اسم البروف أحمد علي الهمداني وحده يثير الاهتمام ،فقد صار منذ سنوات إسما موثوقا في حياتنا الثقافية، صاحب مشروع ثقافي يعمل عليه منذ عقود، فهو مبدع متعدد الاهتمامات ، شاعر ، وناقد، وكاتب له العديد من المؤلفات والكتب في العديد من نواحي الحياة ، باحث واستاذ جامعي،ومترجم،وصاحب مسيرة علميةواكاديمية تخرج على يديه الكثير من طلاب العلم في جامعة عدن .
                      □
  آخر ما صدر له ( موسوعة الأمثال الشعبية الجنوبيةاليمنية)، وهي أول عمل يجمع أمثالا من مختلف مناطق اليمن ، ولا يركز على منطقة بعينها. تحتوي الموسوعة على عشرة آلاف ومائتين وأربعين مثلاً. ظل مؤلف الموسوعة عشرات السنوات يشتغل عليها ، ويجمعها من فترة إلى أخرى". وهي أول عمل من نوعه في هذا المجال  في مؤلف واحد، ويعد إضافة للمكتبة اليمنية والعربية، ومرجعاً ثميناً لاغنى عنه للباحثين في الأمثال الشعبية،ولكل من يريد أن يقف على التراث الشعبي المحكي للشعب اليمني . والأمثال الشعبية هي خلاصة خبرة الإنسان وحكمته في الحياة التي اكتسبها عبر القرون . 
 " اعتنت الموسوعة بشرح الأمثال وتفسيرها وتبيان أماكن استخدامها ، والتوضيح لمن تضرب ،ومتى ؟
وتعبر هذه الموسوعة عن الغنى الروحي والمادي للشعب اليمني ، وعن استيعابه الواقع المعاش ، وقهره الواقع المؤلم ،وانتصاره عليه في الزمان والمكان. 
 تصدر الموسوعة في1500صفحة وفي جزئين. وكان الأستاذ الدكتور أحمد علي الهمداني بدأ العمل فيها منذ السبعينيات من القرن الفارط.."
                       2
  في حياة كل منا جدة ، هي المصدر الأول الذي يستمد منه حبه للثراث الشعبي ، قد تكون جدته لأبيه، أو لأمه.
 والأطفال عادة ينصتون للجدات ..
بالنسبة للهمداني كانت جدته لأبيه زهرة  محمد حسن الزبيدي هي سبب هذا الولع  بالتراث منذ الصغر، حين كانت تروي له الحكايات والأمثال والألغاز والأغاني الشعبية وهو يتحلق حولها كل مساء مع بقية أخوته. واغنت عمته نور مخيلته بالعشرات من الحكايات والأمثال الشعبية، فكان محظوظاًبهذه العمة وتلك الجدة. هذا تماما ماكانت تفعله جدتي لأبي كل مساء عندما تجمعنا انا واخوتي حول النار وتحكي لنا الحكايات ،،لقد كانت مصدري الأول للإهتمام بالحكايات والتي جعلت مني فيما بعد كاتبا للقصة.
 اما المصدر الثاني ، فكان على الهمداني أن يكتشفه ويعثر عليه من خلال البيئة الشعبية التي عاش فيها، فقد ولد في حي شعبي في مدينة الشيخ عثمان بعدن، في 8 اكتوبر 1951م والأحياء الشعبية تكون عادة زاخرة بمخزون هائل من الموروث الشعبي لايمكن ان تجده إلا في مثل هذه الأجواء،اندمج في حاراتها وازقتها واختلط بالناس البسطاء،عرفهم وعرفوه واستوعب ثقافتهم وحياتهم .. هذه البداية ظلت راسخة في ذاكرة الطفل، تنمو وتكبر معه، تنزوي في زاوية ما من فصوص دماغه إلى حين ، تاركة المجال لإهتمامات أخرى أكثر إلحاحاً، لكنها سرعان ماتعود إلى الواجهة لتذكره وان لم يكن قد نسي ( نحن هنا ! ).
