلت له:
- صحيح، و من صوت ارتعاش الأساور يُكتب العشق و الفن و الجمال 
- هل استمعت الى رائعة الأمير عبدالله الفيصل "من اجل عينيك عشقت الهوى"، و التي غنتها ام كلثوم؟
- نعم فهو كتبها عن إمرأة لم ينظر لملابسها او زينتها بل نظر الى قلبها الحنون و عينيها الجميلتان.
صدقوني كانت الحوافي (الحواري) هي كيان الإنسان.
 في الشرق أو الغرب كان هناك كتاب كبار و شعراء و فنانون مبدعون مثل تولستوي، أرنست هيمنجواي، شكسبير، نجيب محفوظ، لطفي أمان، باكثير، تينسي وليامز، علي محمد لقمان، عبد الوهاب، فريد الأطرش، نجيب الريحاني، شكوكو، بوريس باسترناك، إحسان عبد القدوس، و نزار قباني، و الكثير الكثير كتبوا الروائع  و كُتب لها الخلود في التاريخ و في قلوب الناس. 
اراد ارنست همنجواي  ان يكتب اسطورة الصيادين، فلم تعينه فناذق نيويورك الفخمة في ان يُبدع، فذهب الى كوبا ليجلس مع الصيادين الفقراء و كتب اسطورته "العجوز و البحر"، و بسببها نال جائزة نوبل في الأدب، و في مصر كتب نجيب محفوظ ثلاثيته عن حواري مصر فمُنح جائزة نوبل في الأدب، و كتب علي محمد لقمان "الوارد" فسجل تاريخ أمة.
يتساءل الإنسان العادي اين هي المشكلة، و ما سبب نُدرة المبدعون في هذا الزمن، و الحقيقة إذا ذهبت لوزير الثقافة ستجده لم يسمع في يوم من الأيام ب "الباجية" و لا يهمه تاريخها، سأحدثكم قليلاً عن الباجية حتى اختم مقالي هذا:
الباجية كانت إحدى المأكولات الشعبية المهمة في عدن، و تؤكل في وجبة العواف العدني في وقت العصر، و كذلك تؤكل في رمضان، و هي من المقبلات الشعبية، و يوجد شبيه الباجية في مصر و بعض البلدان العربية و تسمى "طعمية" او "فلافل" و الطعمية يعملوها من الفول.

الباجية العدنية يعملوها من الدُجرة، الدجر المبشور و المطحون في مطحنة الحجر و ليس الخلاط الكهربائي، في إحدى زياراتي لعدن سألت احد الأخوة من ابناء الريف، فقال لي ان الدجرة نبات يتسلق بجانب النبته الأصلية في المزارع، و يستمر يعلو حتى يغطي النبته الأصلية، و الباجية لها طعم خاص في مائدة رمضان، و لكن اليوم فقدت نكهتها بسبب طحنها بالخلاط الكهربائي.