يقال انه في أحد أرياف جمهورية مصر العربية كان هناك ثلاثة من الصبية  الأيتام ورابعهم حمارهم خائر القوى منهك الجسد من اثر الجوع و جور الأحمال, في رحلة مضنية وشاقة يضربون بها طول البلاد وعرضها بحثا عن رزق يلتمسونه   في أي مكان بعد ان هدّ حيلهم الفقر وأعيا حالهم العوز. وقبل ان يبلغوا هدفهم وينالوا مبتغاهم, وهم في منطقة قفرا جرداء حصل ما كانوا يخشون وقوعه , فقد مات الحمار ورحل عنهم الى الأبد, ازدادوا بفعل ذلك تعاسة في تعاسة, واجتمع عليهم الغم بالهم معا.

وفي حين كانوا يندبون حظهم العاثر ونصيبهم التعيس بعد ان فرغوا من مواراة جثة حمارهم  تحت شجرة ظليلة هي الوحيدة بالمكان فإذا بأحد المارة  يعرج عليهم ويسألهم عن سبب وجودهم بهذا المكان. فبلمح البصر وبسرعة بديهية عابرة قال أحدهم: نحن هنا في زيارة لأحد أولياء الله الصالحين  صاحب الكرامات والمعجزات المدفون تحت هذه الشجرة.. إنه (سيدي الحمار) .! تملكت الرجل حالة الدهشة والحيرة,  كيف انه لم يسمع من قبل بهذا الولي وبهذا المقام ولم يسمع بكرامات هذا الولي الصالح من قبل هذا اليوم. وطفق الصبية الثلاثة يسردون حياة سيدهم الحمار ويتحدثون عن كرماته  ومعجزاته,  وكيف انه كان يشفي المرضى ويبرئ الأكمة ويداوي الأبرص ويحل السحرعن المسحور ويقيد الشياطين ويصفد المردة ويجعل المرأة العاقر ولودا ودودا ,ويحبب الزوج بزوجه وغيرها من الحكايات .

بعد ذلك تركهم الرجل وعاد الى قريته وهو أسير الاستغراب والحيرة , تتنازعه الهواجس والأفكار من كل جانب.

وماهو إلا كخفق الجناح حتى انهالت على أيادي الصبية الثلاثة وعلى مثوى سيدي الحمار كل أصناف القرابين والمنح من مأكل وشراب و أصنافٌ شتى من قوالب الحلوى والكعك فضلا الأموال النقدية الطائلة والجواهر والحلي الهائلة بعد ان غشي المكان المئات من الزوار للتبرك والمنفعة . وبعد أيام قليلة أصبح لسيدي الحمار مريدية الكثر, وأضحى  زواره يعَدون بالآلاف من كل البقاع والأصقاع, بل وكان معظمهم  من بلدات وقرى بعيدة عن المكان, ربما إعمالا بالقول المأثور:( الولي البعيد سره باتع). وكان هؤلاء الزوار بالذات هم أكثر الزوار كرما وسخاءً عن غيرهم الى درجة ان أحد أعيان أحد القرى تبرع ببناء ضريح  ضخما  فخما يكون بمقام ومكانة وليهم الصالح الحمار.! ليس هذا فحسب بل وجعل له قيوما يقوم على خدمته وبأجر شهري مُجزٍ ,كما وحددوا يوما تكون فيه زيارة سنوية لمقام سيدهم لينالوا من بركته الكثير والكثير, ويشدون فيه الرحال اليه كل عام, ولتكون ايضا مناسبة تنسِج فيها مخيلاتهم الواسعة مزيدا من الخوارق والمعجزات المذهلة التي يمتلكها سيدهم الحمار في حياته ومماته , فذاع صيته وطفقت سمعته الافاق بسرعة كبيرة.

        جرت الأمور المذهلة والسارة على هذا النحو أمام عيون الصبية الثلاثة غير مصدقين انفسهم ان الحياة  أخيرا قد قررت ان تبتسم بوجوههم بأعرض الابتسامات , وأن الحظ قد شرّع  مصارعه أمامهم على الآخر , وأن الرزق  فعلا قد فتح لهم كل أذرعه وأبوابه المؤصدة من حيث لا يحتسبون, وان السماء تمطر عليهم جواهر ونقود بعد أن أجدبت سنين وسنين .