 اما المصدر الثالث الذي اغنى روح الهمداني فكان القراءة، فقد قرأ عدداً كبيراً من القصص والملاحم والسير الشعبية العربية التي أثرت روحه وذهنه وفتحت الأبواب واسعة على الشعر والنثر مدة طويلة من حياته . 
                      □
  لم يستطع بُعده عن وطنه لسنوات للدراسة في الاتحاد السوفياتي ، أن تنسيه الأمثال التي دوَّنها في بعض دفاتره القديمة منذ نهاية النصف الأول من سبعينيات القرن العشرين الماضي .بعضها دونها من أفراد أسرته ، لأنه بمجرد أن نال الدكتوراة سيعود للعمل عليها في جهد سيستغرق منه قرابة ثلاثين سنة من حياته العمليةوالعلمية
الإبداعية.
.. وحتى عندما كان يحاضر في كلية التربيةالعليابجامعة عدن ،لم تترك له فرصةللراحةفطلب من طُلابه أن يزودوه بأمثال من مناطقهم ، وقد رتب هذه الأمثال على الحروف الهجائيةدون أن يشرحها او يفسر مفرداتها ومعانيها ، وقد نشرت الجامعة هذا الجزء في كتاب سنة 2007 تحت عنوان : ( قاموس الأمثال اليمانية ).
                        3 
  هل هذا كل شيء ...؟
 لا طبعاً ..
 بالنسبة لكاتب موسوعي مثل الأستاذ الدكتور أحمد علي الهمداني ماكان ليرضيه ذلك ابداً . فقد أولى عناية بالغة بالأدب الشعبي اليمني ، وفي هذاالمضمار أصدر: الفلكلور اليمني " بعض الحقائق والملاحظات " ، قاموس الأمثال اليمانية، الأدب الشعبي وعلاقته بالأدب، معجم الأمثال اليمانية الشائعة، الأدب الشعبي اليمني .. بعض الحقائق والملاحظات، حكايات شعبية من اليمن، الألغاز والأحاجي والأغاني الشعبية من اليمن، جمع وإعداد ودراسة قاموس الأمثال العدنية لمؤلفه عبدالله يعقوب خان .
 لكن كل ذلك لم يكن إلا البداية لمشروعه الكبير.وعن ذلك قال في مقابلة اجراها معه محمود قنديل في مجلة "ادب ونقد "المصرية : "في الحقيقة مشروعي الكبير هو الانتهاء تمامًا ووضع اللمسات الأخيرة لعملي، موسوعة الامثال الشعبيةالجنوبية اليمنية، تحتوي على اكثرمن عشرة آلاف مَثَل. لقد كلفتني ربع قرن من حياتي العملية الإبداعية وأرهقتني تمامًا". وهو المشروع الذي أشرنا إليه وصدر مؤخرا عن دار عناوين بوكس التي قدمت هذا العمل الكبير وأعمال أخرى كثيرة للمؤلف،إلى القاريء اليمني والعربي والعالمي ، ويقف على رأس الدار الأستاذان صالح البيضاني واحمد عباس  وبالتأكيد يستحقان الشكر الكثير على طبع ونشرهذا المنجز العظيم. .                                        4
 أحياناً كلما صدر كتاب جديد للدكتور أحمد علي الهمداني، وقد صدر له حتى الآن (63 )  كتاباً ومؤلفاً -قبل هذه الموسوعة- كنت اقول لنفسي :ألم يتعب هذا الرجل بعد من البحث والتأليف والترجمة؟! وهو عمل مضن دون شك ومرهق يستهلك الصحة والوقت ويتعب النفس !
  تجرأتُ ذات مرة وسألته: 
 - من أين تجد الوقت لتؤلف كل هذا الكم من الكتب .. ؟    
  أجابني ببساطة وصراحة:
 - طلقت السياسة ، وتفرغت للتأليف .!
 نعم عزيزي أحمد..إن السياسة تقتل الإبداع ..وحين تقتل السياسة الإبداع فلابد من التخلي عنها نهائيا... 
ولابد من أن اشيد بموقفك هذا... لأنك  اكتشفت ان السياسةلاتقتل الإبداع في بلادنا فقط ، بل تقتل كل ماهو جميل وأوله الإنسان! وانك كنت شجاعاًوصادقاً مع نفسك ومع الناس حين تخليت عنها ، بعد ان اكتشفت زيفها، وكذب الذين يعملون بها، ونفاق اغلبهم، وأُميتهم، وان لا علاقة لهم بها ، بل هم دخلاء عليها ولايفهمون شيئاً في السياسة ، فكرست نفسك وابداعك، ووقتك ووعيك، وفكرك ، وقلمك لما يفيد الناس ..
                         5                 
 وبالنسبة للهمداني فقد كلفه العمل الوطني كثيراً،ُمذ كان تلميذاً في المدرسة ، فقد زج به في السجن في مستشفى عفارة في الشيخ عثمان، الذي حولته الجبهة القومية إلى معتقل عشية
الاستقلال الوطني 1967، ثم نقلته إلى سجن المنصورة المركزي ، ولم يفرج عنه إلا بقرار من رئيس الجمهورية قحطان محمد الشعبي أطلق بموجبه عن كل الطلاب المُنتمين للتنظيم الشعبي للقوى الثورية وجبهة التحرير وإلى القاعدة الطلابية ، وقد كان أحمد علي الهمداني عضواًفي التنظيم الشعبي الذي كان يحارب الاستعمار ويُناضل من اجل الحرية والاستقلال،، ومن اجل ذلك كان عقابه السجن!!
  ليس هذا فقط، بل انه سيواصل دفع الثمن مرات عديدة ، فبعد تخرجه في  الثانوية العامة سنة 1972 لم يحصل على وظيفة(!)وخلال نفس الفترةرفضت إذاعة عدن توظيفه رغم نجاحه في امتحان القبول ، كان اسمه قد دخل " القائمة السوداء" !
 لكنه حصل على وظيفة مدرس بعدتدخل
 عادل البكيلي وعلي الحقاني . 
  وحتى الدراسة في الخارج والبعثة الجامعية كاد يُحرم منها لولا تدخل الشاعر إدريس حنبلة والأستاذ عبدالفتاح إسماعيل، فكادت البلد والثقافة فيها تُحرم من هذا الكاتب والمؤلف والشاعر  والناقد متعدد المواهب والاهتمات كما نعرفه اليوم !
                        6                        
   أُدين بمعرفتي بالبرفيسور أحمد علي الهمداني لإثنين: انطوان تشيخوف ،، والأديب القاص اديب قاسم الذي منه سمعت باسم أحمد الهمداني في منزله  في الشيخ عثمان للمرة الأولى. يومها اكتشفت انني واديب لسناالوحيدين العاشقين لهذا الأديب الروسي العظيم، بل هناك من يشاركنا فيه إن لم يكن يتفوق علينا.وقد ترجم هذا العشق إلى
بحث ودراسة لأدبه نال عنه درجة الماجستير برسالته الموسومة : الأبعاد الموضوعيةوالخصائص الفنية في مسرحيات تشيخوف ، قدمه باللغة الروسية في جامعة سيمفروبل - عاصمة القرم.والدكتوراة عن رسالته : تشيخوف في النقد العربي التي ناقشها ودافع عنها في جامعة موسكو. وإلى ترجمة لبعض اعماله واعمال ادباء روس آخرين من الروسية إلى العربية استحق من أجله تكريم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوسام الشاعر الروسي العظيم "بوشكين" هي: نصوص من الأدب الروسي، ترجمات في الأدب الروسي ، تشيخوف جوانب موهبة عظيمة( دراسات في القصة
التشيخوفية،مسرحيات تشيخوف من بلانوف إلى بستان الكرز ،في مختبر تشيخوف الإبداعي، البندقية التي لاتطلق النار( تشيخوف القاص والكاتب الدرامي)
،تشيخوف في الأعمال السردية، نصوص من الأدب الروسي : تشيخوف ،تيوتتشيف
 وآخرين .
                         □
  سألت صديقي وتوأم روحي أديب قاسم :
 - هل تعرفني عليه ؟
 قال بطريقته الحاسمة :
 - .. لا !
 - ليش ؟
 - سافر
  سألته : 
 - إلى فين ؟
 - موسكو ..
 - وايش معه في موسكو ؟
 - طار خلف صاحبنا تشيخوف .!
  من اديب قاسم عرفت أنه ذهب يبحث في ادب تشيخوف في مصادره الحقيقية ، فلم تتح لي فرصة التعرف إليه في حينه. ولكن بعد أن عاد من موسكو حاملاً الدكتوراة والتحق أستاذا بكلية التربية العليا بجامعة عدن، عدت ذكرت اديب بوعده لي ، وقد وفى وصحبني ذات عصرية إلى شقته حيث مقيله ،، وكانت تلك المرة الأولى والوحيدةالتي التقيه فيها وجهاً لوجه.ولا اتذكر ان حديثاً خاصاً دار بيننا في تلك الجلسة، إذ كان هناك آخرون ايضاً، والأحاديث كانت عامة..لكن الدكتور أحمد الهمداني الذي كان يرأس خلال تلك الفترة نفسها مجلة الجامعة( التواصل ) خصص ملحقاً عني  في العدد ( 21)  الصادر في يناير 2009  في ( 68) صفحة، شارك في كتابته شخصيا ببحث تناول فيه قصتي : الهجرة الأخيرة المنشورة في مجموعتي الأولى( مثل عيون العصافير على طرف النهر ) الصادرة عام 1979م، وناصر بحاح ببحث حمل عنوان : تشظي الزمان و اغتراب المكان في ثلاث قصص لمحمد عمربحاح،  واديب قاسم ببحث بعنوان : بورتريه م ع بحاح ..الروح- والصورة . وتضمن الملف نصوصاً لي بعنوان : كيف أصبحت كاتباً ؟، ومجموعة من قصصي حملت العناوين : حكمة الغراب !، كائنات المدار المذهل ، الخروج من المقهى .. الخروج من النص ، اشهد له ياقمر !، احلام كارثية، ومؤامرة محمد الطيب . 
                        7
  كتب الدكتور أحمد الهمداني كثيرا ،، كتب كل ما راءه جميلاً،، كتب بأحاسيسه ومشاعره عن مدينته : عدن من الريادة الزمنية إلى الريادة الإبداعية ، وعدن في عيون الشعراء. وكتب شعراً أصدره في( ديوان الهمداني) ، واهتم بشعر الشعراء الكبار وبدراسة اشعارهم وإصدار اعمالهم ، فكتب عن إدريس حنبلةالشاعروالمناضل
 ،وعن محمد سعيد جرادة :قصائدورسائل
 لم تنشر، وعن الزبيري شاعر التغيير في اليمن ، ودفاعاً عن لطفي امان ، وعن محمد عبده غانم من الرومانسية إلى الكلاسيكية، والاعمال الشعريةوالمسرحية
 الكاملة للشاعر علي محمد لقمان. واعاد الاعتبار الى المجاهد الكبير و"رائد التنوير في اليمن"  محمد علي لقمان المحامي فكتب عنه في ( مجلدين ).وعن لقمان الرحالة. 
ولم ينس القصة فكتب دراسات في القصة اليمنية ، واقاصيص يمنية مترجمة.
 والكثير ..الكثير مما لايمكنني حصره في هذا الحيز الذي لايتسع إلا للقليل من إبداعك ...
 هل تعرف ياصديقي احمد .. إن أجمل شيء يحدث لنا هو الكتابة ...؟ 
  حتما تعرف ...
لهذا نكتب حتى آخر نفس ....